سليمان شفيق
في سياق الاحداث التي مر بها السودان بعد ثورتة الاخيرة ، والتحولات المدنية العظيمة ، ومن ثم نتابع في المقال الرابع من الدراسة حول كيف كان الاضطهاد الممنهج للمسيحين في السودان .

تقف حالات اضطهاد وقمع المسيحيين في السودان على حالات استثنائية أو عابره، انما أخذت طابعا ممنهجا لا سيما منذ بدء تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان في العام 1983 من قبل نظام الديكتاتور الأسبق جعفر نميري مدعوما بحزب الجب الإسلامية القومية بقيادة الراحل حسن الترابي. وارتفعت وتيرة الاستهداف منذ قدوم نظام الإنقاذ للسلطة في العام 1989، لتنخفض نسبيا بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل وإقرار الدستور الانتقالي لعام 2005. لكن الهجمة المنظمة ضد المسيحيين في البلاد عادت بصورة أكثر شراسة عقب انفصال جنوب السودان، لاسيما عقب الضوء الاخضر الذي أعطته تصريحات الرئيس البشير الشهيرة في ولاية القضارف  التي قطع فيها أن السودان بات دولة اسلامية-عربية خالصة عقب انفصال جنوب السودان، موجها كافة مؤسسات الدولة بتبني دستور إسلامي وإسقاط كافة المواد الدستورية التي تكفل حقوق المسيحيين، الأمر الذي أطلق العنان لكافة مؤسسات الدولة لقمع المسيحيين في حملة غير مسبوقة بدأت منذ العام 2011.

وبتلك الصورة الممنهجة بدأت عمليات هدم الكنائس واصدار قرارات بازالتها ومنع بناء كنائس جديدة بحجة تناقص عدد المسيحيين عقب الانفصال، اضافة الى مصادرة أراضي وممتلكات المجمعات الكنسية في كافة أرجاء البلاد ، ومنع المسيحيين من ممارسة شعائرهم وتخويفهم عن طريق المحاكم والقبض على القساوسة دون مسوغات قانونية واضحة وتسليط حد الردة ومنع حرية المعتقد إلى غيرها من الممارسات القمعية بحق مسيحيي السودان الذين ينحدر معظمهم من منطقة جبال النوبة اضافة للمواطنين الاقباط وغيرهم من المسيحيين في البلاد.

 وفي هذا التحقيق الاستقصائي لشبكة (عاين) نكشف عن ممارسات ممنهجة بصورة أكثر عدوانية وتحايل متعمد من قبل السلطات الرسمية ضد المسيحيين. ولا تقف حدود تلك الانتهاكات في تغييب التعليم المسيحي من المقررات الدراسية وعدم الاعتراف به بل والغاءه في بعض الأحيان وإجبار التلاميذ على اعتناق الإسلام من أجل الحصول على مقاعد دراسة جامعية، بل تمتد الى الارهاب والتخويف والاعتقال والقتل.

ووثق تحقيق عاين بيع المؤسسات الكنسية إلى مستثمرين سودانيين مقربين من النظام الحاكم اضافة لشق بذور الفتنة والفساد وسط قيادات الكنائس من أجل تسهيل اختراقها والقضاء عليهم. وكشف تحقيق (عاين) عن وجه اخر من عذابات المؤمنون المسيحيون  في السودان تتعلق باختراق النظام للمنظومة الكنسية وموالاة جزء منها للنظام في ظل فساد واسع أدى إلى تضييع الكثير من حقوق الكنيسة نفسها تمهيدا لبيع الاراضي والممتلكات.

غدر
 المسيحيون في السودان … نهب وقتل تقوده الدولةلا شك ان نهار الإثنين الثالث من شهر إبريل في العام 2017 كان يوما حزينا وفارقا لن ينسي طوال تاريخ المدرسة الانجيلية الممتد منذ العام 1924 والتي تعد إحدى الممتلكات التاريخية للكنيسة الانجيلية في السودان. وسط فناء المدرسة العتيقة التي تخرج منها العديد من مثقفي مدينة أمدرمان وقف الشيخ يونان كامبو يتحدي بصوت جهور قوات الشرطة والأمن التي طوقت المكان بسياراتها وعشرات الجنود … لم يتوقف العم يونان عن تلاوة الترانيم يردد وراءه جمهور من المصلين المحتشدين في المكان مبتهلين للرب ان يحمي مدرستهم من مكائد السلطة وطمع المستثمرين وبطش الشرطة وانقسامات أبناء الكنيسة على أنفسهم بايعاز من السلطات. كان يونان قائدا وسيما وشجاعا لاعتصام المسيحيين من أبناء الطائفة الانجيلية، ورغم سنوات عمره الممتدة، تجمع حوله الحادبون على مصير المدرسة القديمة عقب أن تسلمت ادارتها خطابا ممهورا من السلطات بضرورة تسليم مقرها لمستثمر بعدما أبرم عقداً مع اللجنة المؤقتة لإدارة الكنيسة الإنجيلية التي عينتها وزارة الإرشاد السودانية.

وتكشف مصادر من الكنيسة الانجيلية ل (عاين) عن وجود اعتراضات قانونية وإجرائية عديدة صاحبت تشكيل اللجنة المؤقتة الموالية لوزارة الارشاد حيث تولت تلك اللجنة المؤقتة إبرام تعاقدات مع أحد المستثمرين في عدد من ممتلكات الكنيسة الإنجيلية في العاصمة والولايات.

لكن الشرطة لم تنتظر كثيرا رغم أصوات الدعوات والترانيم القادمة من فناء المدرسة، إذ هجمت الشرطة ومن وراءها المستثمرون ورجال الكنيسة الموالون لوزارة الإرشاد على فناء المدرسة عند الساعة الرابعة عصرا، فيما تولى يونان والمصلون الدفاع عن المدرسة مستخدمين الحجارة والكر والفر والاحتماء بجدران المدرسة وممراتها … قاد يونان الأطفال والنساء في معركة غير متكافئة ضد المستثمرين المدججين بسلاح الشرطة. وفي الأثناء وجه شخص يدعى (شمسون) وهو مناصر للمجموعة الموالية لوزارة الإرشاد طعنة في الفخذ ليونان صادفت شريان رئيسي مما ترتب عليه نزيف حاد فارق على إثره يونان الحياة متأثراً بجراحه، في ما تم اعتقال 16 شخصاً من الموجودين.
 
قتل عمد وتحريض
 لكن  الأب يحيى عبدالرحيم يصف حادثة مقتل الشيخ “يونان” بالمدبرة من جهات لم يسمها، متهما تلك الجهات بالتحريض على قاتل “شمسون” والتخلص من الأشخاص الذين يقاومون بيع الكنائس متمثلا في شخص “يونان”. ويؤكد الاب عبدالرحيم في حديثه ل (عاين) انهم يمتلكون معلومات تكشف عن قيام مجموعة معينة بتحريض شمسون بغرض التخلص من يونان بقولهم له “أقتله وسندفع لك الدية” مشيراً في ذات الوقت لقيام الكنيسة برعاية أبناء شمسون حالياً في أعقاب إلقاء القبض عليه بسبب قتله “يونان". 

واعتبر عبدالرحيم ان ما حدث في فناء المدرسة الإنجيلية بأمدرمان جزء من استهداف المسيحيين في السودان منذ انفصال جنوب السودان. مضيفا” هناك خطة محكمة لمحو المسيحية من السودان والقتل سيستمر ولكن شعب الكنيسة سيقاوم".

ويرى الكثيرين من أتباع الكنيسة الإنجيلية ان العم “يونان” قدم روحه قربانا لحماية المدرسة التاريخية اذ قاد مقتله إلى تسليط أضواء الإعلام الدولي على قضية مصادرة ممتلكات الكنيسة الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى إيقاف خطة انتزاع المدرسة لصالح المستثمرين ونكران الحكومة السودانية تورطها في حادثة القتل.

يتبع