كتب – روماني صبري 
 
يحظى العالم والطبيب "أبقراط" بمكانة واحترام شديدان في كل العالم، ولإسهاماته في مجال الطب أطلق عليه أبو الطب وأعظم أطباء عصره والأب الروحي للطب الحديث، أصاب نجاحا عظيما في العصور القديمة، وكان أول من دون كتب الطب، وخلصه من آثار الفلسفة وظلمات الطقوس السحرية، من أشهر الشخصيات على مر التاريخ في كل العصور وكل المجالات، وعلى الرغم أنه لم يهتم سوى بمجال واحد ولم يبرع في مجالات مختلفة مثل ليوناردو دا فينشي الذي تكلم في مجالات مختلفة، إلا أنه ظفر بشهرة واسعة منقطعة النظير، هو مؤسس فكرة القسم الشهير الذي يقسمه الأطباء قبل امتهان الطب، كتب الكثير من الحكم أهمها : إنما نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل، الطب قياس وتجربة، كل مرض معروف السبب موجود الشفاء، محاربة الشهوة أيسر من معالجة العلة،  ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم.
أبو الطب الحديث 
في عام 460 قبل الميلاد ولد ابن إقليدس بن أبقراط  بجزيرة كوس، وكان أشهر أطباء العصور القديمة، علمه والده وجده أصول الطب حتى برع في هذا المجال، حين رأى أن العلوم الطبية على وشط الانقراض بانقراض أعلامها ونوابغها رأى أن حفظها يكمن في إذاعتها في سائر أرجاء العالم وتسهيل تناولها على الناس أجمعين لتصل إلى النفوس المستعدة للنبوغ فيها قائلا: "إن الجود بالخير يجب أن يكون على كل أحد يستحقه قريبا كان أو بعيدا".
من يعمل بالطب فليراعى حقوقه 
جمع نفر من الغرباء وعلمهم الطب وعهد إليهم العهد الذي كتبه وأحلفهم بالأيمان المذكورة فيه أن يراعوا حقوقه وأن لا يعلموا أحدا إلا بعد أخذ العهد عليه، وروى ابن أبي اصيبعة عن أبي الحسن علي بن رضوان قال: كانت صناعة الطب قبل أبقراط كنز وذخيرة يكنزها الآباء ويدخرونها للأبناء، وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى اسقيبيوس.. كان ملوك اليونان والعظماء منهم لا يمكنون غيرهم من تعلم صناعة الطب بل كانت فيهم خاصة يعلم الرجل منهم ولده أو ولد ولده فقط.
 
كان تعليمهم بالمخاطبة ولم يكونوا يدونونها في الكتب، وما احتاجوا إلى تدوينه في الكتب دونوه بلغز لا يفهمه أحد سواهم فيفسر ذلك اللغز الأب للابن، كان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الخير إلى الناس من غير أجرة ولا شرط، ولم يزل كذلك إلى أن نشأ أبقراط من أهل قو وذمقراط من أهل بديرا وكانا متعاصرين فأما ذمقراط فتزهد وترك تدبير مدينته وأما أبقراط فرأى أهل المدينة قد اختلفوا في صناعة الطب وتخوف أن يكون ذلك سببا لفساد الطب فعمد على أن دونه بإغماض في الكتب وكان له ولدان هما ثاسلس وذواقن وتلميذ فاضل هو فولوبس، فعلمهم هذه الصناعة وشعر أنها تخرج عن أهل اسقيبيوس إلى غيرهم فوضع عهدا استحلف فيه المتعلم لها على يكون ملازما للطهارة والفضيلة، ثم وضع ناموسا عرف من الذي ينبغي أن يتعلم صناعة الطب، ثم وصية عرف فيها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه.
لكل حالة مرضية  تفسير
قام طب أبقراط على الملاحظة الدقيقة في مكونات جسم الإنسان، وكان يؤمن أن لكل حالة مرضية  تفسير علمي لها عكس ما كان منتشرا في عصره، كان يتعامل مع الجسم البشري ككتلة واحدة مترابطة، يحسب له أيضا انه أول من وصف مرض الالتهاب الرئوي والصرع عند الأطفال، علاوة على انه أول من قال أن أساس الصحة هو الطعام الصحي والهواء النقي والنظافة وراحة الجسد.
 
كتبه 
استخدم أبقراط في تأليف الكتب ثلاث مسالك، فبعضها كتب بطريقة الألغاز، والبعض الآخر كتب بطريقة الإيجاز، وفي مسلكه الثالث اعتمد البيان والتصريح، وقد علم عنه العرب نحوا من ثلاثين كتابا وقيل ستين كتابا منها كتاب الأجنة وكتاب طبيعة الإنسان وكتاب الأهوية والمياه والبلدان وكتاب الفصول.
 
 
لا يجب أن يعرف الطب الدجل والشعوذة
لابقراط فضلا كبيرا في تقدم الطب، وإنقاذه من هيمنة السحر والطقوس التي لا طائل تحتها ولا تفيد المرضى، لذلك وثق فيه الملوك والحكام وكانوا يستعينون به لتطيب جراحهم وشفاء أمراضهم، انتهج الرجل منهج علمي في ملاحظة الحالات المرضية، وقد تنقل بين المدن يعالج الناس ويراقب آلاف الحالات، سعى لتخليص الطب من تأثير الفلسفة عليه فقال: إن النظريات الفلسفية لا شأن لها بالطب ولا موضع لها فيه، وإن العلاج يجب أن يقوم على الملاحظة، وعلى تسجيل كل حالة من الحالات السريرية وكل حقيقة من الحقائق المرضية، وإن الاهتداء بالأعمال الطبية إنما يكون بالخبرة والتجربة العملية.
 
الاستنتاج المنطقي أساس الطب 
كان يعتمد الاستنتاج المنطقي في عمله، وسعى أن يجعل الطب علما موضوعيا ويعطيه شكلا متكاملا، فكان يتبع في فحصه الاستجواب والقرع والجس، كما كان يدقق في مفرغات المريض ويدرس الشروط التي يعيش فيها من مكان وغذاء ومناخ، إلا أن بعض تفسيراته لم تخل من التأثر بالفلسفة إذ كان يأخذ بنظرية الأخلاط -الدم والبلغم والصفراء والسوداء- ويقول إن الإنسان يتمتع بالصحة الكاملة إذا امتزجت هذه العناصر بنسبها الصحيحة، أما في حالات المرض أو الموت فينقص بعضها أو يزيد أو يفسد، كما يقول إن هذه الأخلاط تتأثر بالجو والطعام ومزاج الفرد واختلاف محيطه.
 
إسهاماته 
نجح في وصف الصرع وصفا دقيقا، وتكلم بإسهاب عن التهاب الغدة النكافية وحمى النفاس وحمى الثلث وحمى الربع وبعض آفات غشاء الجنب والرئتين، لكنه لم يذكر مرض الحصبة ومرض الديفتريا والحمى القرمزية، كما نجح في تفسير تقيحات الجروح، وشد العظام لرد الخلوع والكسور المتبدلة وإعادة العظام المصابة إلى مواضعها، وجه نصائح بخصوص تحضير غرف العمليات الجراحية وتنظيم الضوء فيها وتنظيف اليدين والعناية بالأدوات الجراحية وإيضاح طريقة استخدامها وطرق تضميد الجروح وما إلى أخره.