دخل التهديد التركي بإعادة المقاتلين الأجانب من عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى بلدانهم حيز التنفيذ، حيث أعلنت وزارة الخارجية التركية على لسان المتحدث باسمها إسماعيل جاتاكلي اليوم الإثنين بدء ترحيل الإرهابيين الأجانب إلى خارج الحدود التركية.

وأعلن المتحدث باسم الخارجية التركية، أن بلاده رحلت صباح اليوم إرهابيا أمريكيا، بعد إتمام إجراءاته القانونية في مركز الترحيل، وتعتزم ترحيل آخرين بعد انتهاء إجراءات الترحيل الخاصة بهم.

أدارت الحكومات الأوروبية في البداية ظهرها عن التهديدات التركية التي أطلقت في فبراير الماضي، فيما ناشد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية لاستقبال رعاياهم، فيما سحبت عدة دول سحب الجنسية عن المقاتلين التابعين لها داخل التنظيم الإرهابي، على رأسهم بريطانيا التي سحبت الجنسية عن شيماء بيجون، وهي بريطانية تزوجت من داعشي في سوريا.

وبحسب إحصائيات عن أعداد مقاتلي داعش الأجانب، صادرة من المفوضية الأوروبية فهناك ما يقرب من 5 آلاف مقاتل يحمل جنسيات أوروبية قاتل لصالح داعش خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي يونيو الماضي شعرت الدول الأوروبية بالمخاوف الحقيقة من عودة المقاتلين الأجانب لدولهم، إثر ذلك اجتمع 11 خبيرًا قضائيًا من دول الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي وأجروا تقييما لكيفية التوصل إلى آلية يمكن أن تفضي إلى نقل المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم هناك بتهم جرائم حرب، لكنهم حققوا تقدما بطيئا لتخوفهم من عدم نزاهة القضاء العراقي.

العراق لم تصمت وأعلنت رفضها لهذا المقترح قبل انطلاق العدوان التركي على الشمال الشرقي لسوريا.

بعد انطلاق العدوان التركي على سوريا، اجتمع الخبراء القضائيون مرة أخرة في 11 أكتوبر واقترحوا تشكيل محكمة مشتركة من قضاة دوليين وقضاة عراقيين، وأعلن دبلوماسيون أوربيون عقب الاجتماع عن بدء المفاوضات مع العراق للإسراع بتنفيذ المقترح في ظل العدوان التركي على سوريا، والمخاوف من هروب مقاتلي داعش من السجون القابعة في الشمال الشرقي السوري.

مع دخول التهديد حيز التنفيذ بدأت الدول الأوروبية بسحب جنسيات بعض مقاتلين داعش الأجانب، وعدم ترحيبهم بعودتهم لبلدانهم، فيما طالبت برلين مزيد من التفاصيل حول خطط الترحيل والمقاتلين التابعين لها الموجودين في السجون التركية وفي شمال شرق سوريا.
"ورقة ضغط"

اتفقا كلاً من أحمد البحيري الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، وطارف فهمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن التهديدات التركية لأوروبا بإعادة المقاتلين الأجانب ورقة ضغط تستغلها الحكومة التركية في سياستها الابتزازية لأوروبا، لتحقيق مكاسب سياسية ووقف الانتقادات الموجهة لها بشأن ملفات حقوق الإنسان والحريات والمعتقلين وأوضاع السجون، ووقف التقارير الأوروبية بهذا الشأن.

الأمم المتحدة كشفت في تقرير لها نشر في فبراير الماضي عن أعداد مقاتلي داعش الإرهابي، مستندة لدراسة أعدها المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية كينجر كوليدج في لندن، وهم 40 ألف مقاتل من 110 دولة.

وبحسب الإحصائية التي نشرتها الأمم المتحدة فبين الـ40 ألف داعشي هناك 7525 مقاتل من دول أوروبا الشرقية، فضلاً عن 5904 إرهابيًا بين صفوف داعش من دول أوروبا الغربية، و850 مقاتلاً يحملون الجنسية البريطانية.

وقال البحيري إن تركيا تسعى للضغط على أوروبا بعد الإدانة الأوروبية للعملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، وتحاول إثنائهم عن تلك الإدانات والعقوبات المحتملة.

وتابع في تصريح لـ"مصراوي": "تركيا تسعى للتفاوض من خلال عودة مقاتلي داعش الأجانب، مقابل الصمت الأوروبي عن ملفات حقوق الإنسان والحريات في تركيا وعدم إصدار تقارير تدين تركيا بهذا الشأن، كما تستغله للضغط على أوروبا لتحقيق مكاسب في ملف اللاجئين من خلال تمويل جديد لدعمهم وبقائهم في تركيا".

وبدوره اعتبر الدكتور طارق فهمي أستاذ السياسية في جامعة القاهرة، أن التهديدات التركية بشأن إعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم ما هي إلا مساومة وابتزاز سياسي تعودت تركيا على ممارسة خلال الفترات الماضية، وتسعى للاستمرار فيه حتى انتهاء عملية "نبع السلام" لمنع أي انتقادات توجه لها بشأن العدوان العسكري على سوريا.

وتابع فهمي في تصريحات لـ"مصراوي" أن تركيا تسعى لإخافة أوروبا من خلال مخططاتها التي تشمل إعادة المقاتلين الأجانب، وملف اللاجئين، لمنع أي انتقادات توجه لأنقرة، ولتحجز لنفسها مكانًا في أي مفاوضات خاصة بسوريا.

وتوقع فهمي، أن تقبل أوروبا بشروط تركيا وتخف حدة الانتقادات الموجهة لها خوفًا من فتح الأبواب أمام المقاتلين الأجانب وإعادتهم لدولهم.
سيناريوهات الأزمة

التصريحات التركية تحدثت عن ترحيل 11 فرنسياً و7 ألمان و2 يحملان الجنسية الأيرلندية، وسط رفض دولهم لعودتهم ومخاوف من عدم وجود أدلة ضدهم تمكنهم من محاكمتهم في بلدانهم.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام أن لدى أنقرة 1149 من عناصر داعش الإرهابي في سجونها، 737 منهم أجانب.

يرى أستاذ العلوم السياسية، أن هناك 3 سيناريوهات بشأن أزمة عودة مقاتلي داعش الأجانب لبلدانهم، أولها أن تستمر التهديدات التركية على فترات لاستغلاله كورقة ضغط رابحة في أي مفاوضات سياسية ولمنع الانتقادات الموجهة لها.

وتابع: "السيناريو الثاني أن تفتح تركيا الأبواب أمام المهاجرين واللاجئين وعناصر داعش وتسمح لهم بالعبور إلى أوروبا، والسيناريو الثالث أن تظل الأمور كما هي لحين انتهاء العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا".

وتوقع فهمي أن يناقش ترامب وأردوغان ملف عودة المقاتلين الأجانب خلال زيارة الأخير المرتقبة إلى واشنطن، وأن ينصح رئيس أمريكا نظيره التركي بالاستماع لصوت العقل وإغلاق هذا الملف في الفترة الحالية".

وعن التهديد التركي بإلقاء مقاتلي داعش الأجانب على حدود دولهم، وصف الباحث التهديد بـ"العبث"، وتساءل: "كيف يمكن لتركيا أن تقوم بهذه الخطوة؟ أليس هناك تصاريح دولية لدخول المجال الجوي لأي دولة في العالم، فكيف ستلقي بهم داخل ألمانيا أو فرنسا أو غيرهم من الدول الأوروبية التي لا تربطها بهم حدودًا؟"

وبشأن احتمالية أن يوضع الإرهابيون من عناصر داعش داخل مجموعات للمهاجرين واللاجئين عبر تركيا لأوروبا، قال البحيري: "هنا يختلف الوضع فبدل من أن تسلم تركيا المقاتلين الأجانب لدولهم، في هذه الحالة تعتبر تركيا مصدرة للإرهاب لأوروبا، وبمثابة إعلان حرب على دولها؟".

وأضاف أنه لا يستبعد أن يقوم نظام أردوغان "بمثل هذه الحماقات وخلط عناصر التنظيم بالمهاجرين لتصديرهم لأوروبا".