هاني لبيب
لا يزال المجتمع المصرى يعانى من أعراض الطائفية البغيضة.. وهى تظهر عند كل أزمة أو توتر أو شائعة طائفية، وتلك الشائعات تجد صدى ملحوظًا على الفيسبوك لدرجة أن البعض يتعامل معها باعتبارها حقيقة يفندها ويشرحها وربما يروج لها.

مؤخرًا كتبت إحداهن «بوست» متجاوزًا ومتطاولًا على الفيسبوك، وحاول البعض الترويج له بالتعليق والنقاش لجذب مزيد من المؤيدين والمعارضين وتصويره باعتباره حالة حقيقية رغم أنه لم يتجاوز كونه شائعة. يقول البوست نصًا: «الكنائس فى مصر بتطلب من المسيحيين الانتقال إلى مدينة الإسكندرية خاصة والسواحل الشمالية لمصر عامة، وهذا يتم متوازيًا مع هدم المساجد وغلق دور القرآن، تمهيدًا لتقسيم مصر وتقزيم مصر.. وبداية الدولة القبطية فى شمال مصر».

هذه الشائعة الساذجة هى إعادة إنتاج لشائعة أثيرت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ووجدت صدى ضخمًا كشف عن غياب العقل، وهى شائعة تأسيس دولة للمواطنين المسيحيين المصريين فى أسيوط. وهى فكرة فاسدة لا تعنى شيئًا سوى إحداث حالة من تأجيج المناخ الطائفى بين المواطنين المصريين.. المسيحيين والمسلمين.

إنها شائعات لا تتفق مع أبسط قواعد المنطق لكونها دعوة لتقسيم مصر بين «شمال» دولة أسيوط المزعومة و«جنوبها». وما يترتب على ذلك من تكوين حكومة جديدة وشرطة مستقلة وجيش لحماية الدولة الجديدة. بالإضافة للدخول فى مفاوضات بين الدولة المصرية ودولة أسيوط للوصول إلى اتفاقات حول نقل ملكية الأراضى والمقابر. والتعامل مع مقدسات دور العبادة المسيحية من خارج أسيوط، ودور العبادة الإسلامية داخلها. وكانت من أسوأ أنواع الشائعات، وقد ترتب عليها عديد من التداعيات عند رجل الشارع العادى حينذاك. وبالتالى، لا فرق بين الترويج للشائعة سواء كان مكانها أسيوط أو الإسكندرية أو العلمين الجديدة. فضلًا عن ملاحظة أساسية حول الترويج لقيام دولة مسيحية فى الإسكندرية فى مقابل هدم المساجد.. كنوع من الاستغلال العكسى لحسم الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدم جواز بناء كنيسة أو مسجد على أرض حرام.

أعتقد أن هناك أهمية لإعادة التفكير فى مسألة تجديد الفكر الدينى، فلا يزال الشارع المصرى يتأثر بالعديد من الأفكار الطائفية البغيضة، رغم التقدم الملحوظ فى تعامل الدولة المصرية مع منظومة المواطنة بشكل عملى لجميع المواطنين المصريين. ولا يزال المجتمع يميل إلى التفسيرات والتبريرات الطائفية التى هى فى كل الأحوال ضد إعمال العقل وضد دولة القانون.

بقايا الفكر الدينى الفاشى وأطلاله تحاول دائمًا إثبات وجوده فى الفكر المصرى من خلال بعض التصرفات الساذجة على غرار هذه الشائعة.

قطعًا، جميعنا مع أقصى درجات الحرية فى طرح الأفكار والنقاش الفكرى. ولكن، هل من الطبيعى أن نترك مروجى الشائعات الافتراضية على السوشيال ميديا يبثون خرابًا وتدميرًا بهذا الشكل الذى يسبب إرباكًا للبعض أو يشكك البعض الآخر ممن يقرأون هذه الشائعات.

نقطة ومن أول السطر..
قوة الدولة المصرية فى تعددها، الذى لا يقبل التقسيم أو التجزئة.. هذا التعدد الذى منع وصول الفاشية الدينية للسيطرة على الشعب المصرى.

مصر دولة غير قابلة للتقسيم تاريخيًا وسياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا.
نقلا عن المصرى اليوم