خالد عكاشة
العملية الأخيرة التى أصابت هدفها داخل عرين شركة «أرامكو» السعودية، تحمل من الدلالات والقدرات داخل معادلات الصراع بالمنطقة أبعاداً كثيرة وكبيرة. فالشركة التى أُسست عام 1933، والتى تُعد منذ عقود درة تاج الثروة الوطنية السعودية، باعتبارها أكبر شركة فى العالم من حيث القيمة السوقية، والتى تبلغ، وفق فاينانشال تايمز وإكسبلوريشن، نحو (10) تريليونات دولار فى عام 2015، فى حين أن أرباح الشركة التى تعمل فى مجالات النفط والغاز الطبيعى والبتروكيماويات، وكافة الأعمال المتعلقة بها، من تنقيب وإنتاج وتكرير وتوزيع وشحن وتسويق بلغت (111) مليار دولار فى عام 2018، والذى نشرته «بلومبيرج» لأول مرة استناداً لبيان «موديز» للتصنيف الائتمانى.

هذا الكيان الاقتصادى الأهم، تعرّض يوم السبت لهجمة تسببت فى تعطل الإنتاج النفطى السعودى وصادرات المملكة منه، بعد هجمات بطائرات مسيّرة «درونز» على منشأتين لشركة أرامكو فى كل من «بقيق، وخريص»، الأولى التى تقع على بُعد 60 كم فى الجنوب الغربى من «الظهران»، تضم أكبر معمل لتكرير النفط فى العالم. أول التداعيات التى رشحت عن الأمر أن الهجمات تسببت فى تأثير بالغ على إنتاج يقارب نحو خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أى قرابة نصف الإنتاج الحالى للمملكة. باعتبار تلك العملية هى الأكبر التى تستهدف الداخل السعودى، وهى بالطبع تتجاوز عمليتَى «مطار أبها» و«أحد خطوط مصانع أرامكو»، سارعت جماعة «الحوثى» بإعلان مبكر عن مسئوليتها عن تنفيذ تلك العملية الأخيرة، بل وأوردت بعضاً من تفاصيلها وأرسلت تهديدات إضافية، فى متن بيان تبنى العملية، متمثلة فى الترسيخ لنقلة نوعية من التهديد قد تشهده السعودية مستقبلاً، حيث سُميت العملية بـ«توازن الردع الثانية» ليحمل البيان ألفاظاً من نوعية أن «العمليات المقبلة ستتوسع أكثر فأكثر، وستكون أشد إيلاماً مما مضى، فبنك أهدافنا يتسع يوماً بعد يوم، ولا حل أمام النظام السعودى إلا وقف العدوان والحصار على بلدنا». وقد ذكرت الجماعة أن الهجمات نُفذت بـ«10 طائرات مسيّرة»، وهو ما تسبب فى نشوب حريقين كبيرين فى الشركة نتيجة الهجوم، قبل أن تتمكن فرق الأمن الصناعى من إخمادهما، والحد من انتشارهما.

الهجوم تسبّب مباشرة فى تراجع سوق الأسهم فى الرياض، لتسجل الخسائر ما نسبته 3% من قيمتها غداة الهجمات على المواقع النفطية، لكنه أيضاً شهد أيضاً تعليقاً مفاجئاً على لسان وزير الخارجية الأمريكى، قد يحمل الأمر إلى مدى أبعد وأخطر، فقد كتب مايك بومبيو على «تويتر»، تغريدة نصها: «ليس هناك دليل على أن الهجوم شُن من اليمن، فإيران بذلك تكون قد شنت هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة العالمية». ومستكملاً على ذات الاتجاه، ألحق هذا النفى لكون الهجمة مصدرها اليمن وأن جماعة «الحوثى» هى منفذتها، باتهام طهران بأنها تقف وراء نحو 100 هجوم تعرضت لها السعودية، فى حين يتظاهر حسن روحانى وجواد ظريف بانخراطهما فى الدبلوماسية. هذا على خلفية ترجيح أن تكون «الطائرات المسيّرة» قد أقلعت من العراق وليس من اليمن، وفق التحقيقات الأوّلية التى تجريها الولايات المتحدة فى ملابسات الهجوم، وعلى خلفية الأصوات التى خرجت فى واشنطن تعبّر عن حنقها وفزعها من هذا الهجوم الذى تجاوز فعلياً ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء، خاصة إن ثبت ضلوع جماعات فى العراق بالوقوف خلفه. السيناتور الجمهورى «ليندسى جراهام» دعا إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوضع خيار توجيه ضربة لـ«مصافى إيران» النفطية كخيار على الطاولة، معبراً عن رأى شريحة كبيرة ترى أن هذا هو الوقت المناسب لتضع واشنطن خيار الهجوم على مصافى إيران موضع التنفيذ إذا استمروا فى استفزازاتهم أو فى زيادة تخصيب اليورانيوم، وفق رؤية جناح الصقور ومن يؤيدون رؤيتهم فى إدارة الصراع مع إيران، باعتبار الداخل الأمريكى يرى أنه هو المستهدف أيضاً من جرّاء هذا التصعيد، وفق مفهوم العبث بالمصالح الأمريكية المباشرة بالمنطقة.

المختصون فى مجال الطاقة يقولون إن عودة طاقة إمدادات النفط السعودية بشكل كامل بعد الهجوم الذى استهدف منشأتين لشركة أرامكو، قد تستغرق «أسابيع» وليس فترة زمنية محدودة، فقد أوقف الهجوم على بقيق وخريص نحو (5.7 مليون برميل) يومياً من إنتاج المملكة من النفط، فى الوقت الذى لم يعط فيه المسئولون السعوديون جدولاً زمنياً لعودة الإمدادات بشكل كامل. مجموعة استشارات المخاطر (أوراسيا) ذكرت فى مذكرة لها أن من المستبعد أن تغير الهجمات الخطط الخاصة بالطرح العام الأولى لأرامكو، وهو الطرح الذى طال انتظاره، لكنه بشكل قاطع قد يؤثر على التقييم. فضلاً عن التوقيت السيئ للهجوم الأخير على منشآت أرامكو، فإن تأثيره على الاهتمام بأسهم أرامكو سيكون محدوداً إلى حد ما، إذ إن المرحلة الأولى من الإدراج ستكون محلية، فالسعودية تحضّر الآن فعلياً لإدراج الشركة العملاقة فى بورصة تداول الرياض فى وقت لاحق هذا العام، لكن المكوّن الدولى للصفقة سيكون هو الأكثر حساسية إزاء المخاطر الجيوسياسية. وفى محاولة منها لتقليص حجم تلك المخاطر ذهبت إدارة الرئيس ترامب إلى الإعلان أنها على استعداد للسحب من المخزون النفطى الاستراتيجى إذا اقتضى الأمر! وهو الاحتياطى الاستراتيجى الذى تديره وزارة الطاقة الأمريكية، المحفوظ فى خزانات تحت الأرض تخضع لحراسة مشددة على سواحل ولايتَى تكساس ولويزيانا، والذى يُعد هو الأكبر من نوعه فى العالم، حيث يبلغ نحو (645) مليون برميل من النفط، وفقاً لما هو معلن فى موقع الوزارة الأمريكية الإلكترونى.

الجانب العراقى نفى استخدام أراضيه لمهاجمة منشآت نفطية سعودية بالطائرات المسيرة الأخيرة، ورغم تأكيد مكتب رئيس الوزراء العراقى «عادل عبدالمهدى» التزامه الدستورى بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جواره وأشقائه وأصدقائه فإن المشهد حافل بدخان كثيف، لن تبدده تصريحات من هذا النوع، وأنماط التهديد والمخاطر حاضرة يمكن قياسها بردات الفعل التى قد تشهدها ساعات لن تتأخر طويلاً على ما يبدو، على الأقل حتى الآن.
نقلا عن الوطن