للبروفسور خرستوس ياناراس (صحيفة الكاثيميرينى -سبت الفرح 18ابريل 2020 )
نقلها الى العربية الأب اثناسيوس حنين
يلاحظ من يتابع الواقع الكونى ’ اليوم ’ توجه المجتمعات المعاصرة الى تجريف وتحويل بل وتحريف  المعنى الحقيقى للعيد ’سواء أكان هذا العيد قوميا أو دينيا . حينما نقول "المعنى" نحن نذهب الى السبب والنية والهدف والقصد وراء الأعمال والأنشطة والمبادرات التى نقوم بها’ وبمعنى أخر مغزى هذه الاحداث ودورها ومردوداتها ونتائجها العملية فى حياتنا اليومية . وحينما نقول "العيد" نحن نقصد ذلك العمل الجماعى الذى يجلب الفرح والبهجة والتى ’أى البهجة والفرح ’ تؤدى الى نتائج نافعة وبنأة فى حياتنا الجمعية  .وكثيرا ما يرتبط التعييد الجماعى بيوم الراحة أى العطلة والتى لا تعنى عند الفلاسفة وخاصة أرسطوا توقف العقل والمشاعر والجسد عن العمل ’ بل استمرار العمل والابداع بأشكال أخرى . العطلة هى عمل فى وقت الراحة ’ حينما استراح الله فى القديم لا يعنى أنه ظل عاطلا عن العمل بل استمر فى مباركة خليقته (سفر التكوين  1)..نحن لا نعمل رسميا ’ ولكننا نعيد ونعمل وجوديا ’ ونسعى لاكتشاف معنى العيد والذى يمنح ثباتا واستقرارا واستمرارية لحياتنا . وقد يأتى هذا المعنى من "خميرة صغيرة" تخمر العجين كله أى شريحة مجتمعية صغيرة لا قيمة لها حسب الظاهر ولكنها تعطى معنى للمجتمع كله .التى يسميها الانجيل "البقية الصغيرة" والتى لولاها لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة حسب أشعياء .وقديما وفى الجماعات المسيحية حينما كان الحس الجمعى وحياة الشركة والاستمرارية التاريخية تنبع من كشف  مشترك واختبار رجاء ومخاض نحو الحرية المرجوة من الموت الرابض على الابواب ’ كانت الاعياد الوسيلة التى تفيض فرحا وتلامس واقعى مع هذا الرجاء .

الرجاء الى الغلبة على الموت ونوال الحرية الحقيقية . وقتها كان الاطار العام للحياة هى شركة العلاقات بين العائلة والمجتمع .تشارك الناس فى اكتشاف معنى الحياة ’ وسد الحاجات ’ وكانوا معا فى السراء  والضراء  فى أن . لم يقيموا وزنا "للتطور " الفردى والانانى والذى يقيم الحواجز بين الناس ويؤسس لعدم الشركة وندرة التواصل ويشدد على معنى "فردى" أنانى ومغلق للحقوق .اليوم ’ صار معنى العيد يبدأ وينتهى بالعطلة والراحة من العمل وتوقف العقل ونشاط البطن وسيطرة المسرات والاستهلاك .وصرنا نخفى المعنى الحقيقى للحياة وهو الموت ’بل ونفضل عليه الحلول السهلة ومنها تقزيم معنى الموت الحقيقى والوجودى والذى هو القصد الحقيقى وراء كل عيد حقيقى .ولكننا نحتفظ بعادات العيد وشكلياته وأنماطه وتواريخ كنسية ورزنمات وأيام العطلة والراحة والمتعة ’ وربما نشارك شعوريا وعاطفيا فى طقوس دينية والتى نقدرها وننبهر بها بشكل طفولى بسبب من مظهرها الروتينى . نحن فى هذا البلد الواقف عن النمو والتقدم اللائق به وبتاريخه وبموقعه  والذى نسميه "اليونان" ’ يصيبنا ألم شديد ووجع قلب حينما نرى الفشل التاريخى الذريع الذى يحوم فوق  رؤؤس سكانها ومواطنيها . ولنتكلم بشكل منهجى وواقعى .

مائتان عاما مرت على دولتنا والى اليوم لم نقدر سواء كنا شعبا أو قادة سياسيون او علماء او معلمون ’ اومبدعون اوفنانون ’ لم نقدر أن نفهم أنه حينما يقول الدستور بأن "الديانة السائدة ’ فى اليونان ’ هى الارثوذكسية"’ فنحن نهدم ونمحوا ونلغى الاستمرارية الجمعية للبلد ’ بل نهدم ونقزم ونعصرن "من العنصرية"الطاقة التاريخية للحضارة الهليللينية التى احتضنت قديما القاصى والدانى من المبدعين من كل حدب وصوب .ان هذه الكليمات "الديانة السائدة أو المسيطرة" هى انكار للكيان الجمعى الهيلينى أى "كنيسة المجتمع كله " أكليسيا تو ديمو ! بالمعى الفلسفى الافلاطونى القديم وجحد للطاقة الخلاقة والابداع السياسى لبلد أسس الديمقراطية  أى حكم الشعب  واعطى للعالم الفلاسفة  أى نهج الخلود والجمال واللوغوس الحر والمحرر .أن يتكلم اليونانيون عن "الديانة المسيطرة" يعنى أنهم لم يفهموا شيئا من البارثينونا ’ ولا من الأجيا صوفيا ’ وأنهم قد ولدوا خطأأ الابداع الفلكى ورومانوس الميلودوس وغيرهم من هذا التاريخ الانسانى ’ وأنهم قد عبروا صدفة من التراجيديا القديمة الى الدراما الافخارستية ’ بل ومروا مرور الكرام من ارسطوا الى مكسيموس المعترف .ليس مصادفة أن الذين يقزمون هذا التاريخ ويحتقرون هذا التراث يطلقون على أنفسهم " المعاصرون والتقدميون" وهم يضخمون فى تحويل كنيسة اليونان من "خميرة" تخمر العجين الهيللينى كله ’ الى مؤسسة دينية ويبالغون فى مدح انحدارها بفخر عظيم وانبهار كبير .

لا يرون فيها ولا يفقهون سوى الاخلاقيات الطفولية التى تملأ الأفاق فى عظات وكتابات تكشف مدى الأمية اللاهوتية ’ تحت ستار انحراف نفسى ومرضى يسمى نفسية "المحافظون على التراث " ’ وهم ينتمون الى العلمانيين والاكليريكيين ’ويستثمرون فى ذلك وسائل الصوت العالى والضوضاء والجبرية النفسية على الناس .

من الأمثلة الصارخة على هذه كل هو الحادثتين اللتان أرهقتا الكنيسة اليونانية ’ أثناء عيد الفصح هذا العام ’ ووضعوها فى موقف صعب لم تعيشه فى تاريخها حتى  تحت الحكم التركى . الحادث الاول هو الاصرار بانانية منقطعة النظير من قبل من ينتموا اليها من "المحافظون" والذين حاولوا اجبار الكنيسة ’وحسب احتياجهم النفسى’ على أن تعبد وتسجد لاصنام . الصنم الاول هو النور المقدس ’ ليس النور الحقيقى والجوهرى ’ بل شكل النور ومظهره ’والذى اعتاد أن يأتى ’ بشكل عجائبى’ الى البلاد على متن طائرة خاصة من اورشليم القدس. والصنم الثانى هو خبز وخمر الافخارستيا والذى وحسب اضافة الكنيسة الكاثوليكية بما جد عليها من سيطرة العقلانية  الصنمية  على الاسرار الكنسية ’ اخترعوا مبدأ "الاستحالة الجوهرية" أى أن الخبز والخمر ’ وهما عنصران ماديين ’ يتألهان  ويتحولا بشكل سحرى ’ بلا شركة للمؤمنين الذى يتحولون من شركاء فى صنع السر الى متفرجين لمسرحية سببت أضرارا جمة فى تاريخ اللاهوت المسيحى.لا يفهم المدعوون بالمحافظين بانهم يفرغون الانجيل المسيحى من معناه وجوهره وهو ان الله ليس كما وليس فرضية منطقية  لسد حاجات نفسية بل هو مجموعة علاقات وجودية وحياتية . الله هو "أب" ’ " وأبن" ’ " وروح " اقانيم اساس حركتها نحو بعضها ونحونا "الحرية" الحرية المحبة والحب الحر لأن "الله هو هو محبة" (رسالة يوحنا الاولى 4 :16 )’ الحب هو العشق المجنون بعقل والعاقل بجنون والذى لا يعرف حدودا ولا انماطا ولا اصناما .الحب هو نهج وجود وليس هو خريطة لتصرفات الله .والخلاصة هى أن النور المقدس هو مقدس لأنه يقيم شركة حب ونشترك فيه بالحب فى "الكنيسة" أى حينما يتكنسن النور ولا يكون وسيلة لامور اخرى غير كنسية بالمعنى الاصلي للكنيسة ’ وليس مفروضا علينا بشكل سحرى وصنمى ويحول الايمان الحر الحبوب الذى فى متناول الجميع  الى جبرية بغيضة مفروضة على القلة المغيبة ’ كذلك " القرابين الكريمة" التى للافخارستيا أى شركة الخبز والخمر ’ هى لا تعنى بأى حال تحويل المخلوق الى غير مخلوق ’بل هى تنعم على المخلوق أن يحيا بنهج الغير المخلوق أى حرية الحب وحب الحرية .