منذ عقود، ارتبط الذهب فى أذهان المصريين، بكونه الملاذ الأكثر أماناً لـ«تحويشة العمر»، خاصة فى أوساط الطبقة الوسطى بشرائحها الثلاث، ومع التقلبات الحادة التى تشهدها أسعار الذهب صعوداً وهبوطاً تأثراً بالبورصات العالمية وأحداث السياسة الدولية، فإن بعض المؤشرات توضح أن المعدن الأصفر قد يفقد بريقه فى ظل منافسة واضحة من باقى الأوعية الادخارية الأخرى.

ويُجمع تجار الذهب والمجوهرات بالغرف التجارية، على أن الذهب لا يزال «ملاذاً آمناً» لمدخرات المواطنين، لكن ذلك مرتبط بشرط، هو أن تكون المدخرات فى حدود معقولة، بحيث لا تتجاوز مثلاً حدود الـ100 ألف جنيه، ويعتقدون أنه لو زادت المدخرات عن هذا الحد فربما من الأفضل استثمارها فى مشروع تجارى يدر ربحاً أكثر مما يوفره الذهب.

يقول رفيق عباسى، رئيس شعبة المجوهرات والذهب باتحاد الصناعات، إن الذهب على المستوى العالمى يعتبر ملاذاً آمناً للمؤسسات الاقتصادية والحكومات، كما أنه على المستوى المحلى والأفراد «ملاذ» لمعظم الأسر المصرية، خاصة تلك التى لا تلجأ لفتح حساب بنكى لإيداع مبلغ متواضع يتراوح بين 5 إلى 10 آلاف جنيه.

رفيق عباسى: قادر على الاحتفاظ بالقيمة مستقبلاً لكنه ليس الوسيلة الجيدة لتحقيق عائدات سريعة
وقال رئيس الشعبة إن الذهب له ميزة مهمة وهى الحفاظ على القيمة، لكونه مخزوناً قادراً على الاحتفاظ بالقيمة مستقبلاً، لكنه أكد فى الوقت ذاته أن الذهب ليس الوسيلة الجيدة لتحقيق العائدات والأرباح السريعة مثلما العقارات أو المشروعات الإنتاجية.

وأضاف: «يرى عدد كبير من الأسر المصرية أن الذهب ليس للزينة فقط، لكنه وسيلة للحفاظ على الأموال، ومستقبل الطلب على الذهب فى مصر لا يمكن توقعه فى الوقت الحالى، لارتباطه بمعدل ارتفاع دخول المستهلكين، والأسر المصرية حالياً لا تضع الذهب فى أولوياتها، لكن إذا توافرت لها موارد مالية إضافية تلجأ إليه مباشرة».

من جهته، قال وصفى واصف، رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالغرف التجارية، إن الذهب لا يحقق مكاسب حالية، كما قد يعتقد البعض، لكنه يحافظ على مدخرات المواطنين على المدى البعيد، مضيفاً: «ارتفاع سعر الذهب وتراجع القوة الشرائية، نتيجة تدنى الدخول ووجود الذهب فى أولويات الأسر المصرية فى مرتبة متأخرة، وبالنظر إلى تراجع معدلات استهلاك تلك الأسر المصرية، عوامل مجتمعة تجعل الذهب أو شراءه متوقفاً على الوفرة المالية لدى المواطن»، لافتاً إلى أن شريحة من المواطنين ما زالت تلجأ إلى الذهب لحفظ أموالها، باعتبار أن الحفاظ على القيمة وليس الاستثمار له الأولوية الأولى.

ويقول صلاح عبدالهادى، الرئيس السابق لشعبة الذهب والمجوهرات بغرفة القاهرة، إن التنوع مهم فى الاستثمار، والتركيز على الذهب وحده ليس حلاً، إذ إن قطاع مثل العقارات على الرغم من حالة الركود أصبح أكثر أماناً وربحية، مضيفاً: «الذهب سلعة وليس سهماً أو سنداً توزع عوائده، وبالتالى الربح هنا عبارة عن نمو فى سعر سلعة لا يمكن توقع حركتها ارتفاعاً وانخفاضاً، لعدم وجود معطيات كثيرة تستطيع التنبؤ وفقاً لها، لكونها خاضعة لأداء البورصات العالمية وتحوط الدول والتقلبات الدولية».

وصفى واصف: يحافظ على مدخرات المواطنين على المدى البعيد بلا مكاسب حالية
وتابع: فى حالة لجوء المواطن إلى الاستثمار فى الذهب بمبلغ قيمته 100 ألف جنيه سيكون ذلك وعاءً آمناً بالفعل، لكنه فى المقابل سيخسر فرصة استثمار بديلة كانت من الممكن أن تحقق له ربحاً أسرع، ويضيف: لا شك أن عدداً كبيراً من المواطنين لديهم ثقافة شراء الذهب كإحدى الوسائل الآمنة لأنهم يعتقدون أن ارتفاعاته المتوالية تحقق لهم ربحاً كبيراً، إلا أن ذلك اعتقاد خاطئ، لأنه وعاء للحفاظ على قيمة الأموال. ولفت إلى أن أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمحدودة يلجأون للاستثمار فى الذهب كقناة استثمارية آمنة ومضمونة، مثل بعض الأفراد الذين يمتلكون سيولة بين 30 لـ30 ألفاً ويريدون استثمارها، مضيفاً: هنا سيكون الذهب الخيار الأفضل، خاصة أن الاستثمار فى العقار والبورصة والودائع يتطلب مستويات سيولة مرتفعة، علاوة على أن تأثير القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعى التى تستعرض حركة ومسار الذهب يمثل عاملاً محفزاً على الاستثمار فى الذهب وشرائه.

من جهته، يقول هانى ميلاد، رئيس شعبة الذهب والمجوهرات بالغرف التجارية إن قطاعهم تأثر سلبياً فى الفترة الأخيرة، بسبب هبوط وصعود الذهب بالبورصات العالمية، إضافة إلى تدنى الحالة الاقتصادية للمواطن المحلى بشكل عام مؤخراً، وأشار إلى أن الفترة الحالية تشهد تراجعاً ملحوظاً فى مبيعات الذهب.

وأضاف أن السوق المحلية تعانى حالياً من ضعف فى السيولة، واتفق أن تدنى الأحوال الاقتصادية فى البلد وراء تراجع مبيعات الذهب، بجانب تأثر هذا القطاع بما يدور عالمياً من أحداث، لافتاً إلى أنه «فى نهاية المطاف القاعدة الأساسية تعود للعرض والطلب، فإذا كان الطلب يفوق العرض فإن الأسعار سترتفع، وأما إذا كان العرض يفوق الطلب فإن الأسعار ستنخفض».

وأوضح أن أسعار الذهب لن تنخفض أكثر مما كانت عليه خلال الفترة الماضية لأن هناك تقلبات سياسية على المستوى الدولى، مؤكداً أنه الذهب ما زال على الرغم من ذلك يحمل مزايا عديدة.

آراء المواطنين لم تكن مختلفة عن آراء العاملين بسوق الذهب، إذ تعتبر سناء داود - ربة منزل- أن الذهب يعد ملاذاً آمناً، لكن المشكلة تكمن فى أنه يحتاج إلى خبرة وصبر، موضحة أن بعض الأسر ترى خطوة فى اقتنائه، تخوفاً من السطو.

وتقول مريم نعمان، ربة منزل تستثمر فى الذهب: «فى كل عام أقوم بقبض جمعية وأشترى بها سبائك لأن المصنعية بتقل وأحتفظ به فهو لا يحتاج مبالغ مالية كبيرة.