يبدو أن استراتيجية الهرب من أزماته الداخلية للخارج أصبحت استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كلما مر بأزمة داخلية في بلاده حاول الخروج منها عن طريق اتخاذه تحركات دولية واسعة من شأنها تقديم نفسه من جديد للشعب الأمريكي، وللفئة التي انتخبته تحديدا.

 
فبعد موجات شديدة تلقاها ترامب منذ أن دخل البيت الأبيض جاءت قضية كبيرة وهي محاكمة عزله، التي قد تخرجه من البيت الأبيض، أو قد تؤثر على فرصه في الحصول على فترة رئاسية جديدة، ولكن ترامب، وكما اعتاد طيلة 3 سنوات في حكم أمريكا، قفز من أزمته الداخلية إلى الخارج، بعد إعلانه أمس عن بنود خطته للسلام في الشرق الأوسط، لحل النزاع العربي الإسرائيلي الممتد منذ عشرات السنين، لتخرج للعلن بعد شهور طويلة من النقاش والتكهنات.
 
خطة ترامب للسلام جاءت في الوقت الذي يشهد فيه هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو أوضاعا داخلية صعبة، تهدد بقائهما في المنصب، حيث يواجه ترامب احتمالية عزله، بسبب اتهامه بسوء استخدام السلطة، بينما سيخوض نتنياهو سباق الانتخابات العامة في مارس المقبل، لاختيار رئيس وزراء إسرائيل، بعد أن فشل مرتين في تشكيل حكومة، وبالتالي ينظر محللون لخطة ترامب للسلام باعتبارها دعاية سياسية وانتخابية تصب في مصلحة الطرفين، لكسب تأييد شعبيهما.
 
في هذا التقرير نستعرض المواقف المشابهة من أزمات داخلية كبرى كلما عصفت بترامب واجهها بقرارات دولية قوية.
 
* بناء الجدار العازل مع المكسيك VS تمويل روسيا لحملة ترامب الرئاسية
 
في 2017، واجه ترامب اتهامات خلال التحقيق الذي أطلقته وزارة العدل الأمريكية، برئاسة المحقق مولر، تتعلق بمدى صحة مزاعم تلقيه أموال من روسيا لحملته الانتخابية في عام 2016، واحتمالية أن يكون قد عرقل سير العدالة بالتأثير على التحقيق، لكن عدم توجيه المحقق مولر أي إدعاءات علنية جديدة ضد ترامب، جعل ذلك ورقة رابحة في يد الرئيس والجمهوريين، الذين أخذوا في تكثيف جهودهم لإقناع الجميع بأن الرئيس معفي من ارتكاب أية مخالفات.
 
القضية التي عرفت باسم "التمويلات الروسية" كان لها صدى واسعا في المجتمع الأمريكي، كونها تتعلق بالنفوذ الروسي، وساندها الديموقراطيون ذوي الأغلبية البرلمانية المعارضة لترامب.
 
خلال سير التحقيقات، كانت الولايات المتحدة تعيش أجواء متوترة على الحدود مع جارتها المكسيك منذ أعوام؛ بسبب الهجرة غير الشرعية من الشباب، والأطفال من دون ذويهم، والتي ازدادت بشكل كبير هذا العام هربا من الأوضاع الاقتصادية، لتقوم السلطات الأمريكية بالتحفظ عليهم في الملاجئ المخصصة لهم أو في المستشفيات.
 
لذا قرر ترامب تغيير قانون الهجرة الأمريكية، مطالبا النواب الديمقراطيين بالموافقة على التعديلات، بالإضافة لبنائه جدارا فاصلا على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وتهديدها برفع التعريفات الجمركية، وإغلاق الحدود تمامًا معها ما لم تقدم حكومتها المساعدة للولايات المتحدة في مكافحة الهجرة.
 
* القدس عاصمة لإسرائيل VS تقرير مولر
 
في مارس الماضي، سلم المحقق مولر تقريره النهائي للمدعي العام الأمريكي ويليام بار، والذي حوى اتهامات تتعلق بعائلة ترامب، بالإضافة إلى تهم جنائية ضد بعض المقربين له، بينما لم يوجه مولر أي ادعاءات علنية جديدة ضد الرئيس، غير التي تم الإعلان عنها سابقا.
 
خلال ذلك قدم الرئيس الأمريكي وثيقة اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسط تنديد عالمي ورفض عربي، كونها جاءت أحادية، وذلك قبل أن تنتهي القضية من دون توجيه إدانات واضحة ضده، كانت من شأنها أن تطيح به في حال ثبوتها. 
 
واعتبر محللون أن ذلك بمثابة بسط لسيادة أمريكا في الشرق الأوسط، بما يدعم صورة ترامب أمام الرأي العام الأمريكي، وخلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2020.
 
* اغتيال سليماني والبغدادي VS اتهامات باستغلال السلطة
 
في أكتوبر الماضي، اتهم النواب الديمقراطيون ترامب في قضية جديدة تتعلق بتسريب مكالمته مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، واجه بسببها اتهامات بحَث زيلينسكي على فتح تحقيق ضد نجل منافسه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، جو بايدن، الذي كانت له مصالح تجارية في أوكرانيا.
 
بعدها أطلقت زعيمة الديمقراطيين في البرلمان، نانسي بيلوسي، تحقيقا رسميا ضد الرئيس، وبدأت الإجراءات البرلمانية لعزله، فيما كان يرى ترامب أن المكالمة كانت طبيعية وأنه ينبغي على الديمقراطيين الاعتذار؛ لأنهم يريدون عزله منذ توليه الحكم، على حد قوله.
 
حاول ترامب تهدئة الرأي العام ضده، باغتيال أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش"، التنظيم الأخطر حول العالم، وذلك خلال غارة أمريكية لفرقة من القوات الخاصة نفذت عملية إنزال برية ليلية في محافظة إدلب شمالي سوريا، وذلك بمساعدة من المخابرات العراقية، التي لعبت دورًا كبيرًا في مطاردة البغدادي والإيقاع به، عن طريق تجنيد مساعده إسماعيل العيثاوي، المحبوس في العراق منذ 2013، الذي قدم معلومات قيمة عن مكانه ما ساهم في الإيقاع به.
 
ليس هذا فقط، بل اتخذ ترامب قراره بتصفية الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، رجل إيران الأول في الشرق الأوسط، في غارة أمريكية نُفذت بالقرب من مطار بغداد الدولي، مطلع يناير الجاري، في ضربة قوية للنفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط.
 
* خطة السلام VS إجراءات العزل
 
أعلن ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط، مساء الثلاثاء، برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، وذلك بالتزامن مع محاكمته التي قد تؤدي لعزله المنعقدة في مجلس الشيوخ، والمتهم فيها بشبهة فساد وسوء استغلال السلطة.
 
نصت خطة ترامب على أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن إسرائيل ملزمة قانونيًا بمنح الفلسطينيين 100% من المناطق المحتلة عام 1967، وأن هذا الأمر يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 242، وطرحه سيكون بمثابة حل منطقي يمنح الفلسطينيين منطقة توازي التي كانت لهم قبل عام 1967، ولكن مع تبادل للأراضي، وفقا لما نقلته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا".
 
ويرى الكثير من المحللين أن خطة ترامب جاءت على طبق من فضة لنتنياهو الذي يسعى للفوز في الانتخابات العامة، المقررة في مارس المقبل، ليصبح رئيسا لوزراء إسرائيل، فمن المتوقع أن تسهم الخطة في رفع شعبيته، وبالتالي يحقق الفوز بالأغلبية، لرئاسة الحكومة مرة أخرى، وهو الملجأ الوحيد الذي يمكن أن يجنبه المحاكمة في قضايا فساد.