الانبا مكاريوس
يردّد الكثيرون في هذه الأيام عبارات من قبيل أن ما يحدث هو انتقام الله العادل، وأن كأس الشر قد امتلأت وفاضت، وأن صراخ البشر (يقصد ضجيجهم) قد صعد إلى الله، وأن هذا هو وقت التطهير والتمحيص...

حقيقي أننا خطاة وعصاة، وأثمنا نحن وآباؤنا، وأن نتائج الخطية وخيمة... ولكن مشكلة التخويف والتبكيت والإنذار بالويلات، على قدر أهميتها وحقيقتها على قدر خطورتها. وفكرة إظهار الله أنه منتقم جبار، وأنه يقتصّ لنفسه، هي في الواقع إهانة لله! فالله ديّان عادل وكذلك رحوم أيضًا، يغضب ولكنّه يرجع عن حموّ غضبه، يسخط ولكنّ سخطه لا يدوم، يضرب ولكنّ يديه تشفيان، يجرح ولكنّه يعصب، يترك للحظة أو لُحيظة ولكنّه يعود فيجمع بمراحم أبدية.. وعندما يصلّي الكاهن مُصرِّحًا بأن الله "يعطي كل واحد فواحد كحسب أعماله"، يكاد الشعب يقاطعه متوسِّلًا بصراخ إلى الله: بل "كرحمتك يا رب وليس كخطايانا".

فكرة التبكيت الشديد والإنذار بأن نهاية كل شيء قد أتت، هي فكرة من شأنها أن تتحول بعد مرور الأزمة إلى حالة من النكوص واللا مبالاة، أو حالة من التحدّي والعناد، وقد تقيم حاجزًا ما بين الله والإنسان، لا سيما وسيقول قائل: إن الأب الجسدي -وهو مخلوق ضعيف ومحدود- لا يمكن أن يُقدِم على الانتقام من ابنه على هذا النحو، مهما فعل الابن، ومهما أساء وخالف وتطاول.. هكذا قال الرب: «لأنّي لا أُسَرُّ بموتِ مَنْ يَموتُ، يقولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فارجِعوا واحيَوْا».

لا يليق بنا أن نتاجر بأوجاع الناس وخوفهم وهلعهم، بل لنطلب قائلين: «يا إلهَ الجُنودِ، ارجِعَنَّ. اطَّلِعْ مِنَ السماءِ وانظُرْ وتَعَهَّدْ هذِهِ الكَرمَةَ». إن الغفران والرجاء والتحنُّن، أتت إلى الله بتائبين أكثر ممن أتوا إليه خائفين من انتقامه وجبروته.

إن كل النبوات التي تنبّأها الأنبياء على الشعب الخاطئ، جميعها يُختَتَم برسالة رجاء، مفادها أن الله يعود فيترأف على صهيون لأنه وقت الترأف عليها. اذكروا قصص التأديب ومعها الغفران، قصص السقوط ومعها قصص التوبة، قصص البُعد عن الله وقصص التوبة الجماعية المفرحة.
اذكروا أن الرب قال: «لا أعودُ ألعَنُ الأرضَ أيضًا مِنْ أجلِ الإنسانِ»، بل قوله: «لا أعودُ أيضًا أُميتُ كُلَّ حَيٍّ كما فعَلتُ...»

الشواهد الكتابية: حِزقيال18: 32؛ مزمور80: 14؛ تكوين8: 21