أمينة خيري
الملاحظ أن مراقبة السرعات على الطرق في أزمة. والملاحظ أن كماً كبيرًا من حوادث السير حيث إزهاق الأرواح، وإصابات بعضها يؤدي إلى إعاقات، ناهيك عن الخسائر المادية التي تقع بسبب رعونة القيادة والسرعة غير المحسوبة، ناهيك عن الجهل التام بقواعد القيادة وقوانينها. ويتحول الأمر من احتكاكات وخبطات وخناقات على مدار الساعة في داخل المدينة، إلى كوارث على الطرق السريعة، وبعضها تحول إلى طرق تؤدي إلى تجمعات سكنية منتعشة ومزدهرة مثل طريق السويس، والإسماعيلية، والدائري وغيرها.

هذه الطرق وغيرها تحولت في ظل فوضى المرور والقيادة إلى طرق موت يومية حيث دائرة مفرغة تحصد الأرواح دون رادع. فمبدأ "القيادة فن وذوق وأخلاق" مات وشبع موت مع انهيار الأخلاق في الشارع وتحلل منظومة التعليم التي تزرع الذوق وتغرس مبدأ احترام الآخرين وعدم التعدي عليهم، وذلك على مدار ما يزيد على أربعة عقود سابقة. وحلم تطبيق القوانين تحطم على صخرة واقع يشير إلى مشكلة ما لا يعلمها إلا الله تحول دون تحقيق ذلك. ونظراً لعدم تفعيل القوانين مع استمرار الجهل بالقواعد وسعادة الكثيرين بالفوضى العارمة؛ لأنها تعني لهم حرية أكبر، فإن عداد الضحايا يزيد بينما نتحدث.

حديث قصير مع أحد المسؤولين في إدارة المرور في محاولة مضنية للاستفسار عن سر "التهاون" الشرطي فيما يختص بالمرور على الطرق، وسؤال ساذج مني افترض قلة أعداد القوات، وقلة التدريب المطلوب ما قد يكون سبباً في انعدام الرقابة على الطرق، واقتراح أكثر سذاجة بتزويد الطرق بكاميرات مراقبة ورادارات تدر ملايين عبر تطبيق غرامات فورية لتخطي السرعات، جاءت الإجابة بأن "الميزانية لا تسمح".

وحيث أن الميزانية لا يجب أن تكون عائقًا يؤدي إلى زهق المزيد من الأرواح، والحجة التي يستخدمها المسؤولون بأن الوضع الكارثي سببه "سلوك المواطنين" أقبح من ذنب ترك هذا السلوك دون تقويم وعقاب بحسب القانون، فإن خير الحلول توفير الرادارات الفعالة والتي لا تختفي أو تتعطل بعد تركيبها بأشهر. (أغلب إشارات المرور المزودة بكاميرات والتي لم يمض على تركيبها أشهر معطلة)

ويمكن للدولة مناقشة الشركات والمصانع والمؤسسات الاستثمارية الكبرى لتوجه الجانب الأكبر من مشروعاتها ومبادراتها في مجال المسؤولية المجتمعية للشركات لإنقاذ الأرواح التي يتهدر يومياً على الطريق دون داع، وذلك لحين عودة إدارة المرور وغرس قيم احترام الآخرين واختبار فعلي للمتقدمين للحصول على رخص قيادة في قواعد المرور وقوانينه. هذا الإنقاذ من قبل القطاع الخاص يتمثل في تحملهم قيمة كاميرات المراقبة وأجهزة الرادار التي لا تسمح الميزانيات الحكومية بها! ولا مانع أبدًا من إشهار ذلك، وكتابة ما يفيد بأن شبكة كاميرات العاصمة مثلاً إهداء من شركة كذا ليسعد الجميع.

الجميع يعلم أن حال الطرق والمرور في مصر لا يسر حبيباً لكنه يسعد العدو أيما سعادة. ويكفي أن من يزورنا من مشارق الأرض ومغاربها بات يشعر بأنه في مأمن على حياته فيما يختص بالإرهاب، لكن تنتابه أحاسيس بأن الموت بات قريبًا بمجرد نزوله الشارع.

الشارع يا حكومة يا شعب يا شاويش يا بوليس يا إخوانا في حالة مزرية. وأرواحنا تزهق دون داع على الطرق قديمها وجديدها. وشبكة الطرق الجديدة التي على كل مصري أن يفخر بها بعد ما أصبحت فعليًا تضاهي شبكات الطرق في أكثر العالم تقدمًا تسهم في مزيد من زهق الأرواح، حيث لا رقابة أو محاسبة أو مخالفة أو مراقبة سرعات. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يقول إن العامل البشري سبب 75.7% من حوادث الطرق القاتلة، فهل يعقل أن تظل وزارة الداخلية "تناشد" المواطنين الالتزام، مع العلم أن الثقافة المرورية شبه منعدمة من الأصل؟!
نقلا عن مصراوى