د. عاطف باخوم
في العالم الموحش المظلم اللي انا عايشين فيه ده، تظهر جدا قيمة التعاطف الانساني في كل صوره...في زمن زادت فيه وحدة المكان و وحدة الانس بالناس، بقي الوقت اللي بيقدمه اللي قدامك لك علشان اولا يسمعك و ثانيا، يتعاطف معاك و ثالثا، بطولة بال يحاول يلاقي معاك حل للمشكلة او المصيبة، كلها عملات صعبة - الوقت اللي بيمر مش هيتعوض تاني و بالتالي بيتحسب من العمر، اما المشاعر و طولة البال فهي نبع ميه بيتجدد و ان كانت و هي صادقة و متاحة، بقت شحيحة جدا...

العناق (اللي الناس بتقول عليه حضن) حتي يقوللك وقع علي عنقه مش يعني وقع عنقه اتكسر، لأ عانقه...فتلاقي العناق ده مهم من وقت الولادة: فتلامس جلد الام بالذات مع جلد الجنين - مع النفس و حركة التنفس و ريحة الام المميزة، كل ده بيخلق روابط بين المولود و الام و يطلع المولود حاسس بالامان و الحب...دول حتي صوروا دماغ الام و الجنين وقت العناق و شافوا الهرمونات المشتركة بالالوان اللي بتتفرز في الوقت ده...و ده مش مقصور بس علي البشر، و لا القردة العليا اللي بعده في الذكاء زي الشامبانزي و الغوريللا، و لا القرود و الكلاب و القطط، بل بيمتد للطيور - اللي بترقد علي فراخها زي الحمام مثلا او تشيلهم علي ظهرها و هي بتعوم زي الوز، و الزواحف زي التماسيح برضه اللي بتشيل عيالها علي ظهرها و هي بتعوم و السمكة اللي تشيل عيالها المواليد الجديدة في بؤها في الميه...اهو كله نوع من التلامس الجسدي اللي فيه حماية و احتواء...

و فيه تلامس بين فصيلة و فصيلة...شوفت مؤخرا افلام علمية عن ان الفراخ و التماسيح بقت بتجري علي البشر عشان يطبطبوا عليهم...لا بل ان موضوع التلامس ده وصل للسمك: غطاسين اتصوروا بيطبطبوا علي سمك قرش متوحش في المحيط، و سمك زينة يقرب من الصيادين عشان يطبطبوا علي ظهره - حتي السمك اللي يقوللك عليه ذو دم بارد (درجة حرارة اقل) فهم بالغريزة ان الطبطبة دي حاجة لذيذة!...الظاهر بالذات في المحن الحتة دي بتظهر: حديثا في حرايق استراليا اللي مولعة هناك، الناس بتتناقل افلام عن حيوانات زي دب الكوالا و الكنغر بيحضنوا و بيتعلقوا في رجلين الناس اللي انقذوهم!...و حكايات الوفاء من الحيوانات للبشر مش بتخلص: مثلا بطريق يعوم كام الف كيلو كل سنة علشان يرجع يشوف الراجل اللي انقذه من عشر سنين عشان يطبطب عليه و يحضنه، او اخطبوط يرجع تاني يوم للناس اللي انقذوه علي شاطيء ما يقوللهم شكرا، غزلان يدخلوا بيوت ناس و يلبدوا طول الشتا في الجنينة ورا، ياكلوا من ايديهم لغاية ما موسم الشتا يعدي...ابويا الله يرحمه قاللي انه في شبابه كان مربي تعبان كبير و كان شايلله انيابه اللي فيها سم و كان التعبان بيقعد ساكت حوالين رقبته و ظهره...و هكذا و هكذا...

و في كتاب جاري تشابمان الللي كسر الدنيا من اوائل التسعينات "لغات الحب الخمسة"، تلاقي ان لغة الكلام الحلو، و التلامس، و الهدايا، و تكريس الوقت الغالي، و الخدمات، هي لغات بتقرب بين البشر و كلها متساوية في القوة... بس الشطارة اللي يقدر يوصل مفهوم الاحتواء و الضم للطرف التاني كأنه بيتعلم لغة جديدة عن لغته الخاصة...و الست فيروز في الستينات في قصيدة "جارة الوادي" بتقول: ".....لم ادر طيب العناق علي الهوي، حتي ترفق ساعدي فطواكي..."...و الادب و الفلكلور الشرقي الدافي مليان امثلة... و بعد كل ده نسمع عن آباء و امهات جافين ماقدموش عناق و حضن لأولادهم و يطلع العيال محرومين حنية و حب و متكلكعين، مع ان الحل سهل قوي!...باقول كده و انا القطة المشمشية اللي علي مدخل بيتنا مابطلتش تكعبلني و تتمسح فيا كل ليلة و انا طالع البيت متأخر...كمان فيه اماكن شعبية كده تاخدك في حضنها و تضمك يا اخي...حرفيا...يقوللك مكان ريحه خفيفة...يقوللك قرف و اعتاب...اللي الخواجات يقولوا عليه

warm and cozy

ماتعرفش بقي، هل هو الهوا و للا المباني و للا الديكور و اللا الاضاءة و للا الاصوات و للا الناس و للا الاكل و للا الروايح...و للا كل ده علي بعض؟...اهو ونس...ونس و دفا و خلاص!

فإن كانت البسمة في وجه اخيك صدقة و ان كان فيه حاجة اسمها ألفة و مودة و رحمة و ان كنت بالكلام الحلو الطيب المخلص المشجع تقدر تضم اللي قدامك و يفضل الكلام معاه لحياته كلها...او حتي تنقذه من اليأس المؤدي للانتحار اللي اصبح ظاهرة - ممكن انت تكون انت آخر شعرة رابطاه بالعالم ده، قوللي كده بقي: إمتي آخر مرة ضميت حد؟ طب آخر مرة ضميت حاجة؟...يعجبني كلام الحكيم العجوز اللي قال: "اللي ما تقدرش تضمه بنفسك، ضمه بصلواتك!"

#قصاقيص_سنكحة_شعبية_عاطف_باخوم