لا يزال الزواج المختلط بين الطوائف المسيحية والمسلمة في سوريا يواجه صعوبات، لا تقتصر على رفض غالبية المجتمع له فقط، بل يعد تمسك المؤسسات الدينية بقوانينها الصارمة أهم العقبات، التي تدفع بالكثيرين إلى السفر للخارج للزواج
 
لم تكن الشابة المسلمة منى ج. تتوقع من قبل أن قصة حبها من الشاب المسيحي طوني ل. ستنتهي يوما بشكل مؤلم بعد زواج كل منهما من طائفته رغم علاقة حب كبيرة جمعت بينهما خلال سنوات الدراسة. "ما زالت أبكيه لأنني أحبه رغم زواجي من رجل غيره"، تقول منى مضيفة بأن طوني يعاني مما تعانيه أيضا. مثل قصة منى وطوني ليست نادرة في المجتمع السوري، الذي يجمع بين 13 مذهبا وقومية على الأقل. وفي حالات كثيرة تنتهي قصص الحب والزواج بين شاب وشابة من دينين أو مذهبين دينيين مختلفين بالفشل بسبب رفض المجتمع والمحاكم الدينية الخاصة بالأحوال الأسرية للزواج المختلط بين أتباع مذاهب وديانات مختلفة. وفي حال حصل الزواج بين حبيبين من مذهبين مختلفين فإن العواقب قد تكون وخيمة، وقد يصل الأمر إلى حد القتل كما حصل للشابة هدى أبو عسلي في أغسطس/ آب 2005 عندما أقدم شقيقها على قتلها بسبب زواجها من شاب ينتمي إلى مذهب آخر. وهذا ما حصل أيضا للشابة إيمان م.، التي تنتمي إلى طائفة الموحدين الدروز، بسبب زواجها من شاب ينتمي إلى طائفة أخرى.

رفض المجتمع

وعلى الرغم من أن المجتمع السوري متعدد الطوائف والأديان والقوميات المتعايشة جنبا إلى جنب فإن الزواج المختلط يواجه في معظم الأحيان الرفض والاستنكار وخاصة في صفوف الفئات الفقيرة، أكثر منه لدى الشريحة الاجتماعية الغنية وصاحبة النفوذ الاجتماعي والسياسي حسب خليل قاسم، الطالب في قسم الرياضيات في جامعة حلب. أما أم جورج، التي تنتمي إلى الطائفة المارونية، تقول: "لن أزوج ابنتي لرجل من غير الطائفة حتى لو اضطرّنا الأمر إلى حجزها في البيت مدى حياتها". كما ترفض أم محمد فكرة تزويج ابنتها من غير طائفتها، لأن ذلك يعني بالنسبة لها "جلب العار وتمريغ شرف العائلة بالوحل". أما سمير خ. فقد حرم ابنه محمود من الإرث بسبب زواجه من شابة مسيحية أحبها وأحبته.

ويعزو أستاذ القانون مهند ديوب هذا الرفض الاجتماعي بالدرجة الأولى إلى موروثات الاجتماعية تراكمت خلال القرون الماضية وإلى التربية المنزلية، التي تكرس جهل أبناء الطوائف بعضهم ببعض ونظرتهم الدونية المتبادلة لبعضهم البعض. "التربية المنزلية تكرّس هذا الجهل من خلال التركيز على نقاط التمايز والاختلاف، التي تدّعي بأن هذه الطائفة أو تلك أفضل من غيرها بدلا من التركيز على القواسم المشتركة، التي تغذي روح التسامح"، وفق ما يقول مهند. ويضيف بأن تربية كهذه تقود إلى انطواء أبناء الطوائف على أنفسهم وانعزالهم عن الآخرين عندما يتعلق الأمر بالزواج وتأسيس عائلة. وهذا ما تؤكده الطالبة الجامعية سالي أنطون، التي تقول بأن تربيتها في البيت قامت على أساس أنه لا مانع من إقامة علاقات مع غير أبناء طائفتها "شرط أن لا تتعدى الخطوط الحمراء كالزواج على سبيل المثال".

 القوانين تكرس التفرقة

ويدعم الرفض الاجتماعي للزواج المختلط القوانين، التي تترك للمحاكم الروحية للطوائف المسيحية والإسلامية حق قبول الزواج من شخصين أو رفضه على حد قول المحامية رولا زهيري. أما قانون الأحوال الشخصية فلا يميز بين الرجل والمرأة فحسب، بل بين امرأة وأخرى لمجرد انتمائهما لدينين مختلفين، فعلى سبيل المثال لا تستطيع المرأة المسلمة في سوريا الزواج من رجل مسيحي، في حين تستطيع المرأة المسيحية الزواج من رجل مسلم. فيما يحق المرأة المسلمة أن ترث زوجها المسلم، بينما لا يحق للمسيحية أن ترث زوجها المسلم كما تقول رولا. وفي السياق ذاته تضيف المحامية زهيري قائلة: "الزواج في سوريا يخضع للأحكام المذهبية والدينية حيث يوجد سبعة محاكم للزواج: هي المحاكم الشرعية، المحكمة المذهبية الدرزية، المحكمة الأرثوذكسية، محكمة الكاثوليك، محكمة السريان، محكمة الإنجيليين ومحكمة الطائفة الموسوية". وفي سياق متصل يقول عمار ناصيف، ناشط في جمعية لحقوق الإنسان، إن قانون الأحوال الشخصية السوري "لا يتعارض فقط مع حقوق الإنسان الأساسية والتعايش، الذي يكرسه المجتمع السوري في حياته اليومية، بل أيضا حتى مع الدستور السوري، الذي ينص على المساواة في الحقوق والواجبات لجميع السوريين دون تمييز بين انتماءاتهم الدينية".

السفر إلى الخارج من أجل الزواج 

وفي ظل التمييز بين أبناء الأديان والمذاهب فيما يتعلق بحقهم بالزواج المختلط يلجأ البعض ممن لا يجدون الحل في محيطهم الاجتماعي، إلى دول أجنبية مثل قبرص واليونان، حيث بإمكانهم هناك الزواج مدنيا. "بالحب وبفضل قوانين الدول المجاورة يمكن تجاوز الطائفية والاختلافات المفروضة"، على حد تعبير جمال باروت، صاحب سوبر ماركت، ويضيف: "يجب أن يكون هناك قوانين تسمح بالزواج المختلط بحيث لا يضطر المرء للسفر إلى من أجل الزواج هناك كما حدث للعديد من معارفي". وبعد الزواج يعود هؤلاء إلى سوريا لتثبيت زواجهم بناء على اتفاقات تنص على احترام الحقوق، الذي حصل عليها الفرد في دولة أخرى غير دولته، كما تقول المحامية رولا. وفي المقابل يُقدم البعض على تغيير دينه بشكل ظاهري حتى يتمكن من الزواج ممن  يحبه. " قمت بتغيير ديني المسيحي إلى مسلم لكن بشكل ظاهري، بينما ضمنياً ما زلت مسيحي أمارس طقوسي وعادتي" على حد تعبير سيريس أ، شاب مسيحي متزوج من مسلمة.