عندما تنجب الأم يصيح العالم بها مهللًا متوقعًا منها أن تقفز فرحًا بطفلها الجديد، أن تأخذ مباشرة بعد الولادة صورة الأم المثالية في خيالنا، خدود متوردة، مع شحوب بسيط، وإنهاك محبب، ثم تبدأ مباشرة في أداء مهام وظيفتها الجديدة كأم بمنتهى الاقتدار، أليست الأمومة غريزة داخل كل أنثى؟

 
في الحقيقة هذه الصورة خيالية تمامًا، وكل أم تعرف ذلك حتى لو لم ترد الاعتراف بهذا، فالمرأة تخرج من تجربة الحمل والولادة منهكة مستنزفة قلبًا وقالبًا، ومطالب منها وهي في تلك الحالة أن تحمل أكبر مسؤولية من الممكن أن تقع على عاتق إنسان وهي العناية بكائن صغير هش سهل الكسر، وتحويله إلى شخص كامل معافى الجسد والنفس.
 
وعلى الرغم من أن 80% من السيدات يصبن بما يسمى Baby Blue أي الاكتئاب الطفيف لما بعد الولادة والذي قد يمتد لأسبوعين بحد أقصى، فإن الاعتراف بمرور المرأة بهذا الشعور مشين للغاية خصيصًا في مجتمعاتنا العربية، ونجد الكثير من الاتهامات تقابلها أهمها أنها لا تقدر نعمة الأمومة، وأن الكثيرات يحلمن بمثل هذا الشرف، مع تصدير الصورة الخيالية سابقة الذِكر للأم كاملة القدرات، لنجد في الكثير من الحالات أن الاكتئاب البسيط يتحول إلى وحش اكتئاب ما بعد الولادة.
 
وقامت إليف شافاق في كتابها “حليب أسود” بكسر كل هذه التابوهات، تكلمت عن المسكوت عنه، عن شكوكها التي سبقت مشروع الحمل، عن الأفكار التي تنازعتها حول قدرتها على الأمومة، والأهم عن اكتئابها فيما بعد الولادة وكيف تعاملت معه، لتقدم في صفحات عديدة دليلاً لكل امرأة تريد أن تصبح أماً أو لا، تعرفها على العالم الذي ستقبل عليه، وتضع أمامها الخيارات كلها، وتترك لها انتقاء الأفضل لها.