نشوى الحوفى
اعتبرت أن عقد الأزهر لمؤتمر حمل عنوان «التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية» خطوة مهمة دائماً ما تمنيتها لحمايتنا دنيوياً ودينياً. ولكن جاءت مشاركة دكتور محمد عثمان الخشت وتعليق الدكتور أحمد الطيب عليه، لينبئا بأزمة فكر فى مجتمعنا. وهى أزمة تستحق التوقف لا لنصرة طرف على آخر، فكلاهما باحث فى تخصصه يجتهد ويصيب ويخطئ، ولكن لفهم أزمة ثقافة الحوار وتجديد الفكر الذى نحتاجه بحق.

محمد عثمان الخشت، أستاذ فى الفلسفة الإسلامية ورئيس جامعة القاهرة، اختلفت معه فى قضايا شتى من قبل عبرت عنها فى مقالات، ولكن حملت كلمته وجهة نظر قد تختلف وتتفق معها. اختلفت معه فى توصيفه التراث ببيت الأجداد الواجب هجره وسكن غيره، فالتوصيف غير ملائم فالتراث يُنقح ويطور يؤخذ منه ولا يُهجر كله. واختلفت حين وصف كتاب الموطأ للإمام مالك بأنه أصدق كتاب بعد كتاب الله، وعقلى يرفض الأحكام المطلقة، فلا حقيقة أو كمال نهائى فى فعل بشرى. ولكننى اتفقت معه فى إعادة النظر فى أحاديث الآحاد، وإعمال العقل وتطوير الخطاب الذى نحيا عليه منذ سنوات بشكل بات لا يناسب عصرنا بل سبب الأزمات.

شيخ الأزهر أستاذ عقيدة إسلامية ورئيس أسبق لجامعة الأزهر، اختلفت معه أيضاً فى قضايا شتى كتبتها فى مقالات كحكم قتل المرتد وضرب النساء. واتفقت معه فى رفض تكفير الدواعش وميليشيات السلاح لأن دينهم يحكم الله فيه، بينما فعلهم إجرامى يحاكم عليه القانون. ولكننى فوجئت بردة فعله فى المؤتمر التى خالفت السبب فى عقده. فكان رده على «الخشت» بخطاب شعبوى يسعد أنصاره وليس رداً علمياً على ما طُرح.

وبعيداً عن استهلالة شيخ الأزهر التى حملت التقريظ المهين للخشت بوصف كلمته بأنها ارتجالية غير معدة، فإننى أتوقف أمام مقولة الشيخ إن أحكام الدين بها ثوابت لا تتغير. وهذا حق يطال مفهوم قضايا العقيدة والإيمان بالله، ولكن هناك من الأحكام ما تغير. ألم يوقف عمر بن الخطاب بند المؤلفة قلوبهم فى الصدقات بعد عامين من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ألم يوقف حد السرقة فى عام المجاعة؟ ألم نمنع ونجرم التعامل فى العبيد وباتت اتجاراً بالبشر، رغم ورودها بالقرآن؟

ثم كان القول إن الأزمة الحالية ليست أزمة تراث ولكنها أزمة سياسة، وأوافقه وأختلف معه. فهى أزمة سياسية قائمة على فهم خاطئ للتراث، كما أنها ليست أزمة حالية بل قديمة بدأت مع رفع المصاحف على أسنة الرماح ليفسر كل فريق من المتقاتلين الدين وفق هواه ويكتب أنصار كل طرف ما يؤيد موقفه. الأزمة منذ بدايتها سياسية يا مولانا منذ عهد عثمان بن عفان.

ثم كان إعلان الشيخ الطيب شعوره بالخزى لمشاهدته «ترامب» وإسرائيل يخططون لنا، وأنا معه أشعر بذات الهم والحزن على خيبتنا. ولكن مَن السبب فى تلك الخيبة يا مولانا سيطرة السياسة أم إغفال العقل والعلم الذى استكان لأفكار الخلافة الإسلامية العثمانية وما تلاها من أفكار الإخوان والسلفيين والوهابية واعتبار أمور العلم بدعة؟ مَن منحهم التفوق فى إنتاج السلاح والدواء والتكنولوجيا؟ أليس استعمار الفكر والأرض والموارد واستكانة شعوبنا لمن رددوا بحرمة الاقتراب من التراث؟ لا فارق بين «ترامب» وبين سليم الأول يا مولانا؟ فكلاهما احتلال قديم يتجدد باسم الدين.

ثم كان القول: ابحثوا عن مشكلة أخرى لتخلفكم ودعوا التراث فى حاله! وتلك مأساة الجميع، فالبعض يرى التراث مفسدة علينا هجره، والبعض الآخر يرى التراث خطاً أحمر لا مساس به. لنتوه وننقسم بين تراث يحتاج المراجعة وأنصار الإمام الأكبر. بينما التراث اجتهاد بشرى يتطور، والأكبر لا يحتكر الحقيقة.

وللحديث بقية..
نقلا عن الوطن