كتب الموسيقار بيشوى عوض 
 
لقد تألمت نفسيا طوال الأسبوع جراء اعتذار الأنبا إسحاق عن مشاركته لبناتنا المكرسات فى صلوات و طقس دورة القيامة الأسبوع الماضى، وزاد ألمى ألآما الهجوم الغير إنسانى من بعض الأقباط على بناتنا وعلى أسقفنا و بطريرك كنيستنا الكرام، بكلمات لا تتسم إلا بالعنيفة المؤذية الغير كنسية.
 
وتألمت كيما أكتب هذه السطور، حائرا بين مشاعرى المضطربة و بين النصوص المتضاربة،
 
متعشما أن تخرج علينا الكنيسة عاجلا لتضع لهذه الحيرة ولهذا الإضطراب نهاية.
 
خلق الرب المرأة ( أمى ) معينة للرجل ( أبى (..،وحملتنى أمى فى بطنها تسعة أشهر كاملة، تراكمت خلالها الأتعاب و الآلام دون حساب ،  أيام طوال، مجهدة، تكد فيها و تعمل، معتنية بنفسها و بالنفس التى فى بطنها، ليالى قصيرة، مرهقة، لا راحة فيها و لا نعاس . 
 
تسعة أشهر تحتل فيها الأتعاب جسدها الضعيف إحتلالا و تغمر الآلام نفسها الرقيق غمرا،
 
محتملة كل هذه الأتعاب التى تتزايد حتى تصل لذروتها القاسية فترة الولادة، متألمة  آلاما مبرحة مميتة، تموت كل يوم كيما تعطنى الحياة بمحبة لا توصف إلا بالسماوية.
 
ومنذ يوم ولادتى، وأنا أعيش بفضلها، فحينما كنت رضيعا أكلت من جسدها الرقيق شبعا، و إن لم تكن هنا، ملاصقة لى لمت موتا، فجميعنا يعلم أن الطفل يمكنه العيش دون أب، إنما دون أمه لا يعيش حتى و إن أبقيناه حيا.
 
كبرت و فى جميع مراحل العمر كانت ولاتزال دائما، مصدرا للأمان وراحة للنفس وقت إضطرابها، فكم من المرات ضجرت نفسى و بفضل وجودها بجوارى و سماع صوتها الحنون فى أذنى أعادت وتعيد الطمأنينة المنزوعة منى إلى نفسى.
 
إن كتبت عن تضحياتها وبذلها فلن أكتب سطورا بل كتبا .. 
 
وإن كتبت عن محبتها الغير مشروطة سأكتب أشعارا .. 
 
وإن كتبت عن معنى وجودها فى حياتى فسأشعر إننى عن الوصف عاجزا.
 
أتذكر أبى، كان ولايزال يقول دائما، أنه حينما تبتعد أمى عن البيت قليلا، يتوه فيه ولا يعرف رأسه من قدماه، فهى ليست بعمود و صمام أمان البيت، بل هى البيت كله و جميعنا نعيش بها و فيها.
 
منذ ولادتى ولليوم أرى فى عيناها و كلماتها و تصرفاتها قلق دائم، القلق الذى سكن كيانها سكنا يوم ميلادى،  قلق على راحتى، قلق على سعادتى، قلق على صحتى، قلق على نجاحى، قلق على لقمة عيشى، قلق على حاضرى و مستقبلى...
 
قلق لن يزول إلا بزوالى، فيتحول حينها من قلق مؤرق إلى حزن مميت...
 
وإن زالت هى قبلى فقد أعطانى الرب زوجة، إن كتبت عنها فلن أفعل إلا إعادة أقوالى مضيفا عليها حبا. 
 
لقد اتصلت بى هذه المرأة ( أمى ) الأس
 
بوع الماضى كعادتها لتطمئن علىّ فى غربتى، وسألتنى عن سبب إعتذار أنبا إسحاق للأقباط وعن سبب الهجوم على مكرساتنا وعدم قبول صلواتهم و مشاركتهم فى طقوس كنيستنا... فصمت قليلا ... كما لو توقف الزمن ...
 
وفكرت بها هى و بكل ما جاء فى مقالى أعلاه ... وعجزت عن النطق ... و اقتربت الدموع إلى حواف عيناى ... و أحسست أننى لو كنت واقفا أمامها لعجزت عن النظر فى عينيها البريئتين قائلا لها أن كنيستنا تعتبرها ( المرأة ) نجسة بسبب إفرازات جسدها الطبيعية كما جاء فى نصوص العهد القديم... و انهالت على بقية التساؤلات :
 
أولا: إن كنا نعمل لليوم بهذه القولة التى قالها الرب لشخص بعينه ( موسى ) فى وقت بعينه ( منذ آلاف السنين ) لتصل الكلمات لأناس بعينهم ( اليهود ) فهل وجب علينا تنفيذ هذه الكلمات اليوم؟ و لو كانت الإجابة نعم، فلماذا إذن لا نطبق شريعة موسى بكاملها و بكل ما جاء فى العهد القديم تطبيقا كاملا ؟!
ثانيا: ماذا عن المريمات و الكارزات و الشماسات و خادمات الكنيسة الأولى، أليسوا مثلا يحتزى به؟!
 
ثالثا: عن ماذا يتحدث أبائنا الأساقفة الكرام حينما يقولون أن عدم مشاركة المرأة فى صلوات وطقوس كنيستنا هو تسليم أبائى، و أين النصوص الصريحة التى تنص على ذلك و أسباب المنع؟!
 
انتهز فرصة هذا المقال لطرح تلك الأسئلة للآباء الأساقفة الأجلاء لعلهم يردون على أمى.
 
أما عن تعليقى عن فيديو المكرسات يطوفون الهيكل و الكنيسة مرتلين تسابيح دورة القيامة مع أنبا إسحاق، فدورة القيامة تلك هى الأروع و الأرق والأكثر براءة  بين ما رأته عيناى و ما سمعته أذناى منذ أن ولدت، فأصوات بناتنا المكرسات كانت عذبة سماوية و خطواتهن فى الهيكل و الكنيسة بريئة ملائكية، ورؤيتهن حاملات الصلبان و أيقونات القيامة بث السعادة و الفرحة فى نفسى.
 
أما عن تعليقى على إعتذار الأنبا إسحاق، فأقول لسيدنا الحبيب، لقد اعتذرت يا سيدنا لكى تشترى خاطرالبعض و لكن بإعتذارك هذا كسرت خاطر بناتنا المكرسات و دهست مشاعرهن دهسا،
 
فبدلا من أن تشكرهن على خدمتهن للرب و لهيكله خدمة سماوية، تعتذر فتشعرهن بالذنب كما لو كانوا قد أجرمن  فى حق الرب و هيكله، و تزج بذلك بنفوسهن و نفوسنا للإضطراب النفسى جراء ردة الفعل الشريرة فى حقهن، وهم بناتنا المباركات النقيات خادمات المذبح و رب المذبح، كما لو كان إعتذارك و هجوم الأخرين عليهن أزاد للمذبح قيمة، ولكن فى الحقيقة أنتم أقللتم قيمتنا جميعا و قيمة كنيستنا و قيمة المرأة بإقلالكم لقيمتهن و لقيمة خدمتهن الملائكية.
 
مايسترو بيشوى عوض
مؤلف موسيقى و عضو المؤسسة العالمية للمؤلفين الموسيقيين.
مدرس الموسيقى بمعاهد الكونسرفتوار و مدارس باريس.
قائد الكورالات و الاوركسترات.
مهتم بألحان الكنيسة القبطية.