الأنبا إرميا
تحدثنا عن عدد من الأوبئة الخطيرة التى اجتاحت العالم، ثم انتقلنا إلى «ڤيروس كورونا» الذى تفشى بتسارع عجيب فى العالم، حتى إن عددًا من الدُّول أعلن حظر التجوال، وأُغلقت المطارات، وجميع بيوت العبادات فى أنحاء المعمورة. أمّا عن وصول ذلك الوباء إلى هذا المستوى من الحدة والتأثير يحمل فى طِياته رسالة إلى العالم من أجل الشرور التى اجتاحته. وعامة نعلم أن الله غير مجرب بالشرور ولكنه يسمح بحدوث الشر الذى هو نتاج أعمال الإنسان الشريرة؛ فيذكر الكتاب: «لا يقل أحد إذا جرب: أنى أجرب من قبل الله، لأن الله غير مجرب بالشرور، وهو لا يجرب أحدًا. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا». وقد وصلتنى هذه الرسالة الأسبوع الماضى:

فى «كانساس» بالولايات المتحدة الأمريكية، فى افتتاح اجتماع «مجلس الشيوخ»، طُلب من الوزير «ﭼو رايت» إلقاء خطاب؛ فتوقع الجميع شيئًا معتادًا، لٰكن لم تُسمع منه سوى كلمات، قال فيها:

أيها الآب السماوى، نقدم أنفسنا أمامك لنستغفرك، ونطلب إليك أن تعطينا حكمتك وإرشادك.

نحن نعلم من كلمتك أنه ويل لمن يصف الشر بالخير- كما جاء فى الكتاب: «ويل للقائلين للشر خيرًا»- لٰكننا فعلنا ذٰلك!

فقدنا توازننا وقيمنا الروحية.

أهملنا كلمتك الحقة وسميناها «التعددية»!!

عبدنا الأصنام وأطلقنا عليها لقب «اختلافات ثقافة»!!

قبِلنا الانحراف وسميناه «البديل»!!

أهملنا الفقراء وسميناه بـ«القدر» أو «الحظ»!!

روَّجنا للكسل وسميناه «الترويح عن النفس»!!

أجهضنا أطفالنا، وأطلقنا على الإجهاض «قانون الحق فى الاختيار»!!

دعونا إلى الإجهاض باسم «عدم القدرة على الإعالة»!!

فشِلنا فى تأديب أولادنا، وأطلقنا على الفشل «تنمية الشعور بالاستقلال»!!

استخدمنا قوتنا وأطلقنا عليها اسم «السياسة»!!

اختلسنا المالية العامة بذريعة «النفقات الكبيرة»!!

أضفَينا الطابع المؤسسى على الرشوة وأسميناها «الكريز على الكعكة»!!

اشتهينا ما ليس لنا وأسميناه «الطموح»!!

لوثنا الهواء بالفُحش والمواد الإباحية وسميناه «الحق فى الرأى»!!

انتهكنا قيم أسلافنا وأطلقنا على هذا «التطور والتنوير»!!

ندعوك أن تتدخل وتسكن قلوبنا، طهِرنا من كل خطيئة وحررنا منها. آمين.

فكانت كلمته تأصيلًا لما جاء فى المسيحية والإسلام؛

ففقدان الإنسان لقيمه الروحية قد يكون من خلال إنكار كل ما هو روحى، كما فى المسيحية: «قال الجاهل فى قلبه ليس إله. فسدوا ورجسوا بأفعالهم. ليس من يعمل صلاحًا»؛ أو لا يزال مؤمنًا ولكن ظاهريًا فقط بدون إيمان حقيقى مثل الذين ذكر عنهم الكتاب: «لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قوتها. فاعرض عن هؤلاء». وفى الإسلام يجب أن يكون المؤمن له تقوى حقيقية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ».

أما إهمال كلمة الله ووصاياه فهو أمر مخالف لوصية الله كما جاء فى المسيحية: «فضعوا كلماتى هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم وعلموها أولادكم متكلمين بها حين تجلسون فى بيوتكم وحين تمشون فى الطريق وحين تنامون وحين تقومون». وفى الإسلام: «وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

وعبادة الأصنام والانحراف هما أمران رفضهما الله تمامًا، ففى المسيحية: «لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت... لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأنى أنا الرب إلهك إله غيور». وفى الإسلام: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا».

كما أوصى الله خيرًا بالفقير: ففى المسيحية: «لا تسىء إلى أرملة ما ولا يتيم. إن أسأت إليه فإنى إن صرخ إلى أسمع صراخه. فيحمى غضبى». وفى الإسلام: «وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...». وللحديث بقية... ففى «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى!

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم