نشوى الحوفى
حينما قرأت، منذ أيام، عن اعترافات «الحوينى» بأن غواية الشهرة والإعجاب كانت السبب وراء اندفاعه بالفتوى الخاطئة غير المرتكزة على الفهم الصحيح للدين، تذكرت على الفور المرة الأولى التى استمعت فيها للرجل فى مطلع العام 2000 حينما استقللت «تاكسى» من أحد شوارع القاهرة، وحديثه الذى أفزعنى وأشعرنى بالضيق من هذا الفهم الجاهل للدين الذى ينشرونه بين الناس غير الواعية.

وبغضّ النظر عن رداءة الأسلوب والصوت والأداء لذلك الحوينى يومها عبر الكاسيت بالسيارة، إلا أن الأزمة كانت فيما يبث من أنك إن قمت للسلام على أى شخص فى مجلسك فقد أدخلت الكبر فى نفسه! صُعقت وأنا أسمع ذلك الدجل المتمسح فى عقيدة بُعث نبيها صلوات ربى وسلامه عليه لإتمام مكارم الأخلاق. وما زاد من انفعالى كان استحسان السائق للكلام وقوله: «يا سلام، هما دول الناس اللى فاهمة الدين اللى احنا جهلة فيه. ده الشيخ العلامة أبوإسحق الحوينى يا مدام.. تعرفيه؟!»، فقلت للرجل وأنا أحاول إخفاء غضبى: «ومين قال إنه علامة؟ تفتكر إن الكبر حيدخل قلبك لو قام جوز اختك يسلم عليك؟ طيب لو أهمل السلام والترحيب بيك وانت فى بيته حتحس بإيه؟ بلاش.. لو والدتك دخلت على مراتك فى بيتكم، فمراتك من باب التدين الحوينى رفضت تقوم لمامتك عشان ما تدخلش الكبر فى نفسها، حتعمل إيه ساعتها»؟». يومها لم يجد الرجل جواباً غير دفاع متحيز: «أهو اللى بتقوليه ده اللى اتعودنا عليه وطلع مش من الدين»! فواصلت حديثى بأن ما يقوله هذا الجاهل هو تطبيق لثقافة البداوة والصحراء لا لقواعد الدين. ليتوقف الرجل بالتاكسى ويصر على إنهاء الرحلة!

أدركت منذ سنوات تماس تلك الوجوه مع مسارات نشر الجهل والعنف عمداً باسم الدين، وبخاصة من «السلفية» أحد ملامح وهابية أنفقت عليها السعودية مليارات لنشرها فى عالمنا وفقاً لمطالب الغرب، كما صرح ولى العهد السعودى للإعلام الأمريكى فى مارس 2018، وقت زيارته لواشنطن، رداً على سؤال حول تحول المملكة عن التشدد؟! وهو أمر طبيعى، فما فعله ونشره كل تجار الدين لا يتماشى وسماحة العقيدة المتممة للإسلام، ولكنه يخدم من يريد هدم الدين بإظهار العنف والتشدد والجهل فيه.

لم يكن اعتذار الحوينى هو الأول، فقد سبقه عائض القرنى، مفتى التشدد والجهاد السعودى، الذى خرج على شاشات التليفزيون معتذراً للمجتمع السعودى عن التشدد أو الأخطاء التى خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيَّقت على الناس، وكيف أنه مع «الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الذى نادى به الأمير محمد بن سلمان»! وبغضّ النظر عن أن التصريح لم يخلُ من ممالأة للحكم فى المملكة، إلا أنه مثّل صدمة لمن كانوا يعتبرون الشيخ وأمثاله قبلة الإسلام. حتى وإن زاد فى صدمتهم بإعلان أن التمويل كان قطرياً فقط! ولكن القرنى لم يكن نهاية الخيط بل بدايته والبقية تتوالى طالما أن التمويل سيتوقف والقبلة ستتحول وتتغير. وهى لعبة علينا فهمها، وبخاصة فى ظل غياب المتحدث السياسى للسلفية وطفلهم النابغة نادر بكار الذى ذهب لدراسة مجانية -رغم تواضع علمه- فى هارفارد أغلى جامعات أمريكا فى العام 2016!

بمعنى أن ما يحدث ليس بتراجع ولكنه خطوة للوراء يسميها البعض مراجعات وهذا افتراء تبين كذبه على منصة رابعة لما شاهدنا قائد المراجعات فى مقتل السادات طارق الزمر يصرخ قبل 30 يونيو: «اسحقوهم»، كما أنه ليس بتوبة، فلو كانت توبة لكان أولى الناس بالاعتبار بها حاتم الحوينى ابن التائب. ما يحدث يتماشى وتغيير المستثمر لوجهة استثماره التى لن تختلف عن سابقتها وإن عاكستها فى المسار، فقط على حسب القرش... فهل من محاسب لهم؟
نقلا عن الوطن