خالد منتصر
أن ترحل قامة علمية مثل د. صلاح قنصوة، أستاذ فلسفة العلم، دون كلمة رثاء فى الإعلام المصرى، فتلك علامة من علامات التردى، ودليل من أدلة الرداءة والعشوائية، هذا الرجل كنت أجلس أمامه وأنا طالب فى ندواته فى نادى هيئة تدريس جامعة القاهرة، مبهوراً بقدرته الفذة على التحليل والمنطق المفحم، خاصة لمن كانوا قادة فى التيار الإسلامى حينذاك، كانت الجلسة تضم قامات من كتيبة التنوير المصرية، منهم د. عماد أبوغازى، ود. سيد البحراوى، ود. عبدالمحسن طه بدر، ود. أمينة رشيد.. إلخ.

د. صلاح قنصوة كان يجهزه القدر لوراثة د. زكى نجيب محمود ود. فؤاد زكريا فى حماية عرين العلم والعقلانية، لولا هجمة الزهايمر اللعين الذى خصم من سنوات النُّضج والعطاء الكثير، د. صلاح قنصوة رائد من رواد فلسفة العلم، ولا غنى عن قراءة كتبه فى هذا المجال، خاصة رسالة الدكتوراه التى كتبها عن الموضوعية فى مناهج العلوم الإنسانية، هذا الرجل الذى ناقشه د. زكى نجيب فى الماجستير عن القيم والعلم، وقال فى سابقة لم تحدث بعد ذلك عن د. قنصوة:

فلتنتبهوا، أنا لا أناقش طالباً عادياً، أنا أناقش زميلاً استطاع أن يكون نداً، ذهب بعدها فى منحة إلى النرويج لمدة سنتين، حصل د. قنصوة على جائزتى التفوق والتقديرية، وكان مقرراً للجنة الفلسفة فى المجلس الأعلى لدورتين متتاليتين، واستعان به د. فوزى فهمى، ليُشرف على مناهج البحث فى الأكاديمية، وقت رئاسته لها، للأسف كتبه غير متوافرة الآن، وأطالب د. هيثم الحاج بإعادة طبع أعماله الكاملة، وسيكون هذا هو الرثاء الحقيقى وتعزية للعقل فى زمن التعزية فى العقل، ودفنه فى مقابر الخرافة، أقتبس لكم بعض الجمل البليغة الرائعة من كتبه، التى كانت تتمتع، إلى جانب قوة المنطق، بلغة رشيقة وتعبيرات منحوتة بجمال وعذوبة، يقول د. صلاح قنصوة:

المثقف مع السلطة نصف ضحية ونصف شريك.

يحس الأفراد بأنهم ليسوا مواطنين، لكن مجرد سكان يقطنون البقعة نفسها.

مثقف الصالون مختلف عن مثقف الميكروفون.

لدينا مفهوم خاطئ للتراث بأنه مستودع أو ترسانة يمكن أن نضع خطة لجرد محتوياتها.

رجل الدين صار صاحب مكتب خبرة دينية.

الدين والعلم فى اختلاف لا تناقض.

نحن نحتاج إلى الحوار، لا المونولوج، المقياس لا بد أن يكون هو الحجّة والدليل وليس المألوف أو القديم، فسبيلنا إلى التقدّم هو شق الطرق بالأسئلة الجديدة، وليس التسكع فى دروب مهدتها من قبل إجابات سابقة.
نقلا عن الوطن