خالد عكاشة
يعود طارق رمضان، إلى واجهة الأحداث مرة أخرى بعد أن وجه إليه القضاء الفرنسى أربع تهم بالاغتصاب، فضلاً عن خامسة تنظر فيها المحاكم السويسرية. حيث خرج «رمضان» الذى يحلو له تقديم نفسه باعتباره مفكراً إسلامياً، عن صمته، بعد تسعة أشهر ونصف من الاحتجاز على ذمة قضايا الاغتصاب المتهم فيها، ليجرى لقاء تليفزيونياً مع الصحفى الفرنسى الشهير «جان جاك بوردن»، المحاور الرئيسى لقناة «BFM TV» الإخبارية فى 6 سبتمبر الحالى. ويعلن فيه عن اعتزامه إطلاق كتابه الجديد بعنوان «واجب الحقيقة»، الذى تمثل الحقيقة فيه وصلة من الهجوم على أصحاب القضايا التى رفعت ضده، وامتدت لتطال بكثير من التشهير والمظلومية لهجة الإخوانية الزاعقة القضاء الفرنسى والسويسرى، ووسائل الإعلام التى نقلت تلك الفضائح سالفة الذكر.

دار النشر الفرنسية التى تكفلت بطبع الكتاب، اعتمدت طريقة مبتكرة فى الترويج للكتاب، فقد أحاطته بسرية تامة، وأحجمت عن الإفصاح عن موضوعه أو إرسال نسخ منه إلى الصحفيين بحسب العرف، من أجل صياغة تقارير عنه قبل صدوره. فقد تفاجأ الصحفيون ومراسلو الصحف المعنيون بمتابعة ملف الإصدارات الجديدة، أن عليهم التوجه إلى دار النشر، فى حال الرغبة فى الاطلاع عليه بمقر دار النشر، وهناك زادت مساحة الغرابة أن طُلب منهم التوقيع على ورقة تلزمهم بالحفاظ على خصوصية الكتاب، وعدم تسريب أو نشر أى مادة عنه قبل تاريخ نشره. وهذا التاريخ أثار جدلاً كبيراً فى حد ذاته، فقد اشترط طارق رمضان على دار النشر الفرنسية، أن يكون تاريخ تداوله بالأسواق هو الحادى عشر من سبتمبر، بكل ما يحمل هذا التاريخ من ذكريات الإرهاب الدولى. وقد حاولت دار النشر أن تخفف من حدة التساؤلات، التى ربطت بين تاريخ إصدار الكتاب وبين أكبر عملية إرهابية دولية «سقوط برجى التجارة العالمى» التى نفذها «تنظيم القاعدة»، معللة الأمر بمتطلبات الإنتاج والطباعة، وأن الأمر بعيد تماماً عن أية نوايا سيئة أو أغراض دعائية.

صحيفة «لوموند» الفرنسية؛ يبدو أنها لم تلتزم باشتراطات دار النشر، أو أنها تمكنت بصورة أو بأخرى من الوصول إلى نسخة كاملة من الكتاب قبل صدوره، حيث نشرت مؤخراً الكثير من المعلومات الخاصة به، فهو يقع فى نحو 300 صفحة، وجاء فى مقدمته أن طارق رمضان يحاول تبرئة ساحته، بادعاء المظلومية بل واستدعاء نظرية المؤامرة. فهو يقول فيها نصاً: «سأكشف لكم عن الحقيقة التى حاولوا إخفاءها عنكم. على الطريق إلى الحقيقة، يجب علينا بالطبع التغلب على مشاعر البغض والاستياء». لكنه يتنصل سريعاً من هذا التعهد، ليصف مهاجميه بـ«ثلاثى الشر» وهو يحددهم بالمدعين عليه، ومؤسسة العدالة، ووسائل الإعلام. وفى سطور الكتاب يصف صاحبات الشكوى باعتبارهن نساء كاذبات، يمتهنّ الغش، ويشعرن بالغيرة ويبحثن عن خلفية لتصفية الحسابات. أما القضاة فيفسر إدانتهم له؛ باعتبارها تنم عن عدائهم العميق له، وعدم احترامه. أما وسائل الإعلام فهو يرى أنها تلقفت قضاياه على غير حقيقتها، ويقول عنهم: «هم يريدوننى مذنباً، ويشاركون فى عملية إعدامى أمام الرأى العام»، بحسب ما جاء بكتاب «الحقيقة» لرمضان.

لكن الحقيقة الفعلية التى يراوغ طارق رمضان من تفاصيلها وتبعاتها، أن فى منتصف يوليو الماضى تقدمت امرأة رابعة فى فرنسا، بشكوى جديدة ضد حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، تتهمه فيها بالاغتصاب الجماعى مع أحد أصدقائه فى فندق سوفيتيل فى مدينة ليون. وعندما واجهه الصحفى «جان جاك بوردن» بهذه الواقعة، اعترف خلال اللقاء بأنه كذب على قاضى التحقيق فى بداية القضية، معللاً ذلك بالقول: «نعم لقد كذبت فى البداية، أردت أن أحمى نفسى وعائلتى، لقد كان ذلك خطأ، وأنا أعترف بذلك». وضحكات السخرية التى غلفت حديث رمضان وهو يدلى فى بساطة بهذا الأمر، تترجم قاعدة «الحرب خدعة» التى وضعها واعتمدها جده «البناً فى مواجهة أعدائه، بل كان يطلقها مبرراً الاغتيالات الداخلية التى اقترفها التنظيم بحق أعضائه المارقين عن الطاعة. فبعد أحد عشر شهراً من إنكار «رمضان» المتواصل، لقيامه بأى عمليات اغتصاب أو اعتداء جنسى على الضحايا، اعترف حفيد مؤسس الإخوان المسلمين، بأنه أقام علاقات جنسية مع اثنتين من المدعيات اللواتى قمن برفع دعاوى قضائية ضده بتهمة الاغتصاب، واللاتى وصفهن فيما بعد الإفراج المشروط عنه باعتبارهن نساء كاذبات، يمتهنّ الغش!

أيضاً بعد مساحة إنكار طويلة امتدت لشهور، اعترف طارق رمضان بأنه ارتكب الزنا مع المرأة الثالثة التى تدعى «منية ربوج»، فى 9 مناسبات مختلفة فى فرنسا وبريطانيا وبلجيكا. وأقر فى يونيو الماضى أنه ارتكب الزنا مع «ربوج»، على أساس أن الاعتراف بإقامة علاقة جنسية برضا الطرفين تعنى أنه لا يعد وقوعاً لجريمة. فهذا أمر يختلف عن جريمة الاغتصاب، التى تستوجب ملاحقة قضائية لمرتكبها، بحسب ما خطط له محاموه. لكن تلك الدعاوى المتتالية دفعت جامعة أكسفورد (معهد الدراسات الشرقية، كلية القديس أنتونى)، إلى أن تصدر قراراً بإيقافه عن عمله بعد صدور التهم ضده، دون التعليق على الحادثة، موضحة أنها بصدد انتظار النتائج، وأنه فى إجازة مفتوحة حتى انتهاء التحقيقات، وقد كان «رمضان» يشغل أيضاً منصب أستاذ الأديان فى كلية الدراسات اللاهوتية فى الجامعة ذاتها. فضلاً عن منصبه كمدير لمركز «دراسات التشريع الإسلامى والأخلاق» فى دولة قطر، وعضويته البارزة فى «الاتحاد العام لعلماء المسلمين» الذى يترأسه يوسف القرضاوى. وهذه ليست المرة الأولى التى يواجه فيها «رمضان» ملاحقات قضائية، أو يتعرض لكشف مفاجئ لأدواره الخفية التى يلعبها خلف ستار، قناع الأستاذية الذى يتخفى به. فقد صدر له قبلاً قرار منع من السفر إلى الولايات المتحدة، بسبب تقديمه لمساعدات مادية لـ«منظمات إرهابية» وفق القرار الأمريكى، كما جرى احتجازه فى تسعينات القرن الماضى بفرنسا، بسبب ارتباطات مشبوهة بمجموعة من الإرهابيين الجزائريين، قبل أن يفرج عنه بعد تسليم الإرهابيين للسلطات الجزائرية.
نقلا عن الوطن