الأقباط متحدون - .. ومسح طبى نفسى لتلاميذ مدارسنا يا ريس
  • ٠٢:٤٠
  • السبت , ٢٧ اكتوبر ٢٠١٨
English version

.. ومسح طبى نفسى لتلاميذ مدارسنا يا ريس

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٢٦: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٧ اكتوبر ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

مقدمة ضرورية: ومن غيرك يا ريس يهمه شؤون وشجون شبابنا؟

-١-
قراركم - يا ريس - أن تكون مصر خالية من فيروس «c» فى وقت محدد، قرار حكيم باعثه قلب قائد فى مكانه الصحيح، قرار مفعم بآدمية وإنسانية، وهذه الملايين التى تعالج لترسو على شاطئ الشفاء، ترفع أيديها ضارعة للسماء أن يحفظ مصر ويحفظك من أى سوء، وفّرَّت على هؤلاء المرضى آلاف الآلاف من تكاليف العلاج، وبيوتنا تعرف كم تتكلف التحاليل الطبية وزيارة الطبيب وأيام المستشفى الخاص، أنت تريد بنية قوية تعمل بلا مرض ولا عوز، ما فعلته يحس به من يتعالجون وليس كل الناس، ولكن العقلاء فى هذا البلد يدركون ما معنى أن تحذف الدولة تكاليف العلاج من ميزانية البيت المصرى، وهى ميزانية لا تتحمل فيها الكتلة السكانية مبالغ العلاج الباهظة!

-٢-
عبر خمسين عاماً.. وأكثر من تجارب المهنة أحملها فوق ظهرى، تعلمت أن قرارا أو إشارة أو توجيها صادرا من السيد رئيس الجمهورية له قوة النفاذ وتلتزم به الدولة فى كل مراحلها، هذا أحد الأعراف التى درجنا عليها فى بلادنا، ولعلها إحدى «خصوصيات» مجتمعنا المصرى.

لهذا لجأت إلى رئيس مصر أرجوه فى قرار أُبوّة لمسح طبى نفسى لتلاميذ مدارسنا الابتدائية والثانوية، هذا المسح الطبى النفسى يكتشف مبكراً أى مرض نفسى يعانى منه تلميذ أو تلميذة، والمرض النفسى قلماً يعلن أو يفصح عن نفسه.

... فهو كامن ولا يمكن الكشف عنه إلا بملاحظة الأهل واكتشاف الطبيب للحالة، ومن هنا أتوسل لوزير التربية والتعليم أن يعيد للمدرسة المصرية «يوم الآباء» الذى يلتقى فيه الآباء مع مدرسى المدرسة يقدمون لهم فى غير مواربة ولا إخفاء ملاحظاتهم على أولادهم لتضعها المدرسة أمام العيادة النفسية، ومن المذهل أن العيادة النفسية - إن وجدت - فى المدرسة فهى تضم إخصائياً غير مدرب وأحياناً ممرضة! وفى المدارس الدولية إخصائى نفسى دارس علم نفس وعنده دراية بأعراض الأمراض النفسية، إن المرض النفسى قد يصاحب أولادنا وبناتنا من الحضانة ثم ابتدائى، باختصار المدارس الدولية والخاصة تحاصر المرض النفسى منذ بدايته، والمدرسة المصرية الحكومية لا تلتفت إليه وتتركه يرعى فى مراعى الإهمال!

-٣-
أهم الأمراض النفسية اللافتة للنظر لتلاميذ مدارسنا، هى: التوحد وفرط الحركة وتعثر التعلم والاكتئاب وأمراض أخرى خلقتها التكنولوجيا يعرفها أطباء نفس درسوا فى الخارج وخبروا تجارب مهمة غابت عن الطبيب النفسى التقليدى الذى يسمع شكوى المريض وهو مستلق فوق شيزلونج مريح! هناك مستجدات من الأمراض الحديثة التى لم أعرفها قط فى المدارس الابتدائية والثانوية التى تعلمت فيها فى بنى سويف وهى الاضطرابات السلوكية والصرع المفاجئ وكراهية المدرسة والتزويغ والإدمان للحشيش وربما لا يكتشف الأهل حالة الإدمان والتوهان وقد يعاقب مدرس الفصل هذا التلميذ ولا يدرى الأهل بالمرة، وبالطبع تتفاقم الحالة وهنا أهمية مجالس الآباء المنفذة بجدية ومواظبة فى المدارس الدولية والخاصة. إن الآباء والأمهات «مهتمون» بالتركيز على الدراسة والتفوق وإن كان أغلب الآباء لا يعلمون شيئاً عن أحوال أولادهم الدراسية!! والمدرس المصرى قليل الخبرة بالصحة النفسية ويتصور أن «توهان» التلميذ أو شروده هو نوع من الكسل، أو يعتقد أن صمت تلميذ طوال الحصة هو نوع من الأدب، لن يدرك بالطبع إلا الإخصائى النفسى أن الأول مدمن والثانى يعانى من أعراض «التوحد». ولو ترك المرض النفسى الكامن فإنه يحدث خلال المرض تصرفات سلوكية خارجة عن المألوف. إن الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان تتولى علاج ٤٥ ألف تلميذ فى سائر المحافظات من الإدمان، ولا أريد الحديث عن العقد النفسية التى تحكم طلاب وطالبات مدارس المتفوقين، فتلك قصة أخرى سببها التنافس المحموم داخل المدرسة!.

-٤-
لا وجود حقيقى للعيادة النفسية وقلما يوجد إخصائى اجتماعى أو نفسى فى المدرسة، وأى إخصائى تبعيته للتأمين الصحى! فلا أحد يتبع الأمانة العامة للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة. إن منظمة الصحة العالمية تضع على خريطة اهتماماتها الصحة النفسية. وأرجو ألا تصيبكم صدمة حين أقول بالأرقام التى لا تكذب عدد الإخصائيين النفسيين فى مصر ٢٠٠٠ إخصائى. فلو قمنا بمعرفة كم فرد لكل إخصائى، سوف نحصد نسبة مضحكة تعكس الدور المهمش للإخصائى النفسى! إن المتعارف عليه عالمياً ونجهله أن شهادة الصحة النفسية تضاف للشهادة الصحية.

إن مستوى التحصيل والتركيز فى الفصل يؤكد أهمية الصحة النفسية فى مدارسنا، شىء آخر مهم جداً أقوله على استحياء إن صحة المدرس النفسية ضرورة فى منظومة تعليم محترم وسوى، هناك «انفلات» فى تصرفات البعض فى مدارس البنات!.

-٥-
زمان فى أفلام إسماعيل ياسين كانت تتردد مقولة فى الحوار «عندى شعرة ساعات تروح وساعات تيجى»، هذه العبارة تلخص المرض النفسى للتلميذ، فأعراضه ساعات تروح وساعات تيجى! والطبيب النفسى عادة ما يتعرف على ظروف التلميذ المريض الاجتماعية وأسلوب معيشته، وهل هو ثمرة أبوين مطلقين وتزوجت الأم وتزوج الأب؟ وهل البنت تعيش مع أمها وزوج أمها بعد طلاق الأم من والدها؟ ومن هم أصدقاء التلميذ أو التلميذة، إن صداقات مدارس داخلية البنات فيها بلاوى تحتاج إلى عيادة نفسية! فى فيلم «آسف على الإزعاج» لأحمد حلمى، يقدم نموذجاً لمريض نفسى بالفطام ونرى ما يحدث له من ضلالات وهلاوس؛ وفى أحد الأفلام من بطولة شريهان كانت تعاقب بجلسات كهربا، من هنا، خطورة الدراما، حين تتعرض للمرض النفسى. إن المسح الطبى النفسى شديد الأهمية فى مجتمع يعانى الكبت ولا يتزوج ويحقق أحلاماً زرقاء بالإدمان، غريبة أن عدد الأطباء النفسيين المؤهلين للعلاج ٦٠٠ طبيب فقط ونسبة الإصابات النفسية بين المصريين ٢٤.٨%، والإخصائى النفسى دوره محدد.

-٦-
نحن قد همَّشنا الصحة المدرسية، وما الحديث عن ظاهرة التنمر التى أولاها المجلس القومى للطفولة والأمومة إلا مظهر ودلالة على التهميش، هناك ظاهرة العنف بين التلاميذ لابد من علاج، هناك ظاهرة البلطجة المبكرة فى المدارس لابد لها من علاج. هناك الرغبة فى الانتحار بين تلاميذ الثانوى، ظاهرة مخيفة، لابد من اكتشاف مبكر لأسبابها. إن المدارس الخاصة فيها كاميرات مراقبة فى حمامات المدرسة وبعض أماكن النشاط لمراقبة السلوكيات الخاطئة التى تنبئ بمرض نفسى. إن معنى البطولة غائب فى مدارسنا وإن استقر على نمط «البلطجى»!، وأردد مرة ثانية وثالثة أن «تواصل الأهل» مع المدرسة خطوة مهمة لملف الرعاية النفسية الصحية. إن هناك نقطة مهمة ينبه لها التربويون وهى ما يطلق عليه علمياً «التطبيع مع العنف»، أى التعرض لأفلام الأكشن وبرامج المصارعة الحرة، إن الرفض المجتمعى لصور العنف ينسف «التطبيع مع العنف» ويقتلع من أولادنا مظاهر العنف السلوكى.

-٧-
يا ريس، يا كبير القلب الذى يستشعر عذاب المرضى بفيروس «C» ويعلن خلو مصر فى زمان محدد، ويستشعر عذاب الغارمين والغارمات فى السجون للإفراج عنهم ليعودوا إلى بيوتهم بفرحة العمر بعد حل مشكلتهم بعدالة دولة، قادر - كأب - على التوجيه بمسح طبى نفسى لتلاميذ مدارسنا، سيرحب به البيت المصرى ويدق ناقوس الخطر لأهمية تواصل البيت مع المدرسة. أنت الراعى الذى يهمه جدياً شؤون رعيته.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع