كتب : نادر شكرى
تدين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قيام أجهزة الأمن بغلق كنيسة الأنبا كاراس السائح بقرية نجع الغفير بمحافظة سوهاج، وذلك عقب قيام عشرات من مواطني القرية المسلمين بمحاصرتها وترديد هتافات عدائية ضد المواطنين الأقباط، ما أدى إلى إصابة رجل دين مسيحي ومواطن آخر بعد التعدي عليهما بالعصي.
 
وأكدت المبادرة المصرية أن ممارسة الشعائر الدينية في صورة منفردة أو جماعية، داخل كنيسة أو منزل أو داخل مبنًى ديني حق أساسي، كفله الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدَّقت عليها الحكومة المصرية، ولا يجب أن يخضع لتحكم الأغلبية من السكان.
 
وانتقدت المبادرة المصرية قيام الأجهزة الأمنية بغلق كنائس تقام فيها الصلوات بانتظام بحجة عدم وجود تراخيص رسمية، وذلك بالمخالفة لقانون بناء الكنائس رقم 80 لسنة 2016 في المادة الثامنة منه، والتي تنص على استمرار ممارسة الشعائر في الكنائس والمباني الدينية وعدم غلقها حتى لو لم تحصل على التراخيص اللازمة أو لم تتوفر فيها شروط تقنين أوضاع الكنائس، وكذلك الخطاب المرسل من رئيس قطاع التشييد والعلاقات الخارجية بوزارة الإسكان في 6 يناير 2018 إلى القس ميخائيل أنطون ممثل طائفة الأقباط الأرثوذكس بلجنة توفيق أوضاع الكنائس والذي يفيد بأنه قد تمت مخاطبة عدد 14 محافظة بعدم وقف أي شعائر دينية بالكنائس المقدمة إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس بالمحافظات.
 
رصدت المبادرة المصرية 32 حادث توتر وعنف طائفي على الأقل منذ بداية تطبيق قانون بناء الكنائس وحتى إبريل الحالي، ترتبط جميعها بممارسة الشعائر الدينية، وأدت تدخلات مؤسسات الدولة المختلفة في نفس الفترة إلى غلق 22 كنيسة ومنع إقامة الشعائر الدينية الجماعية في المناطق التي تقع بداخلها.
 
وقال إسحق إبراهيم مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “هذه الاعتداءات مرشحة للتكرار والتزايد خلال الفترة القادمة، طالما استمرت طريقة تعامل لجنة توفيق أوضاع الكنائس مع الطلبات المقدمة إليها بنظام القطعة، ما يوفر الأجواء المناسبة للتحريض ضد وجود الكنائس، خصوصًا أن معدل إصدار القرارات بطيء للغاية، وأن اللجنة تتعامل مع الطلبات الأسهل في المدن أو القرى التي بها كثافة للمواطنين المسيحيين، ولم تتعامل مع الكنائس الموجودة في مناطق التوتر الطائفي أو التي قد تشهد أعمال عنف أو توتر طائفي”.
 
وأضافت المبادرة المصرية أن تكرار هذه الاعتداءات يدلل على فشل قانون بناء وترميم الكنائس في حل المشكلة التي طالما عانى منها الأقباط، بل إن القانون في الحقيقة قد سد الباب أمام التحايل على المعوقات السابقة، عبر الصلاة في المنازل ثم تحويلها إلى كنائس.
 
وطالبت المبادرة المصرية بإعادة فتح كنيسة الأنبا كاراس السائح بمحافظة سوهاج وجميع الكنائس المغلقة، لا سيما أن هذه الفترة من العام تشهد تنظيم أنشطة دينية كثيفة للمسيحيين، كما طالبت بمحاسبة الأطراف المحرضة والمسئولة عن تفاقم الأوضاع بقرية نجع الغفير. وجددت مطلبها بصدور قرار مجمع بالموافقة على كل الكنائس والمباني الخدمية التي قدمت أوراقها إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس دون انتظار لمعاينات أو إجراءات بيروقروطية من أجهزة الدولة الأخرى.
 
ورصدت المبادرة تسلسل أحداث قرية نجع الغفير بسوهاج حيث قام عشرات من مسلمي قرية نجع الغفير بمركز أخميم بمحافظة سوهاج بمحاصرة كنيسة الأنبا كاراس السائح الساعة الرابعة عصر الجمعة 12 إبريل الجاري، وذلك أثناء تنظيم خدمة مدارس الأحد للأطفال. ورددوا هتافات عدائية رافضة لوجود الكنيسة، ورشقوا المبنى بالحجارة، واستمرت الاحتجاجات قرابة الساعتين حتى وصلت التعزيزات أمنية. وتعرض القس باخوم جاب الله والقس باسيليوس زكري، الكاهنان المعينان من إيبارشية أخميم للخدمة الدينية بالقرية، واللذان كانا متواجدين بالكنيسة للسباب والضرب بالعصي أثناء خروجهما من المبنى في ظل تواجد قوات الأمن، ما أدى إلى إصابة القس باسيليوس ومواطن آخر يدعى أسعد بخيت بجروح بسيطة في الوجه والرأس، ونقلت قوات الأمن الكاهنين في سيارة شرطة إلى خارج القرية.
 
ووفقًا لإفادات متنوعة حصلت عليها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من قيادات دينية وشهود عيان، فإن إيبارشية أخميم قامت بشراء مبنى مساحته ثمانون مترًا مربعًا منذ سبع سنوات، مكون من أربعة طوابق، استخدم الأول منها كقاعة صلاة لإقامة الشعائر الدينية، بينما خصصت الطوابق الأخرى لتنظيم الأنشطة الخدمية ومدارس الأحد. وقبل أربع سنوات، قامت إيبارشية أخميم بإشهار المبنى كجمعية أهلية باسم جمعية الأنبا كاراس السائح مصرح لها بتقديم الخدمات الاجتماعية وتنظيم أنشطة دينية، وتخصيص الدور الأول بالمبنى ككنيسة تستخدم لإقامة الشعائر الدينية.
 
ثم قامت الكنيسة بشراء مبنى مجاور، مساحته خمسة وسبعون مترًا مربعًا، وبدأت منذ شهرين في بناء الأدوار العلوية له، مع ضمه إلى مبنى الكنيسة، بإزالة الحوائط الفاصلة بين المبنيين، وقدمت أوراق الكنيسة إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس وفقًا لقانون بناء الكنائس، متضمنة الرسوم الهندسية للمبنيين وكامل المساحة المقامان عليها.
 
وكانت أجواء من التوتر سادت القرية في اليوم السابق للأحداث، حيث اعترض عمدة القرية على بناء سقف الدور الرابع وضم المبنيين، واتصل بمسئولي الوحدة المحلية لقرية نيده التابع لها نجع الغفير، حيث جاءوا وقاموا بمصادرة مواد البناء وكميات الحديد والأسمنت الموجودة بالمكان، مع تكليف بعض أفراد الأمن بحراسة المكان.
 
واستدعى مسئولو الأمن الوطني بالمحافظة القس باخوم مساء الجمعة الماضي وتم الاستماع لأقواله في الأحداث، ثم أبلغ بأنه سيتم غلق المبنى وعدم السماح بممارسة الشعائر الدينية والخدمات المقدمة بسبب أجواء التوتر السائدة بالقرية. هذا، ولم يتم القبض على أيٍّ من المتجمهرين الذين حاصروا الكنيسة.