فاروق عطبية
أعتُبر يعقوب حنا المصري أحد الشخصيات التي دار حولها جدل كبير في التاريخ المصري. ويرجع هذا الجدل إلى تعاونه مع الحملة الفرنسية التي احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت'>نابليون بونابرت، الذي استوقف عدداً كبيراً من المؤرخين فالبعض يراه خيانة لا تقبل التأويل والتبرير، بينما يرى البعض الآخر أنه سياسي بطل حاول مقاومة العثمانيين بالتعاون مع الفرنسيين، وما بين الرأيان يقف التاريخ على الحياد في سرد الوقائع ثم يعطي حكمه بناءاً على ما أرّخه.
 
فى عصر الجنرال يعقوب لم تكن مصر دوله مستقله يحكمها المصريين الذين لا حول لهم ولا قوة، بل كانت مجرد ولايه يحكمها العثمانليون من استانبول بالحديد والنار. فى مثل هذه الظروف وصل نابليون مصر و حارب الاتراك المحتلين مما أعطي الأمل بإمكانية استقلال مصر وتحولها لدولة مستقلة. وكان الأقباط المسيحيون الأكثر معاناة يذبحون وتسبى نساءهم وأطفالهم وتنهب أموالهم وتحرق ممتلكاتهم لأتفه الأسباب، وعندما أتت الحملة الفرنسية أحسوا ببعض الأمان والتحرر من القيود التي كانوا مكبلين بها ووجدوا فيها حلما بالخلاص فانحازوا لها ضد العثمانيون، ولم يكن المسيحيين فقط الذين انحازوا للفرنسيين ضد العثمانيين فقد انحاز أيضا الكثير من المسلمين ومنهم من خرج مع الفرنسيين حين خروجهم عائدين لفرنسا. في مثل تلك الظروف ليس من الإنصاف إلصاق تهمة الخيانة بمن كانوا يتطلعون لرفع المظالم والحلم بمستقبل مصر واستقلالها، ولم يكن أمامهم طريق آخر للخلاص من المستعمر الظالم. ومن الإنصاف أن نلتمس العذر للجنرال يعقوب وننفي عنه تهمة الخيانة بل من العدل اعتباره مناضلا ومحاربا لتحرير وطنه من ربقة استعمار وحشي ومطالبا باستقلالها.
 
كان هدف المعلم يعقوب من سفره إلى فرنسا السعى لأقناع حكومة أنجلترا باستقلال مصر من الاحتلال التركي ووجوب إنشاء جيش مصرى صميم من المصريين للزود عن بلادهم، أما قبطان باشا حسن (الوالى التركى) فقد طلب من بليار أن يقنع يعقوب بالبقاء فى مصر للأنتفاع بمواهبة فى الأدارة، ولكن يعقوب فقد صمم على خدمة بلاده بالطريقة التى رآها، وفعلاً ركب السفينة الانجليزية بلاس وقصد فرنسا وسافرت معه أمه وزوجته وأبنته وأخوه حنين وأبن أخيه الكولونيل غبريال سيداروس وبعض الأقارب.
 
جاء في مذكرات لاسكارس Lascaris الذي كان بقوم بالترجمه مابين الجنرال يعقوب و الكابتن إدموندز علي السفينة الانجليزية بلاس، إن الجنرال يعقوب طلب من ادموندز تدخل انجلترا لمساعدة مصر على نيل استقلالها من الاتراك، و إن ادموندز نقل طلب يعقوب للأدميرال الانجليزى "ايرل سان فينسينت" فى خطاب مرسل من جزيرة مينوركا بتاريخ 4 اكتوبر 1804م، وهذا يوضّح أن ما كان الجنرال يعقوب ينوي أن يفعله بعرض موضوع استقلال مصر على الدول الأوربية هو طلب المساعدة لتحرير الوطن، موقف يدل على بعد نطره ووطنيته وأنه كان سابقا لعصره، وهو نفس ما قام به مصطفى كامل بعد قرن من الزمان حينما سافر إلى فرنسا طالبا المساعدة في استقلال مصر وتحريرها من الاستعمار الإنجليزي فهل اتهمناه بالخيانة..! على نفس المستوى يمكن اعتبار يعقوب بطلا وطنيا، فهو اول من رفع صوته في مصر واوروبا مطالبا بحريه البلاد واستقلالها من الاحتلال العثماني وجبروت وسيطرة المماليك، وواضع أول مشروع لاستقلال مصر سبق به الحركة الوطنية بعشرات السنين.
 
وبعد أن تعامل يعقوب حنا مع الفرنسيين وعرف أفكارهم عن الحرية والعدل والمساواة نبذ ولاءه العثمانيين والمماليك وفكر فى أن يستفيد من الفرنسيين بتكوين جيش وطنى لأول مرة فى مصر لحماية الأقباط من أى أعتداء يتعرضون له، فجمع ألفين من شباب الأقباط من الذين كانوا يعملون مع الفرنسيين كصناع وعمال فى الصعيد ويفهمون بعض الفرنسية ووضعهم تحت التدريب العسكرى الفرنسى المتحضر كما قام الجنرال كليبر بإنتقاء ضباط لتدريبهم .
 
يتهم يعقوب بأنه أنشأ جيشا مسيحيا يعمل مع المستعمر الفرنسي وتناسي المتهمون أن الدور الرئيسى لتلك الفرقة كان حماية الأقباط وممتلكاتهم من إنتقام المسلمين المغرر بهم من العثمانيين (كونهم يحملون ديانة المستعمر الجديد). وكان جيش يعقوب أول جيش مصري خالص منذ عصر الفراعنة ويكفيه فخرا أنه لم يحارب مصريين قط وشارك في الحرب ضد المستعمر التركي. كما سارع يعقوب بحل تلك الفرقة بمجرد استعداد الفرنسيين للخروج من مصر. ولم يكن يعقوب وحده كمسيحي من شكل جيشا يعمل مع المستعمر، فقد شكل مسلمون قبله فرقا تحارب الى جانب الفرنسيين، منهم فرقة "عمر القلعجى"، كما أن شيوخ الأزهر المسلمين كانوا يخدمون الفرنسيين أيضاً وكانوا من أعضاء الديوان الذى شكله بونابرت ليحكم مصر بأسم الفرنسيين.
 
أن الشعارات التى أطلقتها الثورة الفرنسية من حرية ومساواة وعدل وأخاء قد جذبت المعلم يعقوب حنا إليهم ووضعت فى نفسه املاً فى تحرير بلادة من وطأة الإستعمار العثمانى والمملوكى معاً، قال عنه محمد صبرى فى مؤلفه "تاريخ مصر الحديث " ما يلى : إن يعقوب فى بداية الإحتلال الفرنسى ألتحق بخدمة الفرنسيين الذين دخلوا مصر كأصدقاء يحملون راية جديدة هى راية الحرية، وبارح مصر على رأس وفد مصرى مؤلف من اعيان القبط، وكانت فكرته الأساسية مخاطبة أنجلترا فى أمر أستقلال مصر، ولكن وفاته العاجلة فى الطريق قضت فجأة على مشروع مفاوضة دول أوربا فى ذلك الإستقلال. وقال الدكتور شفيق غربال : " أول ما فى تأييد يعقوب للتدخل الغربى هو تخليص وطنه من حكم لا هو عثمانى ولا هو مملوكى، وإنما مزيج من الفوضى والعنف والإسراف، ولا خير للمحكومين فيه ولا للحاكمين إذا إعتبرناهم دولة قائمة مستمرة، وثانى ما فى تأييده هو أنشاء قوة حربية مصرية (قبطية فى ذلك الوقت) مدربة على النظم العسكرية الحديثة الغربية. والذى نروم ان نذكره وننبه إليه هنا على ضوء الوثائق التى وجدت حديثاً فى محفوظات وزارة الخارجية الإنجليزية هو أن فكرة الأستقلال المصرى التى نشأت فى ظل حملة بونابرت كانت قد خطرت منذ فجر القرن التاسع عشر للمصريين، فإن واحداً منهم وهو المعلم يعقوب القبطى أعرب عنها بلسانهم، إلا أن موته قبل الأوان حال بينه وبين عرض هذه القضية والدفاع عنها أمام وزارات أوربا "
 
كان المعلم يعقوب محبا لبني وطنه المصريين بغض النظر عن دينهم، يذكر أن الجنرال بليار كان يتولى الإشراف على جباية الضرائب وحدث أن أهل قرية من قرى بنى سويف تأخروا عن دفع ما عليهم من الضرائب، فقبض الجنرال بليار على مشايخ القرية رهينة عنده حتى يدفع أهل القرية ما عليهم، وأتفق أن المعلم يعقوب ذهب إلى بنى سويف قادماً من الفيوم بصحبة الجنرال ديزيه بعد إخضاعها، وعندما علم المعلم يعقوب بما حدث مع الشيوخ إحتج بشدة وثار على تصرف بليار ونصحه بإستعمال الصبر فى الجباية والكف عن إرهاق الشعب بالضرائب حتى لا يكونوا مثل العثمانيين فسمع له وأخلى سبيلهم.
 
وعكس ما فعله المناضل الوطني المعلم يعقوب حنا كانت ثورات الرعاع المسلمين ضد الاستعمار الفرنسي ليس لمصلحة الوطن ولكن لعودة سيطرة الاستعمار العثماني المملوكي ليجثم على صدر الوطن ويلتهم خيرات البلاد. وللأسف الكثير من المسلمين المغيبين الذىن يسكنون ارض مصر سواء كان أصل جدودهم يرجع للعرب الغزاة أو لجيوش المسلمين العديدة التى غزت مصر أو يكون جدوده من الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام كرها أو اقتناعا، أنه بمجرد نطقة الشهادتين يصبح مسلماً لا ينتمي للوطن ويصبح كل انتماؤه موجه للغزاة الغرباء، ويصير عدوا لأهله لأنهم لا يدينون بدين الحق الدين ألإسلامى ولا يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا تهمه الجنسية المصرية لأن أنتماءه صار للدين وليس للوطن كما قال حسن البنا: الوطن هو الإسلام وليس الأرض. لهذا لا يحق لغرباء يسكنون فى أرضنا ولا يحترمون حدودها أن يتهم ألمعلم يعقوب بالخيانة، فهم الذين سلموا البلاد لآل عثمان والمماليك وخربوا مصر وما زال الكثير منهم خاصة السلفيون وأخوان الشياطين ومن لف لفيفهم يخربون ويهدمون مصر حتى الآن.