محمد حسين يونس
قد يرى البعض أن فترة حكم عبد الناصر .. كانت العصر الذهبي الذى يمثل صعود طبقة العمال .. و تثبيت مكاسبهم .. و تحسين ظروفهم .. و سماع صوتهم .. من خلال التنظيمات الشعبية .. و مجلس الشعب ..

هذا غير دقيق .. لقد كانت بداية .. التشرذم والتمييع

فالارهاب الامني و البوليسي نجح في تدمير التيارات اليسارية و النقابية و النضالية التي كانت سائدة وسط العمال في المحلة و كفر الدوار و الصعيد .. و تقودهم للمطالبة بحقوقهم

..و كسرالتعاون بينهم وبين الطلاب الذين كانوا يهتفون في مظاهراتهم يحيا اتحاد العمال والطلبة فيجدون اخوة لهم يساندون و يتقدمون الصفوف و يتلقون بصدورهم عصى و رصاصات السلطه.

الحكم الناصرى واسلوب تعامله لتحقيق احلام البرجوازية الصناعية المتشوقة لدور رئيسي في الاقتصاد المصرى ليس موضوعنا اليوم .. قد أتحدث عنه في المستقبل.

و لكن الهام هو الاشارة تاريخيا الي أن تأميم المصالح الاجنبية و عمل الخطة الخمسية الاولي جاء متسرعا و عاطفيا ومبكرا قبل أن يتوفر الرصيد المناسب من الكوادر المحلية (التي كانت غير مستعدة فنيا و اداريا ) من مهندسين وفنيين وعمال للإحلال مكان المطرودين من اجانب و يهود ،مما خلق حالة من الفوضي الادارية ازداد تأثيرها بعد عملية الحصار الاقتصادى علي مصر و توقف الامداد بقطع الغيار و تحول المعدات الي خردة غير صالحة.

صاحب هذا ارتباكا في توفير الخدمات الاساسية كهرباء ، مواصلات ، سكه حديد ، تليفونات و زاد طفح المجارى في الشوارع ، و نقص المياة المعالجة و انخفاض مستوى الانتاج الصناعي من صابون و زيت و سكر و أقمشة ..

لقد عاشت مصر زمنا كان التدهورفيه يتم بمتوالية هندسية بسبب الصراعات الداخلية وعسكرة الحياة المدنية و الالتزامات الخارجية منذ 56 حتي 67 عندما توج (أى التدهور ) بهزيمة عسكرية قضت علي احلام الشعب بالخروج من أسر الازمات المتتالية .

أثناء فترة حكم عبد الناصر(التي تم فيها رفع شعارات تقدمية .. و إفتقاد المنهج و الإدارة)

شهدت اهمالا للزراعة و الصناعات التقليدية القائمة عليها .. في مقابل إنشاء صناعات ثقيلة كثيفة العمالة ملوثة للبيئة ( حديد، ألمونيوم، أسمدة، أسمنت و كيماويات ).أو حربية فاشلة حتي في إنتاج النماذج الأولي للصواريخ و الطيران و المدرعات و المدفعية .

وفي نفس الوقت بعد اعلان رأسمالية الدولة اسلوبا و اتحاد (قوى) الشعب العامل داخل تنظيم مركزى (فاشيستي الشكل والاسلوب ،بوليسي التوجه و الادارة) ..و الاستيلاء علي بيت المال تم أنهاك الاقتصاد المصرى بمغامرات في سوريا و اليمن وبانشاء (الف) مصنع حكومي جديد منها مصانع مركبة تكنولوجيا للصواريخ و الطائرات و السيارات في طموح لا يتناسب مع البناء التحتي المهتريء و العمالة الريفية الاصول غير المدربة و الاعداد القليلة من المهندسين المهددين بالسجن في حالة رفض العمل والمساقين بأوامر تكليف .

ثم ومع تسليم المصانع و الوحدات الانتاجية و الخدمية لغير المتخصصين من المحاسيب و الضباط المتقاعدين ... أصبح من الصعب إستكمال الطفرة الصناعية كما كان يريدها منشئها ولتتحول أغلب المصانع ، بعد ذلك في زمن لاحق الي كوارث اقتصادية يسرح عمالها و تباع في سوق الخردة .

أرستقراطية عمال عبد الناصر الذين كانوا يهتفون له بالروح والدم نفديك يا أبو خالد ( ثم غيروا الاسماء مع السادات و مبارك ).. كونوا طبقة جديدة ،اشد قسوة من الراسمالي ، مجموعة من قيادات العمال ذوى الياقات البيضاء التي انخرطت في سياسة التهليل و التصفيق و النهب من خلال التنظيمات النقابية الحكومية أو الحزبية ومجالس الادارات و تحول أغلبهم الي عملاء لامن الدولة و المباحث تحركهم من أجل كبت أى حركة جماهيرية بين العمال ففقدوا ارضية علاقتهم بالقاعدة العريضة تاركين اياهم خلال حكم السادات و مبارك ليفترسهم كوادر الوهابية المدربة علي التوغل و الاستقطاب بإسم الدين ...مبعدين اى صوت نضالي ما لم يخدم اهدافهم في ازاحة عنصر او عنصريين من المناوئين و المصارعين علي الكعكة .

العمال في زمن الانفتاح بعد أن أصبح التصنيع له أولوية متأخرة منسية .. أمام الاستيراد .... وبعد أن بدأ بيع المصانع الحكومية لمستثمرين أغلقوها وضاربوا بقيمة أرضها و مبانيها في سوق المغامرات والصفقات .. تدهور حالهم بسرعة .. جعل بعضهم يهاجر أو يهرب إلي مهن أخرى تصلح لمجتمع السمسرة و النصب وعدم الانتاج .

وهكذا كانت الحصيلة في 25 يناير 2011 قبل الإنتصار الكامل للرأسمالية الطفيلية .

العمال مقسمون إلي ثلاث شرائح .. عمال السلطة و الامن و المباحث منتفخي الاوداج و المحافظ الذين تحركهم امتيازاتهم ..

و عمال الدعوة الدينية من السلفيين الاكثرمالا و نفوذا و تمويلا يحركهم إشتياق للحكم والرغبه في السيطرة علي المجتمع ..

و شرائح عريضة من فقراء العمال الذين يعانون من بيع القطاع العام و اهمال ما تبقي و انخفاض الدخل مع زيادة المصاريف و القهر البوليسي و النقابي لمن يشتكي او يتذمر .

كلهم كانوا جنبا إلي جنب في ميدان التحرير وكل منهم يحمل أسبابه و أجندته ..

هل تحسن الموقف بعد أن ساهمت جماهير العمال .. في الإنتفاضة .. أم فقدت جميع مكاسبها حتي الشكلية منها . و تحولت لحرفيين معمار ..و سائقي تكاتك ..

كل سنة و حضراتكم بخير .. عيد عمال غير متواجدين بيننا سعيد .