بقلم :فاروق عطية

 هي حملة عسكرية قام بها الجنرال نابليون بونابرت على مصر (1798-1801م) بهدف "الحفاظ على المصالح الفرنسية"، وتقليل قدرة بريطانيا على الوصول إلى الهند وإلحاق الضرر بتجارتها، وذلك بسبب موقع مصر الجيد بين خطوط التجارة الدولية، وإنشاء ميناء مزدوج يصل بين البحرين الأحمر والمتوسط "وهو ما تم تطبيقه لاحقا في القرن العشرين عن طريق إنشاء قناة السويس"، كما كان للحملة أهداف علمية.
 
بدأت الحملة عام 1798م على البحر الأبيض المتوسط بسلسلة من المعارك البحرية شملت السيطرة على جزيرة مالطا.
 
   أدت الحملة من الناحية العلمية إلى اكتشاف حجر رشيد الذي كان المفتاح السحري لفك طلاسم الحضارة المصرية ووضع الأساس لعلم المصريات. نجحت الحملة في البداية ولكن اضطر نابليون إلى الانسحاب بجيشه لعدة أسباب منها حدوث اضطرابات سياسية في فرنسا، النزاعات في أوروبا، وكذلك الهزيمة في معركة أبو قير البحرية.
 
   في هذا الوقت، كانت مصر ولاية عثمانية منذ 1517م، ولكن لم تكن حينها تحت السيطرة المباشرة للعثمانيين، حيث كان يحكمها المماليك المتنازعون علي السلطة. كانت فرنسا يحكمها حكومة المديرين. كانت"الموضة المصرية" في فرنسا رائجة، حيث شاع الاعتقاد بين المفكرين الفرنسيين أن مصر هي مهد الحضارة الغربية، كما كان تجار فرنسا في مصر يشتكون من معاملة المماليك السيئة لهم، كما كان نابليون يريد أن يسير على خطى الإسكندر
الأكبر.
 
أكد نابليون لحكومة المديرين أنه بمجرد السيطرة على مصر، سيقوم بالتحالف مع الأمراء الهنود والهجوم على بريطانيا العظمى في مستعمراتها.
 
وفقا لتقرير تاليران في 13 فبراير 1798م: "بمجرد السيطرة على مصر وتحصينها، سنقوم بإرسال 15 ألف جندي من السويس إلى مملكة تيسور لمساعدة السلطان تيبو في القضاء على الوجود البريطاني في الهند".
 
وافقت حكومة المديرين على الخطة في مارس 1798م، على الرغم من عدم الاقتناع التام بكلفتها ونطاقها، وقيل أن أهم الدوافع السرية هي أنهم أرادوا إبعاد نابليون ذو الشعبية الطاغية والطموح الشديد عن مركز السلطة.
 
   تم تجميع 40 ألف جندي و10 آلاف بحار في موانئ فرنسا المطلة على البحر المتوسط. تم تجميع أسطول كبير في تولون مكون من: 13 سفينة خط، 14 فرقاطة و400 ناقلة. لتجنب مواجهة الأسطول الإنجليزي تحت قيادة هوراشيو نيلسون، لم يتم الإعلان عن اتجاه الرحلة حينها وتم الاحتفاظ به كسرّ، ولم يعرف الاتجاه إلا بونابرت نفسه، بيرثييه، كافاريللي وعالم الرياضيات جاسبار مونج. كانت القيادة لبونابرت، ومن مرؤوسيه توماس ألكسندر دوماس، كليبر، لويس دوزيه، بيرثييه، كافاريللي، لانس، داماس، يواكيم مورات، أندريوسي، بيليارد، فرانسوا مينو، وزاجتشيك. كما شمل مساعدوه في المعسكر أخيه لويس بونابرت، دوروك، يوجين دو بورانيه، يوماس بروسير جولين والنبيل البولندي جوزيف سوكوفيسكي.
 
   في 19 مايو 1798م أقلعت السفن، وعندما وصل أسطول نابليون إلى مالطا طلب نابليون من فرسان مالطا السماح لأسطوله بدخول الميناء والحصول على الماء والطعام.
 
رد فون هومبيش على هذا الطلب بأنه لن يسمح إلا بدخول سفينتين فرنسيتين في المرة الواحدة. فكر نابليون في أن ذلك سيتطلب أسابيعا حتى يصل الأسطول بأكمله، وتخوف من لحاق الأسطول البريطاني بقيادة نيلسون بهم فأمر بغزو مالطا.
 
دخلت القوات الفرنسية مالطا صباح 11 يونيو.
 
أنزل الجنرال لويس باراغي دي هيليرز الجنود والمدافع في الجزء الغربي من جزيرة مالطا الرئيسية.
 
واجهت القوات الفرنسية بعض المقاومة لكنها ضغطت إلى الأمام، وبعد معركة شرسة استمرت 24 ساعة، استسلمت معظم قوات الفرسان في الغرب. اضطر فون هومبيش إلى إعلان استسلام الحصن الرئيسي في فاليتا.
 
غادر نابليون مالطا متجها إلي مصر، عندما أصبح الأسطول على مقربة من الإسكندربة هبط إليها في أول يوليو. كان مينو أول من انطلق إلى مصر وكان أول فرنسي يصل إليها.
 
هبط بونابرت وكليبر معا وانضما إلى مينو ليلاً في مارابو، حيث تم رفع أول علم فرنسي في مصر. أبلغ بونابرت بأن الإسكندرية تعتزم مقاومته وسارع إلى الحصول على قوة على الشاطئ.
 
وفي الساعة الثانية صباحاً، انطلق في ثلاثة طوابير، وعندما وصل أمام أسوار الاسكندرية أمر بالهجوم فاستسلم المدافعون، ووضعت المدينة تحت تصرف الفرنسيين، اقتحم الجنود الفرنسيون المدينة على الرغم من أوامر بونابرت.
 
   وليس غريبا سقوط الاسكندرية دون مقاومة إذا ما عدنا بالذاكرة لألف عام مضت عندما وصلت أنباءـ دخول الروم إلي الثغر وثورة الإسكندريةـ إلى مكة، أمر الخليفة عثمان بن عفان بأن يعود عمرو بن العاص إلى قيادة جيش العرب في مصر (آخر فصل الربيع 644م)، ودارت معركة حامية بين الروم وجيش عمرو، انتهت بهزيمة جيش الروم الذي انسحب إلى الإسكندرية، وأقفل الروم أبواب المدينة واستعدوا للحصار.
 
وكان سقوط الأسكندرية للمرة الثانية بخيانة ثانية (صيف سنة 646م)، يقول بتلر في ص 357: كان في السكندرية بواب إسمه (ابن بسامه) ، سأل عمراً أن يؤمنه على نفسه وأهله وأرضه ليفتح له باب الاسكندرية فأجابه عمرو على ذلك.
 
فدخل عمرو المديبة بالخيانة وهدم الأسوار الشرقية حتى سواها بالأرض وجنوده يقتلون ويغنمون ويحرقون حتي وصل الحريق لكنيسة القديس مرقس، واستمر القتل حتي بلغ وسط المدينة، فأمر عمرو بوقف القتل وبُني مسجدا في الموضع الذى أمر فيه عمرو برفع السيف.
 
واستطاعت طائفة من جند الروم اللوذ إلي سفنهم والهرب إلى عرض البحر، ولكن كثير منهم قتل في المدينة وأخذ العرب النساء والذراري وجعلوهم عبيدا وقينا. بعد أن غزا عمرو الاسكندرية للمرة الثانية أقسم قائلا: "والله لأجعلنها مثل بيت الزانية تؤتى من كل جانب". وبالفعل جعلها مثل بيت أمه صاحبة الرايات وأرخصهن سعرا النابغة سلمى بنت حرمله، وهد أسوارها وقلاعها فأصبحت مدينة ضعيفة وغير محصنة عسكريا، وعندما جاء نابليون دخلها بكل سهولة، ولم يجد أي مقاومة لا باسلة ولا يحزنون.
 
   ويحكي تريخنا المفبرك بأن محمد كريم حاكم الاسكندرية كان بطلا، لكن الحقائق تقول أنه لم يكن حاكما للإسكندرية ولم يكن بطلا في يوما من الأيام، بل كان رجلا نصابا حلو اللسان يعمل بمحل بقالة وتعرّف على مراد بك الذي عينه رئيسا للجمارك. وكان أول ما قام به في وظيفته أنه رفع الأسعار على المصريين وغلى الجمارك، وطمأن مراد بك بأن الفرنساويين قليلي العدد ولا حول لهم، وعندما اقتحم الفرنسيون قصر مراد بك وجدوا مراسلات محمد كريم به، إعتقلوه وطالبوه بفدية 500 قرش صاغ حتي يطلقون صراحه، ولم يجد من المصريين من ارتضى أن يدفع له سحتوتا، ظل يبكي ويولول ويلطم كالنساء قائلا: "اشترونى يامصريين"، ولكن كونه كان ضد الشعب المصرى لم يجد من يتعاطف معه وتم اعدامه رميا بالرصاص بعد الاحتلال بتلات شهور.
 
   بعد احتلال الاسكندرية ترك نابليون بها حامية عسكرية وخرج منها بباقي جنوده قاصدا القاهرة عن طريق البر الغربي لنهر النيل. 
في 20 يوليو، وصلت القوات البرية إلى مسافة نصف ميل من امبابة. فأمر بونابرت قواته التي يبلغ قوامها 25 ألف جندي بالقتال عند موقع على بعد 15 كم من الجيزة حيث دارت معركة امبابة التي انتهت بنصر فرنسي على قوة قوامها حوالي 21 ألف مملوك. هزم الفرنسيون سلاح الفرسان المملوكي بقوة كبيرة من المشاة والمدافع. في المجمل كان عدد الضحايا حوالي 300 فرنسي وحوالي 6000 من المماليك. نتج عن المعركة عشرات القصص والرسومات. تابعت فرقة دوبوي اللحاق بقوات المماليك ودخلت القاهرة ليلا، وكان قد تركها مراد بك وابراهيم بك. في 25 يوليو نقل بونابرت مقره الرئيسي للجيزة. أُمر دوزيه بملاحقة مراد بك الذي انطلق إلى الصعيد، قاد بونابرت مطاردة إبراهيم بك الذي كان متجهاً نحو سوريا وهزمه في معركة الصالحية ودفعه نهائياً إلى خارج مصر. 
 
   في 1 أغسطس، اكتشف نيلسون السفن الحربية الفرنسية الراسية في موقع دفاعي قوي في خليج أبو قير، ودارت معركة بين الطرفين انتهت بهزيمة الأسطول الفرنسي. في غضون ساعات قليلة، تم إلقاء القبض على 11 سفينة فرنسية من أصل 13 سفينة و2 من أصل 4 فرقاطات فرنسية. كان عدد القتلى الفرنسيين يتراوح بين 2000 إلى 5000 قتيل وجريح، وتم القبض على حوالي 3000 جندي، في مقابل خسارة الإنجليز 218 شخص، وإصابة677. وصلت أخبار الهزيمة البحرية لبونابرت في طريق العودة إلى القاهرة بعد هزيمة إبراهيم بك. فلم يزعجه هذا الخبر الكارثي على الإطلاق وقال: "لم يعد لدينا سلاح بحري. حسناً، علينا أن نبقى هنا، أو نرحل كرجال عظماء مثلما فعل القدماء"
 
   إبان اقتراب الحملة الفرنسية من القاهرة، عمت الفوضي واختل النظام واستغل اللصوص وقطاع الطرق الموقف، وهاج سكان القاهرة وهاجموا بيوت وكنائسهم المسيحيين الأقباط والسوريين والإفرنج والأروام بدعوى البحث فيها عن الأسلحة، اتخذوا منها ذريعة لنهب بيوت الذين لا قدرة لهم على المقاومة. وقبضوا على قنصل فرنسا والتجار الفرنسيين وبعض التجار الإفرنج وحبسوهم في القلعة حيث ظلّوا محبوسين فيها حتي دخل الجنود الفرنسيين القاهرة فأُطلق سراحهم. وهجم الرعاع علي بيوت الباكوات والأُمراء الذين فرّوا من أمام الفرنسيين ونهبوها. وخرج مشايخ الأزهر وطلابه يصيحون ويولولون ويلطمون كالنساء قائلين: يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف