سحر الجعارة

1- طنطا، نهاية الثمانينات:
شارع مفعم بالحياة.. وشرفة مشرعة للحب.

يقفز شعر الصبية، يمد حبلاً وهمياً للعشاق.. هل كان فارسها يشبه «روميو»؟.. ربما.

لكن أوتار قيثارته أجبن من أحلامها.. لا أحد يجرؤ على خطبتها.. ولا أحد يفلت من سحرها.

الأسوار عالية: عذوبتها تؤكد ملوحة البحيرة.. ثروتها تهدد فحولة الشباب..

عنيدة، ذكية، عصية.. مجنونة إلى حد ما!!

وكأنها إلهة «العجز».. تتجسد ليركع العبد، حمداً لنجاته من لعنة الغرام.

ورثت عن أمها بشرتها البيضاء.. وسيجارة تشتعل غضباً، إذا سمعت كلمة «لا»!.

قاموسها خالٍ من عبارات الرفض.. لا تعرف الأوامر والنواهى مثل كل البنات.

المناخ هنا مختلف، المجتمع أضيق من المسافة بين الحلال والحرام.

متسامح.. ومتناقض.. يحمل «ضغينة ما» للنساء.

ضد فتنة الجسد والمال.. بقدر هوسه بشياطين الجنس.. ومعجزات المال.

إنها التفاحة المحرمة.. رمز الغواية.. مهرة بدون لجام.. أو خيّال.

حين سكنت حيوية الشارع، على مشارف الفجر.. أطلق الكروان النداء:

(الملك لك.. لا شريك لك).

استيقظ الحى، فإذا بالصبية خنقت أنوثتها بـ«الحجاب»!!.

قرار لم يستغرق لحظة.. تحايل الأب ليصطحبها لأداء العمرة.

على سلم الطائرة، همست لشقيقتها: العين تزنى!!.. قاومت وسامة (الكابتن).

2 - كلية الآداب:
يبدو الحجاب غريباً.. لافتاً للنظر.. الوجه بهى دون مساحيق..

فيه براءة العمر، الذى أفسدته زينتها.

النهد استرد الحياء.. استكان، ودع ثورة «نزار».. تراجعت دواوين الشعر والروايات..

قفزت «أشباح وأرواح» لصدر المكتبة.. الصبية مبهورة: «الإنسان روح لا جسد».

الكاميرا لا تسجل ملامح الأرواح الهائمة!. تتابع فى ذهول: «رحلتى من الشك للإيمان»..

ربما كانت تبحث عن «دور»!!.

لم تمانع كثيراً فى رفع الطرحة، وإحكامها حول خصرها.. فى فرح شقيقتها..

إيقاع الدورة الدموية مضبوط على خطوات «سهير زكى»!.

العنفوان الكامن تحت «الحجاب» يتمرد أحياناً: هكذا خلقها الله.. لا تعترض.

سجلت على أطراف طرحتها خطوط الموضة.. كانت (موديل).. قبل أن يصبح الحجاب موضة.

لم يكن غريباً أن تتحجب صبايا الحى.. حين كان (السلام) يفتتح (بيزنس الحجاب)..

وهى تعود محملة بالبضائع. تتفنن فى موديلات الملبس.. تنافس الفراشات، بملابس لا تشف، لا تصف..

3 - يوماً ما ستصبح «فتاة غلاف»: كتالوج (أناقة وحشمة). ستبكى اغتيال (بناظير بوتو)..
وحجاب يكشف أكثر مما يغطى!..

يوماً ما، ستتندر على (البدى ستومك).. وأحضان المحجبات على كورنيش النيل!!.

يوماً ما، ستتهكم على (المايوه الشرعى)!.

يوماً ما، ستكتشف أن الحجاب رمز سياسى.. جملة نفاق اجتماعى.

لكنها كانت «مختلفة»..

أربع سنوات.. تسير حافية على أشواك النميمة. ترقص على حبال مكهربة..

تتابع صلاة الجمعة، ولا تنصت لخطب «الشعراوى».. تقرأ خطاياه فى الوزارة.. وتستغفر الله!!.

تتردد على دار الإفتاء.. تسمع إطراء «الشيخ» على حمرة كعبها!!.

4 - لم تفطم بعد.. تحن إلى كتب «نوال السعداوى»: «الختان».. «العادة السرية».. «الأورجازم».. تغرق فى زحام الأسئلة.
تصلى صلاة الاستخارة.. فتتزوج!.. تفتح «فقه السنة» لتطلّق فى نفس العام.

تعود إلى الحرم الجامعى.. بعينين حزينتين.. «بريق ما» اختفى من عينيها.

الحجاب يخنقها فى وقار زائف.. يسلب عنقها القدرة على الانتصاب.

يكسر روحها من الداخل.. يهزمها.. الحجاب يعتقل بنات أفكارها.. يجعلهن سبايا.

عادت لبيت العائلة، كبلت أصبعها برجل جديد: غنى وهذا حقك.. تقى وهذا حق الله.

ابن ناس.. «صعيدى».. أنت (أول بخته).

5 - لم يمض شهر إلا وأعلنت العصيان التام: خلعت الطرحة.. كفنت بها خاتم الخطوبة.
أطلقت شعرها خلف ظهرها.. وخرجت من القمقم.

كانت تشعر بأنها عارية تماماً.. أن نظرات المارة تلدغها.. أن الشباب يمزقون وجهها.. بسكين الرغبة.. لكنها بلغت قمة الجبل.. لم يتبق إلا مواجهة «الحاج».

فى صالون التجميل.. سلمت الخصلات اليابسة لجراحة عاجلة.

أصبح عنقها مكشوفاً.. دون حجاب، تخلت عن دليل العذرية والخضوع: الشعر الطويل.

عادت إلى البيت أكثر تحرراً.. وكأنها ألقت سنوات القهر فى الطريق.

اعتدلت خطوتها.. استعادت نبرة التحدى لتعلن القرار:

لن أصبح جارية فى بلاط عريس «ابن ناس».

أزاحت موسوعة تحرير المرأة، رفعت «عبدالحليم أبوشقة».. وشغلت أغنية «عبدالحليم حافظ».

6 - كانت خطوات الحاج تقترب من الباب.. وهى تتمايل: (قولى لى مين زيك)؟.
فضلت أن تقابل الأب بصدمة: سأعمل من اليوم.

أحست بانكسار الأب.. سمعة التاجر - المتدين بين يديها.

قال: ليس لدينا بنات للعمل.. ساومته: ولا للزواج.

قال الأب بصوت مجروح:

(الناس لها عيون.. وليس لها قلوب).. الناس ترى.. ولا ترحم!.

قالت: الله ينظر إلى القلوب.. ويرحم.

7 - القاهرة بعد خلع الإخوان: امرأة ناضجة فى مواجهة عالم دين..
أنتم تاجرتم بالنساء باسم «جهاد النكاح»، جعلتم الأطفال دروعاً بشرية فى اعتصامى «رابعة والنهضة»، لستم أوصياء على الدين ولا وكلاء الله على الأرض.. أنتم وكلاء «داعش» التى فتحت سوقاً للرقيق لتكون المرأة دائماً أداة لإرضاء رغباتكم الشاذة!.

حتى «الحجاب» يفسر هوسكم الجنسى، واختزال المرأة فى نصفها الأسفل.. القرآن لم يهذب غرائزكم، والكبت جعلكم كلاباً مسعورة تتحرش بالنساء بفتاوى النخاسة والعبودية.. لقد جعلتم الدين «سبوبة» تتربح من اقتصاديات «الحجاب» وفضائيات «الترهيب».. وحين ضاعت لحظة «تمكين الإخوان فى الأرض»، تصورتم أنكم «ورثة» اللوبى السياسى.. لكن حرائر النساء لسن من تركة «المرشد»!.

«لماذا تنظر لى هكذا؟».. أنا لست من أتباع «سيدك» ولا ترهبنى دعاوى الحسبة.. وهنا بدأت «وصلة ردح»!.

«فاصل».. تتداعى بعده حروف أخرى «من أبجدية الأنوثة».
نقلا عن الوطن