محمد حسين يونس
عندما ذبح محمد علي المماليك بالقلعة و إستتب له الأمر .. كان المصريون بعيدا عن الصورة .. أسد و نمر يتصارعان علي الفريسة التي ترقبهما .. و لا حول لها و لا قوة . ففي كل الاحوال علي سكان هذا الوادى أن يعملوا .. و ينتجوا .. و يقدموا ما باليد لعسكر و جباة الغاصب المتحكم .

لم يمض وقت طويل حتي قنن محمد علي هذا الوضع .. فصادر كل الأراضي .. و جعل من المصريين أقنانا يزرعون القطن .. و يجنونه .. و يكيسونه .. و يقدمونه للتجار لتمتليء خزانة الوالي بالأموال .

في القصور .. كانت الجوارى و العبيد و ملك اليمين .. و اللغة التركية .. ثم الفرنسية .. و اليشمك العثماني .. و الجمال الأبيض الشرقي الذى يخبل عيون الأجانب .. و في القرى و النجوع .. و الأحياء الشعبية .. القمطة و الطرحة .. و الجلباب الواسع ذو الجيوب العديدة .. و الكحل البلدى .. و الكعوب المشققة والشقي من الفجر للعشاء .. و سوق النخاسة الذى لا تتوقف إمداداته أبدا .

في أزمنة تالية بعد أن زادت ثروة الباشا .. و بدأ في عمل مشاريع تخص مضاعفة ثروته .. و تسليح جيشة .. تم تمكين بعض المصريين من مناصب دنيا في الحكومة .. فنشأت حول نواة من الخواجات المغامرين القادمين للربح السريع طبقة متوسطة أغلبها من الضباط و التجار و السماسرة ..و مقدمي الخدمات و الترفية .. للأجانب .

نساء الطبقة الناشئة قلدن .. اميرات البيت المالك .. و بمرور الوقت توسعت هذه الطبقة لتشمل الحرفيين و الصناع .. و سكان الأحياء الشعبية .. في المدينة .. لتكون برجوازية مصرية .. بشرائحها المختلفة أصبح لها مطالب و إحتياجات منها التعليم و الصحة .

قرب نهاية القرن التاسع عشر .. كانت النساء بمصر طبقة عليوى تركية .. وأخرى متوسطة ملتفة حول اليهود'> اليهود و الأجانب .. و أغلبية معدمة في الريف و المناطق الشعبية .. و كلهن محجبات أو منقبات .

في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولي و نهاية الثانية .. حدث تطور درامي بالنسبة لساكنات المدن الرئيسية ( القاهرة و الأسكندرية ) إذ نزح لمصر أعداد كبيرة من الأوربيين و اليهود'> اليهود و شكلوا لانفسهم حياة خاصة أكثر تحررا ..

ناس تذهب لسباق الخيل و الملاهي و ترقص .. و تاكل و تلبس بشياكة و تتعامل النساء مع الرجال بحرية أوسع .

جذبوا أعدادا من الطبقة المتوسطة في شريحتيها العليا و الدنيا .. ليعملوا معهم في عجلة الإنتاج المحلية لتوفير إحتياجات الجيوش المحصورة بعيدا عن مراكز الإمداد ..

هذا المد المعاصر صاحبه سقوط الإمبراطورية العثمانية و خلافتها و معها اليشمك التركي و الملاة البيضاء .. و صعود القومية العربية ( والمصرية ) ثم تبني بعض المسلمين لوجهة نظر إحياء الخلافة بحيث جذبت الفكرة الملكين فؤاد ثم فاروق .. ليحدث صراعا ضاريا بين الحداثة .. و التمسك بالهوية .. أنتج جيل بدايات القرن العشرين و ثورة 1919 .. و ما تلي ذلك من الإتجاه للتعليم المدني .. و إنشاء كلية الفنون الجميلة . .. و الدعوة للسفور .

في هذا الزمن .. كانت غالبية المصريات في الريف و الأحياء الشعبية إما محجبات .. أو يرتدين الملاية اللف و البرقع .. و أعداد محدودة أغلبهن من الأجنبيات و اليهود'> اليهود الشابات سافرات يرتدين ملابس عصرية و علي الشاطيء مايوهات.. و في الملاعب شورتات .

من لم يعش هذة الفترة لن يتصور كيف إنتشر الزى الإفرنجي بين سكان المدن إنتشار النار في الهشيم رغم مقاومة اليهود'> اليهوديات و القبطيات و المسلمات كبار السن له .. فقد كن جميعا يرتدين نفس الملابس .. المنديل ( القمطة ) علي الشعر .. و الطرحة الخفيفة .. و في الخروج الملاية اللف السوداء و البرقع أبو عروسة ذهب علي الأنف ... و يدرن صراعا يوميا مع الشابات اللائي يردن أن يتعلمن .. و يلبسن ملابس عصرية .. و يكشفن شعورهن بل يفردنها بمكوة شعر ..و يذهبن للملاعب و الشواطيء بل يقدن السيارات .. و يمكن أيضا الطيارات .

المشاهد لأفلام ذلك الزمن .. سيعرف أن غالبية المصريات كن محجبات .. ولكن يملن لتقليد الخواجات ...

هذا الصراع إستغرق من ثلاثينيات القرن الماضي .. حتي مابعد المنتصف عندما إنقلب العسكر علي الملك.

المصرية في منتصف القرن العشرين ..خارج القاهرة و الأسكندرية .. كانت تعيش حياة بائسة .. مهمشة .. تدور في ساقية الحصول علي لقيمات محدودة .. فلاحة أو عاملة ترحيلة أو خادمة أو تمرجية في مستشفي أو تاجرة دواجن و جبنة قريش و بيض .. جاهلة بالقراءة و الكتابة .. تكرر حياة أمها حتي في الأغاني التي ترددها أو الطبلة التي تنقر عليها أو الرقص الذى سموة بعد ذلك شعبي .

و كانت الهجرة من الريف للمدينة محدودة .. و الفلاح مكتفيا ذاتيا يستيقظ في الفجر و ينام بعد العشاء في حياة راكدة خاملة بدون أمل إلا البقاء علي ظهر الأرض رغم المعاناة من الأمراض و جور و نهب الحكام .

هل غير زملاء عبد الناصر الوضع .. هل خرجت الفلاحة من القوقعة .. ((هذا حديثنا باكر )) .