وليم ويصا
عندما وصلت إلي باريس في إبريل ١٩٧٤ التقيت في اليوم الثاني اثنين من كبار الفنانين المصريين ، أحدهما آدم حنين ، في مقهي يقع في شارع الرئيس كنيدي بالحي السادس عشر.

قال لي الفنان الآخر ، أنت لا تتقن الفرنسية وعملت كصحفي وليس امامك سوي غسل الأطباق، عد إلي مصر.

شعرت بالغضب الشديد من نصيحة تطالبني بالعودة إلي مصر في اليوم الثاني لوصولي وقلت له لن أغسل أطباقًا ولن أعود لمصر، وكنت قد عزمت المجئ لتحضير درجة الدكتوراه في جامعة السوربون في الإعلام.

ولكن آدم ، الصديق العزيز، نياحة لروحه، قال لي : لا تغضب سأعطيك مفتاح باريس، وقبل أن ترتسم مشاعر الدهشة علي وجهي، رأيته يخرج خريطة لمترو باريس، وقام بتعليمي كيف استخدم مترو باريس ، قائلا لن يذهب معك أحد في أي مشوار لأن الكل هنا مشغول، وأعطاني الخريطة، وكانت بالفعل مفتاحا لباريس.

في اليوم التالي ذهبت بتوصية كانت معي من صديقي العزيز الأب اليسوعي هنري بولاد إلي رئيس مجلس إدارة شركة France Loisir ، وكانت أكبر شركة لإعادة نشر الكتب والإسطوانات في طبعات شعبية. استقبلني الرجل بترحاب شديد نظرا لتقديره لصاحب التوصية ، ولأني لم أكن أتقن الفرنسية ، قام بتعييني في قسم البريد بالمؤسسة، وبمرتب لم يكن يخطر علي بالي ، كان ضعفي الحد الادني للمرتبات في فرنسا، كانت القوانين في فرنسا في السبعينات علي غير ما هي عليه الآن.

في اليوم الثالث ذهبت إلي أكبر مؤسسة لتعليم الفرنسية l’Institut Catholique وسجلت بها لدراسة اللغة ٤ ساعات في اليوم خمس مرات في الأسبوع من السادسة حتي العاشرة مساء بعد انتهاء عملي في الخامسة مساءا.

وبعد ستة أشهر سجلت في جامعة السوربون، وبعد ١١ شهرا استقلت من المؤسسة ، لأن المشرف علي رسالتي طلب منحة لي: كانت هناك اثنتان مخصصتان لصحفيين مصريين، حصلت الصحفية بالأهرام عائشة عبد الغفار علي واحدة منها، وحصلت علي الثانية.

واستقلت من المؤسسة رغم أن المنحة كانت أقل خمس مرات من مرتب المؤسسة.

كان لآدم حنين بمبادرته في إعطائي مفتاح باريس وتوصية الأب بولاد بركة كبيرة لي في مشواري الطويل في فرنسا.