بقلم الدكتور رؤوف هـندي

 فى "عيد الحب"، تحولت صفحات السوشيال ميديا، لمحلات قلوب وورود، مع تداول الأغانى العاطفية وكتابة التهانى فى أجواء مليئة بالبهجة والسعادة والتي في أغلبها مصطنعا ورسائل خفيّة ومعلنة بين العشاق أو من في علاقات إلكترونية كالشات مثلا ومع تلك المشاعر الخادعة في معظمها لستث أدري لماذا تذكرتُ قول العبقري إينشتاين حين قال :" اخاف من اليوم الذي تتفوق فيه التكنولوجياعلى التفاعل والترابط الإنساني والرومانسي وحينها سيتحول العالم إلي جيلٍ واجيالٍ من الحمقى منعدمي الإحساس " ومع ثورة السوشيل ميديا الشرسة تغيرت تقريبا كل معالم الاحاسيس والرقة والرومانسية بل لاأبالغ إذا قلت أننا تخطينا مرحلة " زمن القبح" ونعيش الآن في عصر " السوبر قبح" حيث تقريبا تلاشت وزالت كل معاني الحُب الذي عرفه عشاق الزمان على مر العصور والأزمان ذلك الحب الذي تغني به الشعراء وعاش قصصه الخالدة السامية ملايين من العشاق فكان نهر الحب يجري في العروق والاحاسيس وكانت إيزيس وأزوريس اسطورة العشق الأولي في تاريخ البشرية وكانت نوال في اسطورة العشق الخالدة " نهر الحب" " إن أرادوا حياة فليفسحوا في قلوبهم مجري من نهر الحب" .
 
والحب في زمن الحب الحقيقي كان أسمى المشاعر الإنسانيـة وإذا حُـرمِتْ نفس من فيوضات الحب أظلمت وماتت وقد يكون الحب هو الشيء الذي لايجعـل الحياة تـدور ولكن الحب هو الشيء الذي يجعل الحياة تستحق أن نحييـاها والحب احتار في تفسيره الفلاسفة والمفكرون وعشاق الزمان فله صور واحاسيس مختلفة ومتعددة هو إحساس داخلي فطري في داخلنا ينمو ويعلن عن نفسه إذا واتته الظروف وهو ينبع دائما من داخل النفس البشرية هو تعلّق روح بروح وتـناغم نفس بنفس دون النظر لجمال جسد أوعيوب عاشق ومعشوق وإن لم تعشق عيوب من تحب فأنت لم تعشق ولم تحب أبدا ويقترن  بالحب احاسيس ومعـانٍ عديدة تشكّل دوما كل فصول قصص الحب بكل معانيه ولـذته وفرحه واحزانه وسهده وشجنه ولم يكن هناك عصر من العصور وإلا كان للحب فيها أعلامٌ وأبطالٌ ورموزٌب مقامات شتّى وصور عِدة وقبل ظهور الحب الإلكتروني تغنّت كوكب الشرق بأجمل وأروع  وأسمى معاني الحب  فشدت في رائعتها ليلي ونهاري( الحب هو الود والحنيّة عمره ماكان غيره وظنون وأسيه.. الحب هواللي بامره هويتك وعمره لابإيدك ولا بأديا ..بالحب وحده إنت غالي عليا وبالحب وحده إنت ضيّ عنيا ) فـبهذه الكلمات التي أبدعها الشاعر عبد الفتاح مصطفى أضاف أبعادا في غاية الرقة والإحساس لمعنى الحب وصفاته وأعماقه ولكن في رأيي يـبقى الشاعر الرقيق جدا مرسي جميل عزيز في رائعته ألف ليلة وليلة متفردا في وصف إحساس الحب بكل ماتحمله الكلمة من معان فقد جمع في وصف الحب كل المعاني التي تخطر ولا تخطر على بال عاشق أو محب بإحساس متفرد وكلمات تنفذ إلى القلب والوجدان والأعماق ( الحب عمره ماجـرح ولا عمره بستانه طرح غير الهنا وغـير الفرح..كلمة الحب اللي بيها تملك الدنيا ومافيها..واللي تـفتح كـنوز الدنيا ديه .. قولها ليا قولها للطيرللـشجرلـلناس لكل الدنيا قول الحب نعـمه مِش خـطيه الله محـبة الخير محـبة النور مـحبة) والسؤال إين تلك المعاني الخالدة مما نراه في زمن حب السوشيل ميديا أو زمن الشات الكاذب الخادع نعم قد تبدل الزمن وتغيرت معه الاحاسيس بل وتبدلت معه نظرة العشق والحب فلم تعد للمعاني السامية موضع الآن بل بات الحب قرار والكُره قرار والمصالح تتصالح  فأصبحنا نسمع عن قصص  يسمونها حُب وعلاقات في زمن السوشيل ميديا يكاد العقل لايصدقها نرى أرق وأعذب الكلمات بين أتنين في الشات وكلاهما يقول نفس الكلام لآخرين وربما في نفس الوقت وهنا قمة المأساة وكثيرون يفضلون الحب من خلال  المحادثات الكلامية  "الشات" ربما لانه لايفضح ملامحنا ولاتكشف كذب أعيننا ومشاعرنا التي نوزعها على الآخرين في صور ورسائل عدة وهذا هو الحب الإلكتروني الذي تقريبا قتل كل معاني الحب الخالد والعشق السرمدي  الذي تغني بها عشاق الزمان وباتت تلك العلاقات كيانات هشه باردة لاتماسك فيها ولا اخلاق احيانا ومنذ ان صار الحب إلكترونيا أصبحت جميع العلاقات تنتهي ب حظر أو حـذف واحيانا لايكات زرقاء أو لايك بقلب احمر لزوم رسالة ما أو مصلحة ما بين الطرفين وهذا للأسف هو الحب الإلكتروني الذي صنع نوعا من التقارب الوهمي أو مشاعر من عالم افتراضي غير حقيقيي فمتي نعود الحب قيمته وقدسيته ؟ متى يعود الحب الحقيقي الذي يكرّس لمشاعر السمو والصدق والذي قال عنه جلال الدين بن الرومي "لاتكن بلا حُب كي لاتشعر بأنك ميْتْ .. مـُتْ في الحب وابـقَ حيا للأبد " فأين نحن من هذا السموّ ومانراه من عشاق جمالات كـفته ومولـد سيدي العريان !!؟ مأساة أن تتدنى معاني العشق والحب لمنحدر الكذب والسطحية والتفاهة