محمد حسين يونس
لغة الأم هي تلك التي تتحدث بها لطفلها فيلتقطها منها .. لتصبح لغته الأصلية التي يتواصل بها مع الأخرين و يتعلم بها و يكتب و يفكر بواسطتها
في بلدنا لغة الأم شكلتها العوامل الجغرافية و التاريخية .. فرغم أن أساسها لغة عربية اللهجة اليمنية القادمة مع القبائل التي إحتلت مصر بعد الغزو العربي .. إلا أنها مطعمة بالمصرية القديمة ( القبطية ) و بلغات شعوب عدة مثل الفارسية و التركية و اليونانية و الرومانية (الإيطالية ) و الفرنسية و الإنجليزية . تستطيع أن تجد علي شبكة التواصل العديد من الأمثلة لذلك.

اللغة المصرية ليست واحدة .. إن ما نسمعة في السينما و المسلسلات و ما نقرأة في الجرائد هو لهجة أهل القاهرة و هناك لهجات أخرى حسب المناطق الجغرافية بدأ بأهل أسوان و الأقصر .. مرورا علي الأسايطة و المنياوية .. و إنتهاء باللهجة الأسكندراني أو البورسعيدى ..

اللغة المصرية لغة شفاهية .. لها قواعدها الخاصة .. التي تختلف عن النحو العربي نحن نقول الراجل اللي .. و مراتة اللي .. و أولادهم اللي .. و بناتهم اللي ..و نعمل (باى باص ) علي كل قواعد النحو العربي . الراجل بتاع الخضار .. و الست بتاعة الفلافل .. و الولدين بتوع فريق الكرة .. و البنات بتوع الكورال ..

و ننفي بكلمة واحد (مش عايز)..( مش رايح)..( مش واخد بالك ).. (مش حتتعشوا) .. أو (بلاش) إستعباط ..( مفيش) فايدة ... كتاب كثيرون جالوا و صالوا في إختلاف اللغة المصرية عن اللغة العربية بحيث يمكن إعتبارها (أى العربية ) لغة أجنبية .. عكس لغة الأم .. كتاب (بيومي قنديل ) بهذا الخصوص (( حاضر الثقافة في مصر )) يستحق القراءة .

اللغة المصرية لغة تعامل يومي .. و لكنها تبعد كثيرا عن الفلسفة و العلوم و المنطق .. لقد توارثها الأبناء عن الأجداد .. أضافوا لها .. و جنبوا بعض الألفاظ طبقا لمتطلبات العصر .. و لكن عندما يتحدثون عن منتجات العالم الخارجي يستخدمون نفس المصطلحات .. النت .. ست أب ( صطبه ) التليفون .. الجيم .. اللاب توب .. الكومبيوتر

لذلك فإن أول مهام بدء الطريق نحو عالم الثقافة سيكون تقوية و تمكين لغة الأم من الفلسفة و الرياضيات و المصطلحات العلمية .... ثم تحويل اللغة المنطوقة لاخرى مكتوبة ذات قواعد و إسلوب كتابة بحيث يتطابق المنطوق مع المكتوب .. و بالطبع لا أقصد تلك الموضة التي سارت بين المراهقين .. بكتابة ما يريدون بحروف لاتينية .

تحويل اللغة المصرية (الدارجة ) إلي لغة علوم و فنون .. و فلسفة سيحميها من تلك التشوهات التي نسمعها متداولة بين الشباب و تعبر عن كبتهم الجنسي .. أو قلب المعني فلن نسمع الأنسة جاسمين و أمها يعبران عن إعجابهما بتعبير ( الأكل فظيع ) بمعني فائق الإتقان ..(الملابس فظيعة عجبتني قوى ) بمعني أنها شديدة الجمال .

اللغة العربية التي من الواضح أنها ليست لغة الأم .. يتعثر الطلاب في إستيعابها .. فهو علية ترجمة ( مش عايز ) إلي ( لا أريد ) .. و تحويل (البنتين اللي في الشارع) إلي ( الفتاتين اللتين يقفان علي ناصية الطريق ) مع إضطراب شديد في إستخدام النحو .. يا ترى هي .. (قادمون) و لا (قادمين )

ضعف اللغة المصرية أدى إلي ضعف التعبير بها و حشر العديد من الألفاظ الأجنبية للتوضيح .. تشويش .. و عدم إتزان وفقد القدرة علي التواصل مع العلوم بلغة الأم . بحيث أن محاولة تعريب العلوم أثبت فشلة .. فحتي العربية التي لا تمتلك مرونه و حيوية التعبير عن كثير من المعاني و المصطلحات ..أعتبرت أجنبية .. بمعني تحويل المعني من أجنبي لأجنبي أخر .

يقودنا هذا إلي أن علي المثقف لكي يطلع علي مفردات العصر و علومه أن يتعلم و يتقن لغة حية ( إنجليزى / فرنسي / الماني )..

نحن لا نبدع لأننا نفكر بلغة الأم و نكتب بلغة عربية غريبة عنا .. و كلاهما قاصرة عن إستيعاب المفردات العلمية المعاصرة .لماذا ( جائحة )