البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين
جولات فى كتاب (تاريخ الأمة القبطية-يعقوب نخلة روفائيل 1898 م)
الاب الدكتور اثناسيوس حنين
(نفسى حزينة حتى الموت ولا أقبل شيئا من هذه التفاؤلية البلهاء التى يروج لها الجالسون على الارئك )المطران جورج خضر
 
وسط هذا الاحباط الكونى الذى يمسك بتلابيب البشر وقعت على كتاب حافل بالاحزان المعزية والتعزيات الحزينة وهل لاسبوع الام السيد المسيح معنى غير هذا ؟ وشعرت ان المسيح يصلب ثانية فى مصر ’ مع الفارق أن الام المسيح انتهت بالقيامة خلال اسبوع بينما الام هذا الشعب دامت قرون طوال ’فهذا الشعب عانى ويعانى من الاحزان ما تنوء عن حمله الجبال ’ نعرف أنه لابد أن تأتى الأحزان ولكن أحزان اخوتنا فى مصر تعدت كل الاعتبارات وفاقت كل الحسابات وعصت على كل التحليلات فالويل لمن تأتى عن طريقه ’ عمدا ’ الأحزان ’ أولا لأنها طالت وتمنهجت وتبرمجت وليس هناك طرق للخلاص واضحة ’ وحينما تأتى الى البحث عن الاسباب وراء مأسى هذا الشعب الطيب العريق والذكى لا تجد مرجعية واحدة تشرح لك الاسباب’ ولهذا لابد من التاريخ لكل من أدمن قرأة التاريخ مثلى ولا عزاء له فى تفاهات الحاضر وهذه التفاؤلية البلهاء على حد تعبير سيادة المطران خضر ’بل فى انجازات الماضى وصمود الحاضر ,
 
وأشواق المستقبل
’ هذا ليس للهروب بل للوقوف والصمود لأن أكبر مرض أصاب القبط جرأ الاضطادات المريرة التى تعرضوا ويتعرضون لها انهم صاروا مثل مضطديهم لا يقرأون التاريخ ولا يسألون الزمان الحاضر ولا يمارسون النقد الذاتى الذى يقيهم شر التذمر والضجر والقرف والمرارة وهذه كلها مضادات حيوية ضد أى شروع فى ابداع ’ بل ورفعوا شعار من أضطهدهم من انهم خير أمة أخرجت للناس ! ومن لا يقرأ الماضى لا مستقبل له وكل حاضره ينحصر فى أنه يأكل ويشرب ويتمرمر وغدا يموت’ بالمعنى الكتابى يخيب من نعمة الله واذا ما خاب شخص أو خابت أمة وهذا وارد من نعمة الله أى من نعمة الحياة الأفضل ’يطلع أصل مرارة ويصنع انزعاجا فيتنجس به كثيرون (عبرانيين 12 :15 )قالها بولس وهو يتكلم عن شعب صار قادته سحابة شهود ! ’ أنه صليب بلا قيامة!اسبوع الام ابدى بلا فصح ! الا لهذا الليل من أخر ؟ الم يقل لنا الاباء شيوخ البرية ان الجحيم هو غياب الوجه وانحصار الرؤية والتطلع فى مرأة مشروخة !
 
قلت هذا وانا اتصفح كتاب قل مثيله فى مجال البحث فى شئون القبط بما يحوى من صدق وبصيرة وتوثيق واقعى وتأريخ مأساوى ونقد ذاتى وبطولات نادرة وأفاق جديدة ’ وكيف لا وكاتبه لا ينتمى الى طبقة أغنياء القبط الجدد الذى يلقون دولاراتهم على صدور الراقصات وأقدام نجوم الكرة ’ بل هو من الباشوات القبط الحقيقين الذين أسسوا المدارس والمتاحف وأرخوا لهذا الشعب العظيم !!!
 
لماذا عنونا هذه الخواطر بأنه ليس بالحوائط وحدها يحيا الأقباط ’ لأن مؤلف هذه المرجع هو باشا قبطى لم يبحث عن بناء كنائس بل كتب تاريخ هدم الكنائس خلال الغزو العربى وبعده ولم يحصر همه فى الحوائط بل بحث عن بناء بناء النفوس وترميم الذاكرة القومية للأمة القبطية والتى بدونها لا بقاء للامم ولا معنى للحوائط ’بل البقاء لله كما يقول المصريون الطيبون.
 
كان يعقوب بك نخلة روفيلة(1847 -1908 ) من تلاميذ البابا كيرلس الرابع ’تلقى تعليمه فى كلية الأقباط الكبرى أتقن اللغة القبطية واللغات الانجليزية والايطالية.بالطبع الى جانب اتقانه العربية.شغل وظيفة ناظر مدرسة بحارة السقايين ’ اختارته الحكومة المصرية ليشغل احد الوظائف الرئيسية بمصلحة السكك الحديد المصرية.كانت له اليد الطولى فى الحركة الاصلاحية القبطية ’ يوم كان لفظة اصلاح لا تساوى الاتهام بالخيانة والعمالة وسب المقامات ’أسس مدرسة قبطية بالفجالة وعدة مؤسسات خيرية ومدرستين فى الفيوم احدهما للبنين واخرى للبنات ’ تنفيذا لبرنامجه الاصلاحى كانت هذه المدرسة الاساس لمدارس التوفيق القبطية ,اسس مطبعة جرية الوطنى ومطبعة جمعية التوفيق ’ كان أول من نادى بتأسيس متحف للمخطوطات القبطية التى تشكل ذاكرة الأمة القبطية .خلد هذا الباشا القبطى االعظيم والمؤرخ القدير ذكراه وكرم امته بالتاريخ الذى كتبه عن الأمة القبطية (من تاريخ البطاركة –مكتبة دير السريان-5 اجزاء )
 
الشكر الواجب للبقية الباقية من علماء مصر الذين لم يحنوا ركبهم للبعل بل سجدوا فى قلاليهم يصرفون القروش القليلة التى يملكون و يفتشون الكتب وعلى رأسهم العالم د. جودت جبرة والصديق الدكتور اللاهوتى جوزيف موريس فلتس الذى اهدانى الطبعة الجديدة من كتاب يعقوب بك نخلة(تاريخ الأمة القبطية الطبعة الاولى 1898 والثانية 2000 ) وقد قاموا بتأسيس (مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطى) ’بعد هذا الكتاب لم نرى للمؤسسة اصدارات جديدة بل خيم عليها صمت كبير وتعتيم متعمد ربما من الداخل قبل الخارج من الداخل والخارج !ناهيك عن اجهزة الامن المصرية التى وقفت بالمرصاد لاية محاولات بعث ذاكرة القبط التاريخية (وكاتب هذه السطور من ضمن الذين دفعوا الثمن غاليا!) ولقد نجحت سياسات العرب منذ عمر بين العاص الى محمد مرسى فى حشر الاقباط وبطريركهم واساقفتهم وكهنتهم ولجان كنائسهم فقط فقط فقط فى قضية حوائط الكنائس وكم من عقول صادقة وقلوب صادقة وقامات عالية ’فى مصر والمهجر’ تم دفنها تحت هذه الحوائط !!! وهدمت’ نكرر أجهزة الدولة المصرية بالتحالف بالطبع مع الاصدقاء من الداخل ’ كل مشروع نهضوى قبطى جاد والدليل عدم السعى لتأسيس قسم دراسات قبطية فى اية جامعة مصرية الى دانب التفنن فى صنع الفتن بين المصريين لصرف الانظار عن الصحوة والنهضة ’وقديما قال ارنولد توينبى (ان دراسة التاريخ تزعج الفاشية وكل حركات القهر وكل أنظمة الاستبداد لأنها تقدم صور متعددة عن الحياة الانسانية وهو ما يخشاه الاستبداد والقمع لأن التاريخ يغرس فى الانسان القدرة على البحث والرغبة فى التساؤل ) .
 
نأتى الى وقفات مع هذا المرجع الهام الذى يقع فى 247 صفحة من القطع المتوسط وهو مكتوب بلغة عربية راقية تكذب قول العرب أن اللغة العربية قد أبت أن تتنصر !لعل ما يعنينا من كتاب الباشا القبطى هو حديثه عن علاقة اليونانيين بالقبط منذ ان حرر الاسكندر الاكبر مصر من الفرس وأسس الاسكندرية (....وبالجملة فان اليونانيين عاشوا مع القبط مدة طويلة على أحسن حال بدون أن يحصل من أى من الفريقين ما يكدر خاطر الأخر بل اختلطوا ببعض اختلاطا تاما فكانوا كأمة واحدة وكذلك الأقباط مع شدة حرصهم ومحافظتهم على كل قديم استعملوا الخط اليونانى ونقلوا الى أبجديتهم حروف يونانية لما وجدوا فيها من السهولة بدل الخط الهيروغليفى الذى صار من ثمة خاصا بالكهنة لا يستعمل الا فى الكتابات الدينية لاسيما فى النقوش على جدران الهياكل وأدخلوا أيضا بغير اجبار ولا اكراه (واضح التلميح للاكراه العربى الاسلامى) كلمات كثيرة يونانية الى لغتهم القبطية حتى كادت تكون اللغتان واحدة)ص20 . هذا يفسر الحزن الشديد واليأس الذى يعترى الكاتب يعقوب بك حينما يعرض للخلاف الخلقيدونى بين القبط والروم عام 451 م ولعل ما يقوله’ وهو لا يقول أنه لاهوتى محترف ’ يشكل اروع واصدق تفسير انسانى بسيط لاكبر مأساة فى تاريخ العلاقات اليونانية -المصرية ( ......وانتهى هذا الجدال(الخرستولوجى- حول شخص المسيح) والشقاق فى مصر بوجود حزبين مضادين لبعضهما وهما القبط والروم والفرق بينهما أن القبط يعتقدون أن فى المسيح طبيعة من طبيعتين ومشيئة من مشيئتين والروم يقولون أن فى المسيح طبيعتين ومشيئتين متحدين ولست أدرى ما الفرق بين القولين غير العناد!!! وان يكن الفرق فى الألفاظ دون الجوهر الا أن كلا من الحزبين لا يود التنازل عن رأيه وهذا من الغرابة بمكان.ومما زاد الحال أوحالا تداخل ولاة الأمور والحكام فى هذه المناقشات والمنازعات فى مواضيع ليست من جوهريات الدين ولا يتوقف عليها ولكن أبت محبة الرئاسة والجنوح الى الافراد بالسلطة والسيادة ألا يقوى الشقاق ويزداد النفور وتدب فى عروق الفريقين دماء الشحناء والبغضاء مما أدى بهم ولاسيما الأقباط الى الاضمحلال والدمار(الاشارة واضحة الى الغزو العربى ونتائجه من الاضمحلال والدمار الذى اصاب الثقافة والحضارة واللاهوت القبطى ’ ناهيك عن الهدم الجماعى للكنائس والقتل على الهوية ’ حسب تعبير الكاتب )ص 28.
 
بالرغم من أن الكاتب يمارس قدرا كبيرا من النقد الذاتى الا أنه لا يهمل العوامل الخارجية التى أدت الى ما ألت اليه الأمور فى مصر ولنقرأ شرحه للخطة الجهنمية التى مارسها العرب لقتل اللغة القبطية فى أكبر مذبحة ثقافيةCultural Genocide
 
فى التاريخ (.......تولى امارة مصر عبد الله بن عبد الملك(سنة 86 هجرية) وكان كريها للنصارى فاشتد عليهم وعمل على نزع الكتابة فى الدواويين من أيديهم ونقلها الى اللغة العربية بعد أن كانت الى ذلك الوقت بالقبطية والقائم بها وبسائر الاعمال الادارية والحسابية هم الأقباط تحت مباشرة رئيس منهم يسمى أنيناس أو أثناس (وهو كان أمينا على بيت المال) فعزله وولى مكانه شخصا يسمى ابن يربوع الفزارى من حمص .ولما رأى القبط أن هذا التغيير يعود عليهم بالضرر العظيم ولكى لا يفقدوا مركزا مهما هكذ فى الحكومة عولوا باجتهاد على تعلم اللغة العربية فنالوا مبتغاهم وأتقنوا فن الكتبة والحساب بها وتفننوا فيهما وجعلوا لحساباتهم قواعد وروابط مخصوصة.ونقلت أيضا أسماء البلاد الى العربية فتحرفت عن أصلها كما ترى.....)ص68 لا نرى ذكر لما يتردد على بعض الاقلام والالسنة القبطية المعاصرة عن قطع العرب لألسنة القبط ولم يقولوا لنا متى وكيف وكيف يتم قطع الالسن بشكل جماعى والعرب يحتاجون الى السنة القبط فى الترجمات وتصريف الاعمال انها مهزلة التفسيرات الساذجة لاحداث خطيرة فى تاريخ الامة.ويصل الكاتب الى قمة المأساة حينما يتحدث عن تحول الاقباط الى الاسلام ( وحينئذ كثر العرب فى مصر .... ولما رأى الاقباط أن المسلمين معافون من دفع الجزية التى قد أصبحت وقرا ثقيلا على عاتقهم بسبب الزيادات ...أثر بعضهم الاسلام تخلصا منها ورغبة فى التمتع بالمزايا التى كان يتمتع بها المسلمون فتسبب عن ذلك نقص الايراد فعمل بعض الولاة على مداركة بعضه بربط الجزية على الرهبان فسار بجنده الى الديارات بوادى هبيب (برية شيهيت) فى الوجه البحرى وهجم عليها فوجدها غاصة بالرهبان فأحصاهم وقيل بلغ عددهم أكثر من ستة ألاف راهب ’ فألزم كل واحد منهم بدفع دينار سنويا وتجاوز الحد فى ذلك بأن أمر أن يلبس كل راهب خاتما من حديد فى أصبعه مكتوبا عليه أسمه واسم ديره يسلمه اليه جابى الخراج عندما يدفع له ما هو مقرر عليه من الجزية واذا وجد واحد منهم غير لابس له تقطع يده واذا أصر على المخالفة يقتل....)ص 70 .ولمن يتهم القبط بالجبن والسلبية والخوف وعدم القدرة على الثورة نهدى له هذه الحقائق (........حتى تولى الخلافة عبدالله المأمون بن هارون الرشيد فى سنة 198 –
 
هجرية وفى أيامه قام جميع أهل الوجه البحرى من أقباط وعرب وامتنعوا عن دفع الخراج فكان بينهم وبين عساكر الولاة حروب هائلة قتل فيها من الفريقين خلق كثير واقتدى أقباط الصعيد بأهل الوجه البحرى فأصبحت البلاد فى حالة فوضى .) كيف أخمد الوالى ثورة القبط ’ للأسف نفس النهج الذى كرسه سائر ولاة مصر مع البطاركة القبط من عمر بن العاص الى محمد بن مرسى مرورا بحسنى بن مبارك’ يقول الباشا القبطى الشريف (...لما وصل المأمون الى مصر ذهب اليه البطريرك!!!(لم يذهب هو الى البطريرك رغم أن ثورة القبط أجبرته على الحضور من بغداد الى مصر وكان مركز البطريرك هو الأقوى ’ منتهى التواضع أو سذاجة سياسية كالعادة !!!) وهو حينئذ الأب يوساب فقابله الخليفة بمقامه وأكرمه وكلمه فى أمر مخالفة أقباط الوجه البحرى وطلب اليه أن ينصحهم ويحذرهم بأن يكتب اليهم منشورا..يدعوهم فيه الى الطاعة حقنا لدمائهم......فلبى البطريرك طلبه وكتب المنشورامتثالا لامر الخليفة !!! فأطاع الناس وسلموا الا أهل البشمور(الدقهلية)ص 88 .لقد وصل الحاكم بأمر الله الى أن أمر بأن يخرج جميع النصارى واليهود من مصر ..فتجمع الاقباط وذهبوا الى الحاكم وأخذوا معهم.أولادهم وأطفالهم ونساءهم وتواقعوا عليه(سجدوا أمامه) وصاروا يستعطفونه.حتى عفا عنهم وسمح لهم بالبقاء فى وطنهم .
 
!!!.(ص 124 ).ومنعهم من الاحتفال بعيد الغطاس وكان من أعظم أيام المواسم عندهم وله شأن عظيم عند المصريين فكانوا يخرجون كبيرهم وصغيرهم الى النيل ويوقدون المشاعل والأنوار وينصبون الأسرة على ضفتيه ويحيون ليلهم فى سرور وانشراح وغناء (لم يقل ترتيل بل غناء)ولهو وقصف (اطلاق النار)حتى الصباح).ص 125 .ولم يكتف الخليفة بتحجيم وتقزيم الشعب القبطى فى شخص البطريرك ’ بل ذهب الى أبعد من ذلك ووثق لهذه الجريمة الشنعاء ’ الا وهى تحجيم شعب فى شخص وتقزيم أمة فى فرد !!! ’ نقرأ فى ص 90 (لما كان المأمون الخليفة بمصر أعطى البطريرك وهو يوساب فرمانا بخط يده باقراره رئيسا عاما روحانيا على الأمة القبطية وأن له السلطة العامة على جميع كنائس مصر وخدامها )ص 90-91 .حقا أعطى من لا يملك لمن لا يستحق ’ فالخليفة لا يملك اقباط مصر والبطريرك لا يملك لاهوتيا واكليسيولوجيا أن يكون رئيسا عاما على الأمة القبطية بل هو خادم خلاصهم وتألههم وقداستهم حسب تعاليم الاباء الكبار’ وقد جأ هذا الفرمان على القبط بالالام والتجارب الى اليوم !
 
(يارب لقد هتفت باحتمال وصبر نحو مخالفى الناموس الذين قبضوا عليك قائلا: وان كنتم ضربتم الراعى وشتتم الاثنى عشر خروفا تلاميذى فقد كنت قادرا أن أحضر أكثر من اثنتى عشر جوقة من الملائكة ’لكنى أكيل أناتى ليتم ما قد أعلنته لكم بأنبيائى من الغامضات والمكتومات ’ فيا رب المجد لك)الانتيفونا السابعة –الحمعة العزيمة الكبيرة المقدسة –ترتيب اسبوع الالام المقدس باللغتين اليونانية والعربية –اعداد المطران بندلايمون لامباذاريوس مطران بورسعيد للروم الارثوذكس .-بورسعيد 2008 ص411 ).قيامة مجيدة