إعداد د.علاء عيد
لعل السؤال غريب، لكن منذ نحو قرن ونصف، بات هناك قبر آخر للمسيح في الأراضي المقدسة.
 
وهذا حيَّر بعض الحجاج الذين يذهبون إلى أورشليم للزيارة والتعبّد، فيُصدَمون من وجود قبرين للسيد المسيح وجلجلتين!
 
الأولى وهي كنيسة القيامة داخل الأسوار، أما الثانية فهي بستان قبر المسيح بجانب باب العامود ومدرسة شميدت الألمانية خارج الأسوار!!
 
فما قصة وجود قبرين؟ وأيهما قبر المسيح؟ وما رأي علم الآثار؟
 
- قبر كنيسة القيامة
كنيسة القيامة هي من أقدم الكنائس في العالم، وأول كنيسة شيّدتها القديسة هيلانة (والدة القديس قسطنطين) في العام ٣٢٦م فوق قبر المسيح له المجد والجلجثة، وهُدمت وبُنيت عدة مرات، وكانت السبب في مجيء الصليبيين حيث دُعيوا "حراس القبر المقدس" واليوم فِي أغلبها هي مُدارة من الأرثوذكس (كالقبر، والجلجثة، وكنيسة نصف الدنيا)، وأيضاً يشترك في الكنيسة خمسة طوائف أخرى وهي: الكاثوليك والسريان والارمن والاقباط والاحباش.
 
ومنذ نحو ١٧ قرناً، وهذا الموضع (قبر المسيح في القيامة)، هو مقصد للعالم المسيحي. وهنا يقيم الله علامة ثابتة كل سنة وحتى يومنا هذا وهي "مُعجزة النور المقدس".
 
والذي يزور القيامة يستغرب كيف أن موضع الجلجثة حيث صُلِب السيد ليست بعيدة عن القبر. بل نجد الجلجثة، وحجر التطييب حيث طيّبوا جسد يسوع وكفّنوه، والقبر القابل الحياة قريبة من بعضها البعض، ذلك لأَنَّ الجلجثة (موضع الصلب)، والقبر كلاهما يقعان داخل نفس البستان "فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيبًا" (يو٤٠:١٩).
 
والوثنيون واليهود قبل بناء القيامة قد حقّروا قبر المسيح، فبنى هناك الوثنيون معبداً لطمس القبر، وفِي سنة ٣٢٥م دعا الأسقف مكاريوس أسقف أورشليم الإمبراطور قسطنطين إلى تدمير الهيكل الوثني في المدينة المقدسة للبحث عن قبر المسيح. وهكذا فإن الهيكل الذي كان يهدف إلى القضاء على موقع القبر أدّى في حقيقة الأمر إلى الحفاظ عليه.
 
كما كان اليهود يُلْقُون القمامة حيث قبر السيد ويدعون ذلك المكان "المِزبَلة". (١)
ورغم كل ذلك، يد الرب كانت أقوى من شرّهم، وشُيّدت الكنيسة بصلوات المؤمنين وبجهود القديسين العظيمين معادلا الرسل قسطنطين وهيلانة.
 
- قبر بستان السيد المسيح
هذا الموضع هو حديث عهد، وقد تأسّس سنة ١٨٩٤م، وتعتمده أغلب الطوائف البروتستانتية على أنه مكان قبر المسيح والجلجثة .. ولكن لماذا؟
 
في عام ١٨٦٧م زار الجنرال البريطاني الشهير تشارلز جوردون مدينة أورشليم كحاج، فصلی في كنيسة القيامة ومشي درب الآلام حاملا الصليب، وكتب لاحقاً: "تلك الليلة لم أستطع النوم لأنني تذكرت أنني قرأت في احدی الكتب عن أورشليم أنها تخلو من القبور، لأنها مدينة السلام الطاهرة والقبور تُعتبر منطقة نجسة لليهود. ففي تاريخ أورشليم لم يُدفن أحد داخل الاسوار باستثناء الملك داود والنبية خلده، وبما أن السيد المسيح هو يهودي الاصل، فطبعاً دُفن خارج الأسوار، لذلك كنيسة القيامة التي بداخل الأسوار هي ليست مكان قبر السيد المسيح وقد أخطات القديسة هيلانة في تحديد الموقع، أنا أؤكد أن الكنيسة بُنِيت في المكان الخطأ وسأبحث عن قبر المسيح الحقيقي"!!
وقد بدأ فعلا تشارلز جوردون بالبحث، واكتشف صخرة في أقصی شمال جبل الموريا تشبه الجمجمة (وهي معنی جلجثة بالآرامية)، واكتشف بستان هناك، وبداخل البستان قبر يشبه وصف قبر المسيح حسب وصف الأناجيل. ولذلك أسّسوا حديقة قبر السيد المسيح الذي نراه اليوم.
 
وتم انتشار خبر قبر المسيح الجديد كانتشار النار في الهشيم. وكانت الحجة أن المسيح كونه دُفن خارج الأسوار، فيستحيل أن يكون قبره الذي في كنيسة القيامة هو القبر الحقيقي، لأنه داخل أسوار البلدة القديمة! وهذا بالطبع سبّب بلبلة بين الكنائس التقليدية المشتركة في القبر القابل الحياة في بداية الأمر.
 
وبالحقيقة فإن المسيح دُفِن خارج أسوار أورشليم رغم أننا نرى قبره اليوم داخل أسوارها، ذلك لأن الأسوار في أيامنا هذه ليست هي في أيام المسيح له المجد!
 
فأسوار القدس الحالية بُنِيت عام ١٥٤٢م من قِبَل السلطان العثماني سليمان. أما الأسوار في زمن المسيح فبناها الملك هيرودس. فبالرجوع الی كتب التاريخ وعلم الاثار،اكتُشِف أن أسوار أورشليم زمن المسيح بالقرب من المرحلة السابعة بطريق الآلام (سوق خان الزيت حالياً)، ولكن الاكتشاف الأكبر كان اكتشاف الباب الذي أُخرِج منه السيد المسيح خارج أسوار أورشليم في داخل المرحلة السابعة، مايعرف بإسم باب الدينونة. حسب وصف يوسيفوس فلافيوس عن صلب يسوع الناصري. فبعد الاكتشاف اثبت علم الآثار أن كنيسة القيامة وحديقة القبر كلاهما خارج الاسوار زمن السيد المسيح.
فمن هو القبر الأصلي؟
 
• بالتاكيد الكنيسة الأصلية والتي تحوي القبر هي كنيسة القيامة لعدة اسباب نذكرها:
- إن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس وصف مكان صلب يسوع الناصري بنفس موقع كنيسة القيامة.
 
- كُتب الرومان ذكرت أن الرومان قد أقاموا معابد وثنية فوق القبر ومكان الصلب. (وهذا ما سهّل علی القديسة هيلانة معرفة المكان).
 
- اكتشاف قبر يوسف الرامي ونيقوديموس بجانب قبر السيد المسيح بكنيسة القيامة (كما هو موضح بالصورة).
 
• أما الادلة علی أن قبر البستان هو ليس للمسيح:
- أن القبر موجود منذ القرن السادس قبل الميلاد، وهذا يعارض الإنجيل حيث أعده يوسف الرامي له وكان قبراً جديداً "وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ" (يو٤١:١٩). أي أنه صُنع زمن المسيح، ولكن قبر حديقة البستان يعود إلی ستة قرون قبل الميلاد.
 
- أيضاً تم اكتشاف صليب بيزنطي داخل القبر عليه شعار "يسوع المسيح، الألف والياء" (كما هو موضح بالصورة)، أي أن البيزنطيين اكتشفوا هذا القبر منذ قرون، لكن لا أحد إدّعى أنه قبر المسيح.
 
- لا توجد طريق بين بيلاطس البنطي (المرحلة الاولی بطريق الآلام) وحديقة القبر، فمن أين جاء المسيح إلی منطقة الصلب في حديقة القبر (غير منطقي أبداً).
 
وختاماً نوضِّح، أن الطرفان يُقران أن القبر فارغ، وأن المسيح قد قام. ولكن، لأَنَّ الكثير من المشككين والمحاربين للمسيحية استغلوا الموضوع للترويج ضد العقيدة المسيحية وأن قبر الرب يسوع المسيح مشكوك فيه، فكان هذا المقال لكشف الحقيقة.