إنّ للموتِ هالةً تُكلِّلُ الراحلين بغُلالةٍ من الحصانة، تجعلك غير قادرٍ على تذكُّر خطاياهم. على الأقل هذا ما يحدث معى. رحمةُ الله على السيد «مرسى العياط»، الذى لم أستطع أن أُلقِّبَه بـ«الرئيس» فى مقالٍ أو لقاءٍ أو كتابٍ، سواء فى عام حكمه، أو بعد سقوطه، ولا حتى بعد رحيله عن عالمنا بالأمس. منذ مقالى الأول عنه يوم تنصيبه، بعنوان: «هل يحكمنا المرشد؟»، والذى تنبأتُ فيه بأن المرشد هو الحاكمُ الفعلىّ لمصر فى عهد الإخوان، وهو ما أسفرت عنه الأيام، وحتى مقالاتى الأخيرة عنه إبّان ثورة 30 يونيو الشريفة، بعناوين: «خطأ مطبعىٌّ جارٍ تصحيحه»، «خطأ مطبعىٌّ بالقلم الكوبيا»، ثم «خطأ مطبعىٌّ تمَّ تصحيحه» بعد سقوط الإخوان، ثم «مصر سيدة العالم»، الذى كتبته يوم جلاء الإخوان عن القصر، وبينهما مئاتُ المقالات التى تُناهضُ فاشية الإخوان وإرهابهم الدموىّ. على أننى للحقّ قد بدأتُ معركتى مع الإخوان منذ عام 2005، وقت حصولهم على 88 مقعدًا فى البرلمان المصرى، ما أكّد حدسى بأن فيروس الإخوان قد بدأ ينتشر ويستشرى ويستقوى داخل مفاصل الجسد المصرى، ما أشعرنى بالخطر الداهم الذى يقتربُ من بلادى حثيثًا. والآن، وقد رحل السيد مرسى عن العالم، فليس له عندنا سوى الترحُّم على روحه، كما يليق بنا كفرسانٍ نبلاءَ لا نبارزُ موتى، ثمّ النسيان التامّ، لأن حسابَه لم يعد فى أيدينا، بل فى يد العزيز الجبّار، خالقنا الذى لا يُسامح فى دموع طفلة تيتَّمتْ، ولا حَزَن زوجة شهيد ترمّلتْ، ولا نزيف قلب أمٍّ ثكلتْ ابنها البطل يذود عن بلاده فى جيش أو شرطة. لكنّنا إذ ننسى السيد مرسى، بعدما وضعت حربُنا معه أوزارَها، إلا أن حربَنا مع فصيل الإخوان لم تنته بعد، ماداموا ينفثون سمومَهم فى الوعى المصرى بأخَسِّ الصور وأحَطِّها، مُستغلِّين الموتَ ذريعةً لتشويه الوعى العام بأغاليطهم التى بها وصلوا للحكم، وبسببها رحلوا عنه. منحوا السيد مرسى لقب: «شهيد»!، ويا لها من كلمةٍ خفيفة على اللسان، ثقيلة فى الدلالة. مُتناسين أنه، رحمه الله، قد صعدت روحُه إلى خالقها، وهو يُحاكَم بتهمة «خيانة وطن». بل جعلته الإخوانية اليمنية «توكُّل كرمان»: (آخر الأنبياء!)، فى مقطع سرقته من الشاعر «نزار قبّانى» فى رثاء جمال عبدالناصر، دون حتى الإشارة إلى المصدر، شأن لصوص الشعر. ولم تأتِ «كرمان» بجديد، فهى تُحاكى أربابَها الإخوان الذين سبقوها بتأليه الأصنام من البشر، فجعلوا من الإرهابيين «حسن البنّا» و«سيد قطب» شهيدين مقدسين!، وغير ذلك الكثير فى عام الإخوان التعس بمصر 2012- 2013.

 
فهذا «محمد عبدالراضى»، نائب الشورى، يقول: «النبىُّ فتح مكةَ فى رمضان، ومرسى فتح مصرَ فى رمضان»!، وهذا «راغب السرجانى» يقول: «فوزُ مرسى: آيةٌ من آيات الله، وزيارتُه السعودية: إسراءٌ، وعودته إلى مصرَ: معراجٌ»!، وهذا الشيخ «هاشم إسلام» يصفُ المتظاهرين ضد الإخوان بـ«الخوارج»، ويطالب بتوقيع «حدّ الحرابة» علينا، وهو تقطيع السيقان والأذرع من خلاف!، وهذا «رشاد البيومى»، نائب مرشد الجماعة، يصف كُتّابَ الرأى المناهضين للإخوان بأننا نحملُ فى قلوبنا «حقدًا دفينًا وعداءً سافرًا للإسلام والمسلمين»، يصلُ حدَّ «الكفر»!، وهذا «عادل عفيفى»، رئيس حزب الأصالة، يُطالب بالقبض على الداعين للتظاهر ضد الإخوان لأننا «قوى الشرّ الجبانة»، التى تستفزّ «القوى الوطنية الإسلامية الشريفة». ووصفنا بـ«الكلاب»، التى عواؤها لا يضرُّ قافلة تسير!، وهذا الشيخ «المحلاوى» وضع لنا «النبراسَ» الذى سنسيرُ عليه مع مرسى، طوال مدة حكمه، قائلا إن: «انتقاد الرئيس ومعارضته حرامٌ!، وطاعته فرضٌ مثل الصلاةِ، وواجبةٌ كطاعة الله ورسوله!، وبأن حكمَ الإخوان هو حكمُ الله»!، وهنا أدركنا أن «الإخوان» لا يمثلون «الإسلامَ» وحسب، كما أوعزوا للبسطاء، بل يمثلون «الله» ذاتَه، حاشاه، وتعالى!.
 
أخى المرحوم مرسى، حين انتفضنا ضدكم، لم نكن «كلابًا»، كما قال «عفيفى»، ولا «خوارجَ» كما زعم «إسلام». وحين أسقطناك لم نخرج عن مِلّة الإسلام، كما قال «البيومى». ولم نرَ فى طاعتك طاعةً لله ورسوله ولا صلاةً، كما أوعز «المحلاوى». ولم نرَ فى اقتناصك حكم مصر فتحًا لمكةَ، ولا إسراءً ولا معراجًا، كما رأى «السرجانى». أخى الراحل مرسى، لو كنتَ عاقبتَ أولئك «الضالِّين المُضِلِّين» بما قالوا من زور وبهتان وتجرؤ على الله، لربما كان لديك الآن فى قلوبنا شىءٌ من الذكر الطيب، ينفعُكَ اليوم فى آخرتك. لأن مواقفَ المرء جزءٌ من حسابه. لكنك يا عزيزى مرسى تركتَ الإخوان يجاوزون المدى فى ظلمهم وتجبّرهم وتخريبهم وعى البسطاء وتشويههم تاريخَ مصرَ. تركتَهم يزدرون الشعب ويهينون الوطن، ويصنعون آلهةً بشرية من دون الله، حاشاه. ومازالوا بعد رحيلك فى غيّهم سادرين. «أخى جاوزَ الظالمون المدى»!. «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم