أمينة خيري
الخلطة السحرية رهيبة. ولأنها سحرية، فإن تفنيط مكوناتها وتفنيد قواعدها أمر بالغ الصعوبة. ولأنها خلطة، فإن كلمة السر غالباً تبقى فى بطن الخالط الأزل. وخلطة الدين بالسياسة خلطة سحرية، أحياناً يكون لها مفعول السحر- بمعناه الإيجابى- فتمهد الطريق وتسهل الأمور وتيسر المصالح، لكن كثيرًا ما يتحول السحر إلى عمل أسود وغبار قاتم، فيهلك ويدمر ويخرب ويفتت دون أن يصيب الخلطة نفسها ضرر أو سوء. وهذا ما جرى فى مصر على مدار ما يزيد على نصف قرن. قرر «أحدهم» أن يوحلنا فى غياهب الإسلام السياسى. فهو أداة طيعة نافذة خارقة. يسهل الحكم بها، فلو خرج عليك أحدهم معارضًا فيسهل وصمه بمعارضة «مندوب الله». كما أن الأدمغة الصانعة للإسلام السياسى أول المتبرعين فى صفوف انتظار القفز على السلطة واقتناص السيطرة، ومن ثم يسهل استخدام هذا الفكر فى تطبيق مبدأ «فرق تسد».

كما أن الإسلام السياسى الذى خطت مصر أولى خطواته فى سبعينيات القرن الماضى يأتى بشهادة ضمان تضمن جودة الأداء وحنكته ونفاذه لعدد من السنوات. ومع هبوب رياح التديين من أكثر من جهة عبر الحدود، وحركة السفر من وإلى والعمل فى دول ظلت عقودًا طويلة غارقة فى التشدد الدينى وهيمنة مفسرى الدين الباقين عليه وعلى متبعيه داخل حدود العصور الوسطى، أطبق الإسلام السياسى الذى فرد أجنحته على مصر والمصريين ليصبح «إسلاما اجتماعيا» و«إسلاما أسريا» و«إسلاما تعليميا» و«إسلاما ترفيهيا» و«إسلاما طبيا» و«إسلاما غذائيا» و«إسلاما جنسيا» و«إسلام دخول الحمام» و«إسلام النساء» إلى آخر القائمة التى نعيشها بتفاصيلها وحذافيرها حتى يومنا هذا. وفى يومنا هذا، وبعد ما جرى فى مصر على مدار سنوات تسع مضت، كان أبرز ما فيها قدراتها الكشفية، حيث تعرية الوجود وكشف القلوب وفضح العقول، مازلنا نغوص ونغرق ونهوى فى أغوار الخلطة السحرية. وفى يومنا هذا، وبعد صحوة 30 يونيو 2013 التى قالت بـ«الفم المليان» إنه مازال هناك مصريون قادرون على الاستفاقة من غيبوبة الخلطة السحرية التى أتت بجماعة إرهابية فوقية إلى حكم مصر، مازلنا غير قادرين على حسم أمرنا.

أمرنا مثير للعجب والغضب. المؤشر العالمى للفتوى التابع لدار الإفتاء يدق بشدة فى عقر السياسة. صحيح أنه يذكرنا بفتوى القرضاوى أن انتخاب مرسى يرضى الله، ومن لا يختاره فهو آثم، لكن التذكرة كان ينبغى أن تصدر عن جهة مدنية سياسية إعلامية. لا يصح أن نستخدم السلاح نفسه ثم نطالب بمنعه. كلمة أخيرة: «التجديد فى الفكر الإسلامى» عنوان هائل. لكن هل ننتظر أن يجدد من يعارض التجديد؟ وهل يُحَدِّث من يعتبر التحديث خروجًا على الدين؟ وهل من المنطقى أن نتوقع أن تتنازل جهة ما طواعية عن سلطة مكتسبة وهيمنة منبسطة لصالح العقل والمنطق والحياة؟!.
نقلا عن المصرى اليوم