بقلم دكتور مهندس/ ماهر عزيز

استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ
 
بقدر ما كانت كورونا اختباراً قاسياً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى إدراكها لوضعية الكثير من التفصيلات الإجرائية فى ممارساتها التعبدية، وفى قدرتها على التعامل مع الصقوسية الراهنة بالمرونة أو التحجر، بقدر ما كانت امتحاناً أقسى للتعليم الذى أودعته فى قلوب وأفئدة الأقباط تجاه الإيمان والحق الكتابى.. حتى لقد تجلت الإشكالية الحاضرة لكورونا تجاه الأفخارستيا ليس بوصفها متلبسة بالطقوس من عدمها، ولكن بوصفها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم الإكليروس والناس للتحول السرائرى للخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.. وبالإيمان المتجذر من هذا الفهم، وبإدراك القصد  الإلهى من السر المقدس. 
 
ظهر جلياً من طروحات جميع الذين أكدوا بجزم ويقين ثابت أن "جسد ودم يسوع يعطى لشفاء النفس والجسد، ويحفظ الجسد من المرض والعدوى"، وجميع الذين أصروا أنه "من خزى العقيدة وضعفها أن يحترز الجهال عديمو الإيمان ويتخذوا الحيطة من العدوى والمرض خلال تناول الأفخارستيا".. ظهر جلياً أنهم جميعاً لا يتبينون على وجه الدقة ما هو إيمانهم، وما هو جوهر الأفخارستيا؟ 
 
نؤمن بالتحول السرائرى والفعل الروحى
والحق أننا نؤمن بتحول القربان وعصير الكرمة الي جسد الرب ودمه.. لكننا نؤمن أيضاً أن هذا التحول سرائري يفعل فعله الروحى، ولا يغير من طبيعة المادة، ولا يتصادم مع قوانين الطبيعة.. لأن خالق القوانين لا يكسرها، ومن قوانين الطبيعة أن تلوث الأشياء يؤدي الي تلوث البشر وتعرضهم للأمراض... 
 
التحول السرائري للخبز والخمر الي جسد الرب ودمه  لا يعطل هذا القانون، ولا يبدل من طبيعة الخبز والخمر، ولا يبدل من طبيعة الأوانى الحاملة أو الأدوات المستخدمة.. المعجزة الجسدية التي ينتظرها الإكليروس وغلاة الذين يعتقدون أنهم وحدهم المؤمنون حين يتناولون، ظناً منهم أن الإيمان بالتحول السرائري يجنبهم الأذى، ويمنع تأثرهم بالمرض الجسدي، لا يحدث هكذا... واللـه لا يتعامل مع الناس من منطلق أن الجسد والدم لهما القدسية العظمي، والإيمان بهما يحفظ الإنسان من الأذى والمرض، وينجحه في اي امتحان سواء ذاكر أو لم يذاكر، ويحميه من سيارة تدهسه في الطريق عندما يخرق الإشارة و... و... إلخ.. الإيمان بالتحول السرائري وقدسية الجسد والدم لا يتجاوز التدبير السماوى للثبات فى المسيح ومغفرة الخطايا، ولا يعطل قوانين اللـه.. .. والإيمان بالتحول السرائري وأن يسوع الحاضر على المذبح جسداً حقيقياً ودماً حقيقياً يحمى المؤمنين لن يوقف المرض الجسدى، لأنه لا يبدل طبيعة المادة والأدوات، ولا يمكن أن يتصادم مع قانون الطبيعة الذي خلقه يسوع ذاته. 
 
والدلائل كثيرة بلا حصر ...
كانت علي فراش المرض يأتيها الأب الكاهن بالمناولة كل يوم أحد، وتؤمن إيمانا عظيما بالتحول السرائرى، وتنتظر أن تشفي من المرض مع كل تناول، لكن المرض كان يتمكن أكثر وأكثر حتي الموت.. ومثلها ملايين.
 
ولكي نفهم أكثر نرجع الي كلمات يسوع : "خذوا كلوا هذا هو جسدي".. "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد" (مرقس 14 : 22- 24).. "جسدي  مأكل  حق ودمي مشرب حق" (يوحنا 6 : 51- 58) (من هنا إيماننا بالتحول السرائري  للخبز والخمر).. "الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (متى 26: 28).. "اصنعوا هذا لذكرى" (لوقا 22 : 19). 
 
"مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ"(يوحنا 6 : 56).. "فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ"(يوحنا 6 : 54). 
 
ما ذكره يسوع أن الجسد والدم للثبات فيه ولمغفرة الخطايا.. للثبات فيه ولمغفرة الخطايا وليس لصنع معجزة يتمناها الناس كلما تناولوا.. كأن يتناولون بملعقة  ملوثة بفيروس ولا يمرضوا.. اللـه لا يتعامل هكذا مع أمنيات الناس..وجسده ودمه الأقدسان بعيدان تماما عن الأحلام الساذجة للبشر..
 
بولس الرسول كان يصلي ويتناول ولم يُشْف ذلك "الشوكة التي كانت في جسده".. الإيمان بقدسية جسد الرب ودمه هو فعل روحي عميق يُثَبِّت الإنسان في المسيح، ويملؤه بقوة روحية، ويمنحه مغفرة الخطايا، ويعطيه نصيبا مع المسيح في الملكوت.. لكنه لا يكسر قوانين الطبيعة.. ولا يحصن الجسد ضد الأمراض.. يبارك حياة الإنسان كله، لكنه لا يستثني هذه الحياة من قانون الطبيعة.. لذلك أناس كثيرون يتناولون الخبز والخمر المتحولين سرائرياً لجسد الرب ودمه ثم يخرجون من الكنيسة ليصنعوا شرا عظيما..بينما هم يتناولون كل يوم.. حتي اتحادهم بالرب لا يمنعهم من طبائعهم وأغراضهم ومآربهم.. لكنه يمنحهم إمكانية أن ينتصروا علي الشر.. لو أرادوا.. لو أرادوا  !!!
يتعين أن نفهم ذلك جيدا حتي لا نغرق في الغيبية والخرافة.
 
نعم.. جسد ودم يسوع يطهر من كل خطية، أما شفاء جسد الإنسان فاللـه له فيه مشيئة لا نعرفها.. التطهير من الخطايا شيء والمرض الجسدي شيء آخر..
 
أما الميستير فهي مجرد أداة.. ولو عدنا الي زمن ما قبل اختراع الملاعق سنجد أن التناول كان بواسطة الكأس ذاتها، أو الوعاء الحاوي لعصير الكرمة..فكان يقدم للناس وكل واحد يأخذ لنفسه بنفسه.. الميستير حديثة عهد.. والطقس المرتبط بها من ترتيب بشرى، وكل ترتيب وصنع بشرى يمكن تحديثه أو تعديله.. لن يكون الدم المقدس هو وسيلة نقل الفيروس.. ولكن الميستير.. الملعقة!!!
 
لن يحمي اللـه الحمقي إلا أن يتحرزوا أولاً بكل ما يستطيعون، ويتعين أن يدركوا أن ذلك لا يأتى البتة على حساب الإيمان بالتحول السرائرى للأفخارستيا.. 
 
فاللـه يسمح بانتقال الفيروس والمرض.. أي مرض.. عن طريق الملعقة التي يتناول بها المتناولون عصير الكرمة المتحول سرائرياً إذا تغافلنا عن الأسس الصحية بهذه الدعوي.. 
 
وهنالك أدلة بسيطة جدا...
أحد الأدلة التي تقدم مثالاً مباشراً لذلك هي أن الأساقفة المرضي بأمراض عديدة يتناولون كل قداس من الأسرار المقدسة بينما المرض لا يفارقهم أبداً رغم ذلك، ويحتاجون للسفر للعلاج بالخارج.. ولم تَحُلّ الأسرار المقدسة ابدا محل الطبيب...
 
ومثال آخر: استهتر كاهن في استخدام ماء عطن مخزن لمدة طويلة في غسيل الأواني في نهاية القداس والشرب منه.. فمات مسموماً، بينما أمكنهم إسعاف الشمامسة بأعجوبة..
 
هذا أمر بعيد تماماً عن الإيمان بالاسرار.. والله يضع خطاً فاصلاً بين بركات الأسرار وبين الاستهتار بالإجراءات الصحية !!!
 
أما مسألة المناولة بالقربان ففيها مرونات عديدة يؤيدها تطور الطقس ذاته، ففى وقت من الأوقات كانت المناولة بالقربان مغموساً في عصير الكرمة، فأمكن للكاهن أن يضعه في الصينية، وكل فرد يتناول بيده القطعة التي يرفعها بين أصابعه لنفسه... والسيد المسيح أخذ خبزاً وأعطاهم وأكلوا بأنفسهم، وأخذ عصير الكرمة وأعطاهم فشربوا هم بأنفسهم..وليست هنالك ضرورة أبداً أن يمسك الكاهن الخبز والخمر بيده ليعطي!! 

التحول سرائري غير منظور.. 
والأثر روحي بالدرجة الأولي..
 
واللـه لا يكسر قوانين الوجود التي خلقها!!!
 
ومنطق المعجزة المرتبط بالتناول موقوف علي إرادة اللـه بحسب مشيئته حالة بحالة.. 
 
" يُسْفَكُ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.." (متى 26 : 28) .. لم يقل "للشفاء من الأمراض أو الوقاية منها"..
 
أدلة كثيرة علي أن الإيمان بالتحول السرائري لا دخل له مطلقا بمسألة الشفاء من الأمراض أو الوقاية من المرض أو العدوي.. 
 
وإذا حدث وانتقلت عدوي في السابق بواسطة أدوات التناول لن يسمع أحد عن ذلك أبداً، لأن الجميع يستبعد حدوث ذلك.. فليس هنالك سجل إحصائي علي مدي 2000 سنة لحدث كهذا، وبالتالي لم يسمع أحد ولن نسمع أبداً... لكن عدم السمع ليس دليلا كافيا أن ذلك لم يحدث ؟؟؟
 
لكن هناك واقعة الأب الكاهن في الصعيد – كما ذكرت سابقاً – الذى استخدم عقب التناول ماءً مخزوناً إلي حد العطانة في غسل الصينية الموضوع عليها الجسد والشرب منها.. ونبهه الشمامسة أن المياه رائحتها كريهة ويخشون منها، فوبخهم بنفس الكلام المتداول عن ضعف إيمانهم ونفس المنطق.. لكنه مات بعدها مسموماً في الحال، ولحقوا بإنقاذ الشمامسة في أقرب مستشفي لأنهم شربوا ماءً أقل منه فأمكن إنقاذهم.
 
ماذا نستنتج من هذه الواقعة؟.. "لا تجرب الرب إلهك"!!! 
فَلْتُتْبَعُ القواعد الصحية تماماً وبعد ذلك يتدخل اللـه.
 
أما المغامرة بدعوي أن "فى الجسد والدم الأقدسين لا يمكن أن يسمح اللـه بالعدوى والمرض أو بأدنى أذى لأحد".. فذلك منطق غيبي خرافي لا يصادق عليه اللـه ولا يرضى به البتَّة.
 
وملايين علي فراش المرض – كما ذكرنا سابقاً – يتناولون كل يوم، بينما رغم ذلك يتزايد المرض حتي يموتون.. وأساقفة بلا عدد يتناولون كل يوم، ويذهبون بعد التناول مباشرة للعلاج من أمراضهم في الخارج..
لكن اللـه – جَلّ جلاله – يسمح بالمرض وانتقال المرض في ظل الأفخارستيا، لأن ليست تلك مقاصدها أبداً، ولم يشأ اللـه أن تستخدم هكذا.. 
 
التحول سرائري وغير منظور.. والتناول يعطي لمغفرة الخطايا والثبات فى المسيح، أي لفعل روحي بحت، لكن الجسد يبقي تحت القانون الطبيعي، والتناول لا يعاند قوانين الطبيعة.
 
حاجج أحدهم بقوله: "أحبائي راجعوا أيمانكم.. ورجائي قبل ان تتناولوا تستمعوا جيداً وتدققوا في كل كلمة من كلمات الكاهن في نهاية صلاة القداس الإلهي: "آمين آمين.. أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو الجسد والدم الحقيقي".. فإن كنت تؤمن بهذا فلن يصيبك أي مكروه.. أنت فى حماية ورعاية اللـه"..  
 
لكننا نجيبه: من أدراك .. لقد انتشر الطاعون في مصر في زمن من الأزمنة وحصد المصريين حصداً.. وانتشرت الكوليرا في أحد الأزمنة وحصدت المصريين حصداً.. لا توجد إحصائيات عن دين الذين حصدهم الموت حصداً.. لكنهم كانوا من كل الأديان وكل الأعمار.. ومن المسيحيين من كل الذين كانوا يتناولون والذين لا يتناولون.. لا تتحدي الرب إلهك !!!
 
يحتجون بسذاجة مذهلة : "إن كنت تؤمن أن هذا جسده الحقيقي وهذا دمه الحقيقي فكيف يتسرب إليك الشك في اُسلوب تناوله أنه يمكن ان ينقل لك اَي مرض ؟"!!!... على مدار السنين مرت البشرية بأزمنة حملت الكثير من الأوبئة، كما حملت أمراضاً تُنْقَل بالعدوى.. ولم يتسلل إلى البشرية أي شكوك من جهة التناول وطريقته وأسلوبه لأن الإيمان بتناول جسده ودمه بالحقيقة يضمن الثقة بأن السر وسيلة فعالة للشفاء من أمراض النفس والجسد والروح".. ويزيدون فيقولون: "الأمر لا يتعلق بالدروشة أو بعدم احترام مبادئ الوقاية ولكنه يتعلق بالإيمان الحقيقى".. 
 
ينطوى هذا المنطق على عجز إيمانى ومغالطة حرجة فى فهم السر المقدس، فاللـه يحافظ علينا نعم، لكننا يتعين أن نفعل ما يجب علينا أن نفعله.. يحافظ علينا – إذا شاء – شريطة أن نكون قد اتخذنا من جانبنا الاحترازات الواجبة.. فأكل القربان وشرب عصير الكرمة لم يتم المساس بهما تحت أى تنظيم يضمن سلامة الاتقاء الصحى من العدوى والمرض، وذلك ما سنعرضه تفصيلاً فيما يلى بعد..
 
"الطقس" يقتل.. أما "الروح" فيحيى 
ورد فى كتاب "الأفخارستيا والقداس" صفحة 281: "لقد استلمت الكنيسة من الرسل (فى بدء العصر المسيحى) طقس عشاء الرب كاملاً كوليمة محبة (أغابى) تبدأ وتنتهى بالسر المقدس (الأفخارستيا)، أى تبدأ بسر "كسر الخبز"، وتنتهى بسر "كأس البركة"، ويتخللهما عشاء أو غذاء عادى من جميع الأطعمة والأشربة يشترك فيه جميع الحاضرين".. 
 
والسؤال لأدعياء الحفاظ على الطقس وعدم المساس به، وأدعياء الحفاظ على تراث الآباء وعدم التفريط فيه: "هذا هو تراث الآباء.. فأين هو من الطقس اليوم؟". 
 
والذين يحاججون بأن "الطقس لا يتغير" عليهم أن يدركو أن الطقس الذى وصل إلينا عبر السنين على نحو الممارسة الراهنة لم يكن كذلك أبداً حينما حلَّ عام 190 ميلادية على سبيل المثال، فلقد "تحتم فى قسمة وتوزيع الأفخارستيا  أن كل واحد من الشعب يأخذ نصيبه لنفسه"، وفى حالة الأفخارستيا مع الأغابى فى الكنيسة "كان يوزع الخبز المقدس والخمر المقدس -الأفخارستيا- أولاً بواسطة الشمامسة، وبعد ذلك يوزع العشاء".. فهل ذلك هو الطقس الآن؟.. 
 
ليعلم الجميع أن وليمة الأغابى ظلت متصلة فى مصر بالأفخارستيا حتى القرن الخامس، وذلك ليس هو البتة الطقس الآن!!! 
 
فبلا عنتريات زاعمة.. الطقس الحالى لم يكن هو الطقس الذى تسلمه الأولون من رسل المسيح، ومعنى ذلك أن التشبث بالطقس على نحوه الراهن بدعوى "أن طقوس الكنيسة الحالية هى ما تسلمناه من الآباء المباركين ولا يمكن تغييرها"، هو تشبث متهافت مغلوط غير صحيح ومقطوع الصلة تماماً عن تاريخ الكنيسة. 
 
"الطقس" المُسَلَّمْ من رُسل المسيح قد تغير وتبدل أكثر من مرة على مر العصور، والذى بين أيدينا الآن ليس هو طقس العهد الأول، وليس هو طقس بعد 190 سنة ميلادية، وليس هو طقس بعد ذلك.. ولم تكن فيه "ميستير" أو "ملعقة".. 
 
الخلاصة هى أن  الطقس لا يقوم بوصفه حداً أو سيفاً البتَّة على الاحتراز الطبى السليم.. وَلْيَعِ الجميع الدرس: الطقس يقتل أما الروح  فيحيى!!! 
 
شفاء الروح أم الجسد؟ 
لقد درجوا على القول: "... لشفاء الروح والجسد".. يقولها الإكليروس كلهم دون تدقيق.. ويستهولها الجميع استهوالاً مريعاً: "هل جسد الرب ودمه لا يشفى جسد الإنسان؟".. أتكون فى حضرة التجسد الإلهى بجسد يسوع ودمه على المذبح ولا يُشْفَى جسدك؟".. أو "... ولا تَسْلَمْ من الوباء؟.. "هل يعقل هذا أبداً؟".. ".. ياقليلى الإيمان.. يا من لم تعرفوا معنى "الحضور الإلهى بالجسد والدم".. يا من تجدفون على الرب؟" "..عودوا إلى إيمانكم ولا تكونوا أبداً غير مؤمنين؟"... لكنهم لا يدركون أبداً أن تلك تصوراتهم هم الخاصة.. ومحض فكرهم البشرى.. أو حتى محض فكرتهم المغيبة المبتورة الخاطئة عن الإيمان؟ 
 
فالأمر ليس كذلك البتَّة، مهما قالوا عن الإيمان، ومهما صَدَّروا تصوراتهم الذاتية.. 
 
على أولئك وهؤلاء جميعاً تمحيص الإيمان "بالتحول السرائرى للخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه" على الحق الكتابى وحده.. حق بركة العهد الجديد.. 
...  ...
 
يحمل الخبز والخمر حق المسيح.. حق الفداء.. حق الكفارة والغفران.. حق الروح وليس حق المادة..
 
فما الجسد والدم سوى ذبيحة المسيح الكفارية.. ذبيحة للحق بالمسيح.. وهى ذاتها الذبيحة التى مثلتها ورمزت لها الذبيحة التى كان جسدها يحرق خارج المحلة فى القديم للتكفير عن الخطايا، ودمها يرش نصفه على المذبح للتكفير عن الشعب استحضاراً لعهد اللـه مع الشعب، ونصفه الآخر يرش على الشعب للتكفير عن الشعب استحضاراً لعهد الشعب مع اللـه. 
 
"مأكل حق" و"مشرب حق"..  أى حق الكفارة والفداء والغفران.. لأن المسيح إذ قال ذلك كان قد ذبح ذاته بالنية وبالنبوة.. هذا هو الحق الذى قصده يسوع "لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا" (1كو5: 7).
 
ويتعمق الفعل الروحى أكثر وأكثر للخبز والخمر فى الشرح الكتابى: "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟" (1 كو 10: 16).. إذن هى شركة حقيقية فى المسيح يسوع للوحدة فيه بالروح والحق، لمغفرة الخطايا.. والشركة هى فعل روحى لا جسدى بمقتضى السر الذى أسسه يسوع.
 
وهذا الفعل الروحى لشفاء الروح وغفران الخطايا، أما الجسد فلا تنكسر فيه قوانين الطبيعة التى خلقها يسوع!!!
 
للثبات فى المسيح وغفران الخطايا وليس للجسد 
 
كما لا يمكن لإله العدل أن يكسر عدله.. هكذا أيضاً لا يمكن لخالق الطبيعة أن يحطم قانون الطبيعة. 
 
فحينما أخذ يسوع الخبز على يديه  ليبارك.. لم يطلب البركات للأرض والبركات لخبز الأرض وجسد الأرض.. وحينما أخذ الكأس على يديه لم يبارك نتاج الكرمة، ولم يبارك الأرض المشتهاة وفيرة الخيرات.. ولا بارك عهد الختان الذى ختمه على لحمهم.. ولا بارك مملكة بيت داود. 
 
تلك كانت بركات العهد القديم التى دارت كلها حول الأرض، والطعام، والملوكية، وإخضاع الشعوب، وحياة الجسد وسلامته.. وهى التى لم يذكر السيد المسيح شيئاً منها على الإطلاق.. 
 
لكنه وضع بركته الجديدة على الخبز: "هذا جسدى المكسور كلوه".. ووضع بركته الجديدة على الخمر: "هذا دمى المسفوك عنكم وعن كثيرين اشربوه".. "هذا هو عهدى الجديد معكم لغفران الخطايا" (وليس لشفاء الجسد أو لمنعته ضد العدوى بالوباء والمرض).. "اصنعوا هذا لذكرى،  وسأشربه معكم جديداً فى الملكوت الآتى"... أى اذكروا دائماً الفداء بجسدى ودمى إلى أن  تكونوا معى فى الملكوت.. 
 
صارت البركة لا فى الخبز ولا فى الخمر، بل فى جسد مكسور ودم مسفوك.. 
 
صارت البركة لا فى أرض الموعد لشبع الجميع، بل فى الرب يسوع مشتهى الأجيال الذى قدم جسده ودمه ذبيحة فداء عن حياة العالم.. 
 
صارت البركة لا فى  الأكل والشرب.. لا فى سلامة الجسد ونجاته من الوباء  والمرض.. بل فى غفران الخطايا..  
 
صارت البركة لا فى عهد مختوم على لحم بشر، بل فى عهد مختوم على القلب بدم يسوع.. 
 
صارت البركة لا فى عهد سلامة الإنسان على الأرض، بل فى عهد بالروح القدس يربط الإنسان بالسماء!!!
 
إذن فليست البركة الآتية بالجسد والدم هى بركة على الأرض بقدر ما هى فى السماء.. فى المسيح يسوع: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" 
 
(أفسس 1: 3).. ليس كأننا قد فقدنا الأرض بالمسيح، بل لأننا قد ورثنا السماء على الأرض بالمسيح!!!
 
السيد المسيح لم يتألم ولم يمت على الصليب لكى يعيد إلينا بركات الأرض المفقودة جزئياً، بل ليعيد لنا بركات السماء التى فقدناها كلياً.. حتى لم تعد تراها عين، أو تسمع بها أذن، أو تخطر على قلب بشر.. 
 
لم يتألم ولم يمت على الصليب لكى يحصن الجسد البشرى ضد المرض وضد الوباء، وضد العدوى، وضد الضعف.. هذه جميعها أخضعها لقوانين الطبيعة.. وخالق الطبيعة لا يكسر قوانين الطبيعة.. بل ليفتح السماء للروح كى تحلق منزهة عن الخطايا التى بذل ذاته ليغفرها للبشر. 
 
وحينما أعطانا جسده ودمه فى الأفخارستيا وَهَبَنَاَ القوة والقدرة ومفتاح السر المخفى المؤدى لطريق الأقداس كى  نعبر به من العالم.. ليس بالخبز والخمر، بل بالجسد والدم فى صورة الخبز والخمر على عهد ملكى صادق (أى بالتحول السرائرى غير المنظور) إلى السماء.. إلى اللـه.. 
... ... 
 
فى قداس الأفخارستيا نصلى من أجل الهواء، والمطر، والزرع، والعشب، ونبات الحقل، والمياه، والينابيع، والأنهار، والجزائر، والكنائس، والأديرة، والملوك، والرؤساء، والشعب، ومداخلنا، ومخارجنا، وأمراضنا، ليباركها اللـه.. لا ببركة العهد القديم لتفيض وتكثر، بل ببركة العهد الجديد  للشركة مع اللـه.. لا لكى تملك أيدينا ونتسلط، بل لتتجلى فيها رحمته.. فى وفرتها وقلتها.. فى وجودها وعدمه.. فى تدبير اللـه ومشيئته نحونا "إذ يكون لنا الكفاف نزداد فى كل عمل صالح".. ففى بركة العهد الجديد تجلى اللـه ذاته فى شخص المسيح الأعظم.. فى جسد نورانى  ووجه يلمع كالشمس، لكى بهذا الجسد فى الأفخارستيا تتجلى الخليقة فينا (الخبز والخمر) ونتجلّى معها "ليحل روح قدسه علينا وعلى هذه القرابين"، وندخل فى حضرة اللـه، ونحيا فى ملكوته كعربون للعودة إليه فنحيا معه إلى الأبد.. والخليقة الجديدة لايخرج ناموسها المادى الطبيعى عن قوانين الطبيعة، بل تتحرر روحها بالأحرى من سلطان الخطية، كأفخارستيا التحول للمجد. 
 
وليدرك الجميع  أن عمل اللـه يسرى فى المؤمنين والكنيسة على ازدواج يقينى: فعمله الأول  ينقى ويطهر ويدين الأفكار والنيات والقلوب الخفية والأعمال الظاهرة والمخفية.. وعند الضرورة يوبخ وينذر.. بل ويؤدب ويقطع ويطرح خارجاً..
 
ومَثَلُ الكرمة والكرام الذى أعطاه يسوع لتلاميذه بعد تأسيس سر الأفخارستيا مباشرة، أى بعدما أعطاهم فأكلوا وشربوا من سر جسده ودمه، اختص أساساً بالتناول والمتناولين، إذ بعد العشاء قال لهم، بينما هم منصرفون عن المائدة: " أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ، كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ"  (يو 15: 1). 
 
قال ذلك مباشرة بعدما أكلوا جسده وشربوا دمه المتحولين سرائرياً من الخبز والخمر، مؤكداً أن هذا الاتحاد السرى به.. وهو الكرمة الحقيقية.. ليس صكاً نهائياً بالثبات فيه.. وليس يلغى طبيعة الجسد البشرى أو يغيرها أو يفسد فيها قانون الطبيعة الذى خلقه هو بذاته جل جلاله.. فهو يشرح بكل وضوح قانون الشركة الذى يجمع الكل فى المسيح بالأفخارستيا.. إذ كل عضو لا يأتى بثمر لن يتركه السيد عالة على الجسد كله.. 
 
وذلك ما أشار إليه بولس الرسول: "لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ" (1كو 11: 28 و29).. وذلك تأكيد أن الأفخارستيا لا تبطل أبداً طبيعة الإنسان ولا تقوض أبداً قوانين 
الطبيعة. 
 
تحطيم السذاجيات والإيمانيات المغلوطة 
هل يكون ذلك كافياً لكى يحطم السذاجيات المنتشرة بين الأكليروس والأقباط من نوع: "المسيح عندما لمس الأبرص شفاه، أم المسيح هو الذى أُصِيب بالعدوى".. هذا محض تخريف لا صلة له بالإيمان أبداً.. فيسوع الذى شفى الأبرص بكلمة قدرته كان يكرز بوجوده الفعلى على الأرض، بينما الخبز والخمر المتحولان سرائرياً يفعلان فعلهما الروحى كما أسسهما يسوع ذاته بعيداً عن أية تصورات مادية!!! 
 
ما تكشف بفضل "كورونا" فى الواقع هو فجيعة الإيمان السطحى المغلوط الذى يغرق فيه الأرثوذكس الأقباط من فرط التعبيرات الخطأ المُسَيَّلة تسييلاً عجيباً، والبعيدة كل البعد عن الإيمان الكتابى المعلن فى الإنجيل.. فهل تمزق القبطية الأرثوكسية إلى غير رجعة تلك الصياغات السائلة المُغَيِّبَة للإيمان، وتطرح بديلاً عنها صواب الحق الكتابى؟؟؟
 
التعليم الذى يتناقله الناس من البسطاء الذين يأخذون عن البابا فلان أو الأنبا علان أو القس ترتان أو الخادم فاكسان دون تفكير فى معقولية ما يقولون، أو مدى إيمانية ما يبثون، هو الذى يشيع بين الكثيرين الآن ويأخذون به من مسلمات الإيمان.. فماذا لو كان هذا التعليم فى جوهره بعيداً عن الحق الكتابى الذى أظهره لنا يسوع؟
 
هذا التعليم يتعين أن يفحصه الجميع الآن ويفتشوا فيه بمعيار كلمات يسوع ورسالته أولاً وقبل كل شئ، وليس بمعيار كليشيهات حفظوها، أو فهم مغلوط توارثوه، أو تفسير لا منطقى غيبى شعوذى يرددوه.. 
 
فى تجربة الجبل العتيدة بعدما صام صومه الجَسُور أربعين يوماً وأربعين ليلة جاءه الشيطان ليتسلى به ويوقعه، ظناً منه أن السيد الأعظم فى أقصى لحظات ضعفه.. وإذا به يحاول أن يضعه فى تَحدِّ مكير وهو معه أعلى جناح الهيكل بقوله: "... فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ. وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ"، لكن يسوع الذى رأى ذلك تطاولاً مريعاً وتجاوزاً لا نهائياً وبخه بحزم: " لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ" (متى 4 : 1 - 11). 
 
فأولئك الزاعمون بأن جسد الرب ودمه "سيطرد أى عدوى مهما تناول المرضى أو حاملو المرض من الميستير، ولن يمرض الأصحاء مهما تناولوا بعد تلامس المرضى بالميستير".. لن يرتدعوا عن حماقاتهم ومفترياتهم وإيمانهم المغلوط الساذج وبؤس اعتقادهم إلا أن يسمعوا صوت المسيح العظيم يجلجل: " إذهب يا شيطان لأنه مكتوب لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ"(متى 4 : 1 - 11).
 
كان يسوع مستطيعاً ببساطة أن يلقى بنفسه من وقفته على جناح الهيكل إلى الفضاء العريض كى يثبت للشيطان صدق المكتوب الإلهى فتأتى الملائكة وتحمله كى لا تصْدم بحجر رجله.. فهل فعل حقاً؟.. لو فَعَل لنجح الشيطان أن يشكك فى الوعد الإلهى ومواثيقه، ويسخر من اللـه – جل جلاله –إذ يجرجره إلى مصيدة إثبات صدق وعوده (حـاشــا).. لكن اللـه لا يتعامل هكذا أبداً مع جبلته وصنعة يديه.. 
 
وهذا عين ما يحدث مع الذين يزعمون أن الملعقة الواحدة ، أى الميستير، لو شرب منها أسراب الملوثين بالمرض والعدوى لن يمرض الأصحاء أبداً.. بل يتبارك الملوثون والمرضى وحاملو الفيروس فيشفون فى الحال.. ومنطقهم الذى يروجونه فى ذلك: أليسوا جميعهم فى حضرة جسد الرب ودمه الأقدسين؟.. أليسوا فى حضرة رب المجد ذاته وفى حضرة وعوده الأقدس؟ 
 
الحق أنهم هكذا يكونون كلهم سذج وكلهم بحماقة الشيطان وافتئاته.. لأنه ليس هكذا أبداً يضعون اللـه موضع الاختبار!!! 
...  ... 

عثرة الإيمان الكبرى
هم يكررون ما وقع فيه دقلديانوس تماماً...
 
تعثر دقلديانوس  فى إيمان كهذا فخرج عن مسيحيته وكفر وانتقم من المسيحية أبشع انتقام.. فكان أشرس إمبراطور رومانى أراد أن يسحق المسيحية سحقاً باضطهاد وحشى مروع لا مثيل له..  
 
نشأ دقلديانوس مسيحياً فاضلاً تتلمذ لأسقف أخميم ثم التحق بالجندية، وظل يتدرج فيها حتى تزوج إبنة الملك التى أورثته الملك وصار إمبراطور روما.. وفى صراعه مع الفرس أَسَرَ ولى عهد كسرى، وسلمه إلى أسقف المدينة قبل أن يخرج على رأس جيشه لإخماد ثورات اندلعت فى شمال أوربا، وعلم الفرس فى غيابه بوجود ولى عهدهم الأسير  فى أمان الأسقف، فقدموا للأسقف رشوة ليترك لهم الأسير، فَسَهَّلَ لهم سبل الخروج من البلاد.. وإذا بولى عهد كسرى يعود على رأس جيش لينتقم من الإمبراطورية الرومانية، فلاقاه دقلديانوس بجيشه وتم أسر ولى العهد مرة ثانية.. 
 
وإذا بدقلديانوس يتحقق من الأسقف عن الأسير فيكذب الأسقف خوفاً من الإمبراطور بأن الأسير قد مرض ومات وتم دفنه.. خرج دقلديانوس من الأسقفية مضطرباً بعد أن أقسم الأسقف بيسوع والجسد والدم الأقدسين أن ولى العهد مات مريضاً وتم دفنه!!! 
 
لكن دقلديانوس توجه مبكراً صباح الغد لحضور القداس بالكنيسة، وطلب من الأسقف أن يقسم على صحة ما قاله له لحظة حلول الروح القدس والاستحالة السرائرية للخبز والخمر إلى الجسد  والدم الأقدسين..
 
كان إيمان دقلديانوس  أنه لو أقسم الأسقف كذباً وبين يديه أفخارستيا الجسد والدم الأقدسين لابد أن اللـه يصعق الأسقف فى الحال لكذبه على اللـه مباشرة.. ولابد أن يسقط عليه غضب اللـه فوراً لأنه يكذب على اللـه فى حضرة اللـه  وبين يديه الجسد والدم الأقدسين.. 
 
لكن رئيس الكهنة أسقف المدينة الكذاب الأثيم وقف بين حرمة المكان المقدس ورهبة السرائر وجلال حلول اللـه الأقدس وأقسم بموت ولى عهد الفرس ودفنه.. 
 
انتظر دقلديانوس أن تسقط نار من سماء الهيكل لتلتهم الكذاب الأثيم، وقف حائراً منذهلاً يشخص بعينيه إلى قبة الهيكل منتظراً عقوبة السماء، وإذ لم ير شيئاً كما كان يؤمن فى الفعل الإلهى لجسد ودم يسوع الماثلين أمامه على المذبح بحضور الرب الجليل.. إذ لم ير شيئاً كما كان يؤمن ويفتكر، راح فأحضر ولى العهد الفارسى الأسير وواجه به الأسقف الذى بتفتيش داره وجدوا العملات الذهبية بصك فارس ولغتها.. فصب الذهب مصهوراً سائلاً فى فم الأسقف وكَفَر بإيمانه  المسيحى.. وانطلق يقتل المسيحيين بلا هوادة ويحرق كتبهم المقدسة وكنائسهم.. فأوقع بالمسيحية أشد الاضطهادات وحشية بين أباطرة الروم العشرة الذين أرادوا أن يبيدوا المسيح!!!
 
فإذا سألنا: أين الخطأ يكمن؟ 
 
هل يكمن فى الكذب والغش والتواء القلب والتدليس على المسيح الذى مارسه فى كل عصر وكل جيل العديد من القادة الدينيين؟ 
 
أم يكمن على الطرف الآخر فى إيمان دقلديانوس؟ 
 
لابد أن نجيب : بأن دقلديانوس فهم التحول السرائرى على نحو مادى صِرْف، وليس على نحوه الروحى غير المنظور.. 
 
نظر إلى الجسد والدم كأنه يرى يسوع الجالس على العرش ليدين المسكونة بالعدل، ويقتص فى التو واللحظة من كذب الأسقف وخداعه!! 
 
استهول أن يخشاه الأسقف فيكذب عليه وهو بشر.. بينما أمامه على المذبح جسد ودم حقيقى غير منظور للـه الظاهر فى الجسد لا يخشاه ويدلس عليه ويغش أمامه.. واللـه لا يحكم فى الحال بعدله فيؤدبه ويحرق كذبه ويفنيه بنار لاهوته المتقد!!!
 
كان إيمان دقلديانوس العاجز الكليل إيماناً مرتبطاً بالمادة لا بالروح.. تماماً كإيمان جميع الذين يفزعون الآن فى وجوهنا بأننا لا إيمان لنا وهم وحدهم أصحاب الإيمان القويم.. فلا يمكن وإيمانهم بهذه القوة أن يتراجعوا أمام فيروس يسحقه الجسد والدم القائمان لرب المجد من وراء الخبز والخمر على المذبح سحقاً.. 
 
وهؤلاء جميعاً أحرى بهم أن يستمعوا جيداً لصوت يسوع المجلجل عبر الدهور من أعلى حجاب الهيكل: "إذهب يا شيطان لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ".. 
 
جوهر الإيمان الحق 
الإيمان بالتحول السرائرى هو قبول واعتراف بصيرورة  الخبز والخمر إلى جسد المسيح  ودمه، دون أن يفقد الخبز طبيعته، ودون أن تفقد الخمر خصائصها، ودون أن يتهيأ لأحد – كما هو فى الخرافات التى يتداولها الأقباط – أنه قد مضغ فى فمه قطعة لحم أو بدلاً من أن يذوق الخمر ذاق الدم.. 
 
هذه الخزعبلات الخرافية لا تحدث أبداً مع  طقس  ملكى صادق كما أسسه المسيح للعهد الجديد خبزاً وخمراً فى الطبيعة والخصائص.. جسداً ودماً بالحلول الإلهى.. وإذ يبقى خبزاً وخمراً لا يكسر أبداً طبيعته المادية فى إمكان التعرض للأذى والعدوى والمرض، ولا يناقض الإيمان بالتحول السرائرى الأقدس فى الوقت ذاته..  
 
فجسده الحقيقى تعرض للأذى فى حياته.. بل للموت.. رغم أنه هو هو الذى شفى مرضى كثيرين ومنح الحياة للخليقة كلها.. 
 
وفى هذا الاعتبار يكون الإصرار على أن "التناول للجميع بميستير واحدة يضمن معجزة عدم انتقال الفيروس من متناول لآخر" نوعاً من المقامرة التى يرفضها رب المجد رفضاً قاطعاً..
 
وحين قامر أحدهم فى التاريخ المسيحى بيقين المعجزة هكذا – كما رأينا – خاب يقينه وصار مفجراً لأكثر الإضهادات وحشية منذ فجر التاريخ. 
 
كل معجزة حدثت فى التاريخ كانت معلقة بإرادة إلهية تحكم حدوثها ودورها وجدواها.. ويستطيع رب المجد أن يجرى معجزة عدم انتقال الفيروس بالمناولة من فم لفم.. لكنه لا يجرى ذلك بمقامرتنا وبؤس تصوراتنا.. وتهافت إيماننا.. فذلك بعيد كل البُعد عن الإيمان، لأنه بمثابة تحدِّ للإرادة الإلهية يرفضه اللـه.. وهو تحدِّ فعله الشيطان يوماً واندحر، "فَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ" (1 كو 10 : 9). 
 
إن السيد المسيح حين خاطب البشرية كلها فى شخص تلاميذه وهو يصنع الأفخارستيا.. وعدها "بالثبات فيه" و"بمغفرة الخطايا".. قدم جسده ودمه الأقدسين على وعد الشركة المقدسة للحياة الأبدية وغفران الخطايا، وعربون عدم الفساد وعدم الموت، وليس على وعد المناعة ضد الأمراض والعدوى، لأن الجسد محكوم أصلاً بقانون الطبيعة المادية المعرضة للآلام والمرض والموت، وذلك كله لا يمس الإيمان مطلقاً بسر الأفخارستيا وفاعليته السرائرية للخلاص الأبدى.. 
 
فليسقط إلى غير رجعة هذا التعليم الكليل الذى مزَّق أبناء الكنيسة الواحدة بزعم معرفة الإيمان الصحيح.. وهم فيه عاثرون.