سحر الجعارة
آن الأوان أن نتخلى عن الكبر والعناد، أن ننظر فى المرآة ونواجه أنفسنا ونعترف: نعم كنا مثل «عرائس الماريونيت»، تلاعبت بنا قوى داخلية وإقليمية، تصورنا أننا نقود عملية الإصلاح والتغيير السياسى ونحمل الغد بين جفوننا، وأننا نغير خريطة العالم من حولنا لتكون الإجابة «25 يناير».. وبالفعل تغير العالم، وتغيرت موازين القوى ولكن -بكل أسف- ليس لصالح الوطن العربى.

ما حسبناه ربيعاً اتضح أنه خريف غاضب جرف برياحه العاتية أوطاناً سقطت بتحالف «الإسلام السياسى والإرهاب». لقد تخفى الإرهاب بقناع الإخوان «مثل أسطورة الذئب وذات الرداء الأحمر»، وكانت بلداننا هى «الغنيمة» التى يتنازعها الإرهاب وعواصمه الإقليمية.. كنا أبرياء للأسف نلهث خلف فكرة «النقاء الثورى».. وكأننا قدمنا «الدروع البشرية» لكتائب الإرهاب، تلقى شبابنا بصدور عارية طلقات الخرطوش وسقط رجالنا من الجيش والشرطة.. بينما نحن نعتبر كلمة «الاستقرار» ذريعة للسطو على الحكم بعدما طنطن بها الإخوان خلال عام من حكم المرشد.

وفى مرحلة «انعدام الوزن» التى أعقبت ثورة 25 يناير كان الدفاع عن «الدولة الوطنية» «تهمة»، واستدعاء «القوات المسلحة» لتخليص مصر من الفاشية الدينية للإخوان «جريمة»، وكشف العملاء والنشطاء الممولين من قطر وتركيا وغيرهما «خيانة لا تُغتفر».. كنا كمن غرق فى الرمال المتحركة.. وكانت قوة الرمال تجذبنا إلى عمق المأساة.. والمأساة كانت ضياع مصر من أيدى أولادها.

المأساة رأيناها تتجسد بملايين المشردين والمهجّرين.. من صور اللاجئين غرقى على شطآن أوروبا أو فى مخيمات تضيع فيها الكرامة الإنسانية.. رأيناها فى سبايا «داعش» وشهداء التنظيمات الإرهابية فى كل مكان.. نحن شهود عيان على تفكيك حضارة سوريا وآثار ليبيا واليمن وبيعها فى مزادات أوروبا.. بل نحن شهود على أسواق النخاسة التى فتحها تنظيم «داعش» لبيع الحرائر فى سوريا والعراق وليبيا.

كان الرئيس «عبدالفتاح السيسى» يتحدث عن تعايش الإخوة السوريين مع المصريين، خلال مشاركته فى المائدة المستديرة حول سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط فى مواجهة التحديات المشتركة، التى أقيمت ضمن فعاليات منتدى شباب العالم فى نسخته الثالثة بشرم الشيخ، وقال الرئيس: «إن مصر لا تطلق لقب لاجئين على من يعيشون على أرضها ولكن تطلق عليهم لقب ضيوف»، مشيراً إلى أن مصر تستضيف 6 ملايين شخص على أرضها، وبالرغم من ذلك لم تسمح مصر بخروج مركب واحد للهجرة غير الشرعية خلال السنوات السابقة.

وأكد رئيس الجمهورية أن مصر تمكنت من تنفيذ هذه الخطوة عندما استعادت حالة الاستقرار التى فُقدت خلال السنوات الخمس بعد عام 2011، مضيفاً أن مصر استعادت قدراتها اعتباراً من شهر سبتمبر 2016 وأصبح لديها قدرة على ضبط الحدود ليس تحت ضغط دولى.

وحتى نرد «الأزمة» إلى جذورها بدلاً من متاهة البحث عن حلول لقضايا كبيرة تسبب فيها الإرهاب والهجرة غير الشرعية، قال الرئيس «السيسى» إنه يجب استعادة الاستقرار فى الدول التى تعانى من الأزمات، مستشهداً على سبيل المثال بسوريا، قائلاً: «لو استعادت سوريا استقرارها سريعاً سيعود ملايين النازحين إلى لبنان والأردن وغيرهما من الدول، سيعودون إلى دولتهم، وطالما يتم تأجيل الحل تتراكم الأمور بشكل أكثر سلبية.. ويجب نقل أفكارنا إلى إجراءات تنفيذية تتناسب مع الواقع الحقيقى للمنطقة»، مطالباً الدول الخارجية برفع يدها عن سوريا حتى تعود مرة أخرى لاستقرارها.

هذا المطلب يؤكد للجميع أن النفق المظلم الذى دخلت فيه سوريا من صنع اللاعبين الكبار الذين يتحكمون فى مصير سوريا ويسطرون دستورها فى غياب ممثلها الشرعى!.

ارفعوا أيديكم عن سوريا.. وعن ليبيا أيضاً.. فليبيا التى تُعد العمق الإقليمى للأمن القومى المصرى لم تفرض مصر عليها «الوصاية».. وكما قال «السيسى» كان «من الأولى أن تتدخل الدولة المصرية بشكل مباشر فى ليبيا ولديها القدرة على ذلك، إلا أنها لم تقم بهذه الخطوة للحفاظ على العلاقة والأخوة مع الشعب الليبى لأنه لن ينسى لنا هذا التدخل المباشر فى أمنه».

إنه سيناريو متكرر بتفاصيل متنوعة، يعيد مشاهده الآن فى لبنان.. ولهذا تطرّق الرئيس أيضاً إلى أهمية استعادة الجيوش الوطنية باعتبارها غير حزبية وليس لها أهواء ومسئولة عن الاستقرار والأمن وهمها الوطن فقط، مشيراً إلى أن مصر هى الدولة الوحيدة التى نجت من هذا المصير لأن الجيش المصرى ذو توجهات وطنية وليس دينياً أو حزبياً ويتضمن المسلم والمسيحى بلا فارق.

لقد أصبح العالم العربى أسيراً لتنفيذ أجندات ومؤامرات خارجية.. وأصبحت الميليشيات المسلحة والإرهابية هى رأس الحربة فى تفتيت الأوطان.. وفى رسالة واضحة ومباشرة قال الرئيس: «إن دول الاتحاد الأوروبى تواجه تحدياً مع تركيا لعدم تعاونها مع دول الاتحاد ومحاولتها زعزعة الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط»، مشيراً إلى أن الطريق الوحيد لمواجهة التحديات هو العمل معاً واحترام حقوق الإنسان واستقلال دول الجوار.

إنها أضلع رئيسية محددة تضمن الاستقرار لدول المنطقة التى يجتاحها طوفان الإرهاب ويتهددها الاحتلال بالريموت كنترول: «الحفاظ على الدولة الوطنية والجيوش العربية لخلق الاستقرار».. وكما قال «السيسى»: «القدرة النووية الحقيقية لأى دولة هى الاستقرار والتنمية».
نقلا عن الوطن