محمد طه

 
بمناسبة شم النسيم، ورمضان، والعيد..
ليه الناس مش بتلتزم (ولا هاتلتزم) بالإجراءات الوقائية؟
 
أنا مش باتكلم عن ليه الناس بتنزل شغلها؟ أنا فاهم كويس ان كتير من الناس لو مانزلتش شغلها مش هاتاكل ولا تشرب حرفياً. ولا ليه الناس مزدحمة فى المترو، أنا برضه فاهم ان ده خارج ارادتهم فى أوقات الذهاب والعودة من العمل بعشرات الآلاف فى الساعة الواحدة..
 
لكنى هاتكلم عن اننا مش بنتفادى التجمعات غير الضرورية.. ومش بنلتزم بتباعد مسافة لا تقل عن متر بين الواحد والتانى.. ومعظم الناس مش بتلبس كمامات ولا جوانتيات.. وكتير جداً بيخرجوا لزيارة أصحابهم وأهاليهم (حتى كبار السن منهم).. وكل ده ضد أبسط قواعد الحماية والوقاية من فيروس محدش عارف سلوكه بشكل واضح لغاية دلوقت.. فيروس عالى القدرة على العدوى.. بيصيب معظم الشرائح العمرية.. ناس بتموت رغم صغر سنهم وخلوهم من أى أمراض مزمنة.. وناس بتنقل العدوى ولم يظهر عليهم أعراض أصلاً.. وبلاد كاملة مقفولة.. ومطارات العالم مش شغالة.. ووفيات بالآلاف يومياً..
 
ليه بقى ده كله؟
- احنا شطار أوى فى استخدام طريقة (الإنكارDenial) كوسيلة دفاع نفسية، ضد الخوف من المرض (اللى عنده القلب بيدخن- اللى عنده السكر بياكل حلويات).. أو الموت (بنعدى الشارع والعربيات طايرة عادى جداً).. أو المسئولية (أول رد فعل لأى حد فى موقف مساءلة: مش أنا- ماعرفش). لكننا للأسف بنستخدم شكل بدائى جداً من الإنكار (اسمه Primitive Denial).. شكل مش بيستخدمه غير الأطفال.. والمجانين.. اللى هو انفصال تام وكلى عن الواقع.
 
- احنا أساتذة فى التواكل (مش التوكل) على ربنا.. يعنى نقول (خليها على الله)، ومانعلمش احنا دورنا.. نقول (محدش هايموت ناقص عمر)، ونسلك سلوكيات انتحارية بشكل يومى.. نقول (ربك يسترها).. واحنا مش بنسعى لستر نفسنا.. للأسف دى أحد أعراض التدين الشكلى اللى احنا بندين بيه بطبعنا..
 
- فيه درجة لا بأس بها من حبنا لكسر أى قواعد.. والوقوف بعناد أمام أى التزامات.. ودى حكاية عاوزة بوست لوحده..
 
- فيه حاجة اسمها العلاقة بالحياة.. وحاجة اسمها العلاقة بالموت.. احنا -للأسف- علاقتنا بالموت أقوى من علاقتنا بالحياة.. وده ليه خلفيات ثقافية ومجتمعية يطول شرحها.. احنا بنزهد فى الحياة.. وفى كل ما يخص الحياة.. لما نضحك بنقول اللهم اجعله خير.. لما نستمتع بأى حاجة بنحس بالذنب.. لما نوصل 50 سنة من العمر بنقول (ياللا حسن الختام).. بنكره الجمال وتجلياته فى أى شئ.. بنزدرى الرقص.. بنحتقر الفن.. علاقاتنا معظمها مشوهة وسامة ومؤذية باسم الحب.. وعلى الجانب الآخر.. بنعدى الشارع بين العربيات السريعة بمنتهى الأريحية.. بننط من الأتوبيس وهو ماشى.. بنروح المقابر يوم العيد.. وكل ده بدون تعميم بالطبع.
 
- اللى علاقته بالموت أقوى من علاقته بالحياة مش بيهتم كتير بصحته (علشان كده ناس كتير مش بتروح للدكتور غير لما المرض- أى مرض يتفاقم، واللى بيروح مش بينتظم على العلاج، واللى بينتظم بيبطل الدوا لوحده بمجرد ما يحس بتحسن).. بيستسلم بسرعة.. بيهمل فى نفسه وفى حياته بمنتهى اللامبالاة.. حياته أصلاً بتفقد معناها ومتعتها وهدفها.. ما هو كده كده ماحدش واخد معاه حاجة.. وهانموت هانموت.. وكله رايح.. كله رايح.
 
الموضوع أعمق بكتير من الجهل أوالتخلف أو قلة الوعى- رغم وجودهم. الموضوع ثقافة كاملة متجذرة فى عقل وخلايا كل واحد فينا.. ثقافة تحتقر الحياة بكل تجلياتها.. وتمجد الموت بكل تجلياته..
 
وللحديث بقية..

#محمد_طه