محمد حسين يونس
أقول لكم الحق .. لم أتصور في يوم من الايام منذ أن إلتحقت بكلية الهندسة عام 1956 و حتي عهد قريب .. أن يتدهور الحال بالمهندسين ليصل إلي هذه الدرجة من الإحتياج و المهانة .

لقد كنت أرى دائما أن إمكانيات المهندس العلمية و الذهنية ستجعله يعيش في المنطقة الأمنه إجتماعيا سواء كان النظام إشتراكيا أو راسماليا أو حتي إستعماريا يتحكم في حياة و أعمال الناس

فلم يخطر في بالي أن يكون هناك من بين نظم الحكم المعروفة نظاما عشوائيا يأكل الزبادى باللبيسة . ويلبس الجزمة بالمعلقة .

المهندس هو الذى يدير البنية التحتية للمجتمع .. لهذا فهو مطلوب في السوق دائما.. و مكرم و يحصل علي أعلي الأجور .

في خمسينيات القرن الماضي .. كنت أرى الأهل و الأصدقاء المهندسين يعيشون في بسطة من الرزق .. و لهم مكانه متفردة و محترمة بين الأخرين .. لقد كانوا باشاوات حتي الحديث منهم .

وعندما تخرجت من الجامعه ..كانت حاجة المجتمع الذى ينمو بشكل صحيح .. للمهندسين ماسة فقررت حكومة الضباط تكليفهم بالأمر ليعملوا في مشاريعها .. و ميزتهم بقروش قليلة .. كانت كافية لجعلهم خارج منطقة الإحتياج.

خلال الحروب .. و بعدها كان المهندس هو البطل الذى يعيد البناء و يقيم التحصينات و يدير الألات .. و يصلح المعطوب .. و كان يعيش في بحبوحة و أمن وضمان لم يفتقده في يوم ما

مع الهدوء و الإستسلام .. كان المهندس مطلوب في الخارج .. سواء إذا أراد الهجرة .. أو العمل بالدول المحيطة .. و كانت البعثات الخليجية تأتي لمصر لتختار مهندسيها من شبابنا .. و كان البعض قد إلتحق بالشركات الأجنبية القادمة مع الإنفتاح ليتعلم اساليب غابت عنا خلال فترة الصراع و الحروب .

و قد أقيمت معاهد عليا هندسية عديدة إتنتشرت في الأقاليم لتخريج مساعدى المهندس .. أو الملاحظين .. ثم أصاب المجتمع إحتيال سياسي فتم تحويل خرجيها لمهندسين .. ورفع يافطة المعاهد ليضعوا مكانهاعنوانا لكليات هندسة إقليمية.. وزاد العرض عن الطلب ..

فإنخفضت قيمة المهندس في السوق .. لكن لازال خارج دائرة الإحتياج في المنطقة الأمنة .

بين يوم و ليلة .. تحولت عقيدة الحكام .. من إدارة الدولة لصالح ناسها.. لإدارة الدولة من أجل حلبها .. و تصدير خيرها لغيرها ..

و حدث نوع من التمييز بين القادر علي اللعب بالبيضة و الحجر .. ليرتفع عدد من المهندسين إلي عنان السماء يرفلون في العز و الابهه و يسكنون القصور و يراكمون الأموال المكتسبة أو المنهوبة .. و سقط في دائرة الإحتياج أغلب شباب المهندسين الذين تعلموا الهندسة فقط .. دون أن يتقنوا أساليب الرقص علي الحبال .

اليوم أنظر للمهندسين حولي عباس وزهدى و صلاح ولويس .. و قد توقف مقدار راتبهم الضئيل عند حدود راتب 2011 بدون أى علاوات أو زيادات أو حوافز .. رغم إنخفاض قيمة الجنية ..و أعجب لأنهم لم يحصلوا عليه من ستة أشهر .. اى منذ بداية العام ..دون أن يطرف رمش من عين الدكتور صاحب المؤسسة الهندسية العملاقة ...

حجة مندوبي الدكتور .. أنه لم يحصل علي مستحقاته ..لأن الجهه الحكومية اللي متعاقدة معاه لم تحصل علي الميزانية المقدرة... لأن وزارة المالية لم تدفع حصتة ..

و أندهش .. كيف وصل الحال .. بالمهندس الشريف الذى لا يمد يده للمال الحرام .. أن يصبح عاجزا عن شراء ملابس العيد لإبنته .. أو يدفع فاتورة المياة ..والغاز و الكهرباء إللي زادت تعريفتها بألأمس .. و يدور يبحث عن من يقرضة جزء من مرتبه المحجور عليه ..و مع ذلك يحمد ربه أنه لازال يذهب كل يوم لعمل ما .

زعلان جدا .. حتي المهندس الذى كان دائما درة التاج سقط طبقيا .. بسبب زيادة العرض عن الطلب.. و إنخفاض الدخل .. و إستهبال أصحاب الأعمال .. و إنخفاض القيمة الشرائية للجنية ..و لأننا أصبحنا محاصرين في غابة لا يمكن الخروج منها بالهجرة أو الإلتحاق بعمل بالخارج .. لأنهم هناك يشكون من الكورونا .. و آثارها الإقتصادية ..وفي المستوى العلمي للمهندس المصرى .