الأقباط متحدون - جامع فيل.. علامةٌ فارقة في مسيرة الإندماج والتعايش في سويسرا
  • ١٤:١٥
  • الجمعة , ٢٦ مايو ٢٠١٧
English version

جامع "فيل".. علامةٌ فارقة في مسيرة الإندماج والتعايش في سويسرا

أخبار عالمية | swissinfo.ch

٤٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٦ مايو ٢٠١٧

بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الألبان المقيمين في سويسرا وخارجها، شهد حفل الإفتتاح مشاركة ممثلين عن السلطات المحلية والبلدية وعن أهم الطوائف الدينية الأخرى.
بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الألبان المقيمين في سويسرا وخارجها، شهد حفل الإفتتاح مشاركة ممثلين عن السلطات المحلية والبلدية وعن أهم الطوائف الدينية الأخرى.

يُخصّص منصّةٍ لحضور غير المسلمين خطبة الجمعة
بعد ستةٍ وعشرين عامًا من جمع التبرعات ورغبة الجالية الألبانية المسلمة المقيمة في مدينة «ڤيل» في بناء جامعٍ وملتقى لها، وبعد حوالي ثمانية أعوام على تصويت السويسريين لصالح قانون يحظر بناء المزيد من المآذن، تم تدشين «مركز اللقاء الإسلامي» الذي يضم جامعًا بلا مئذنة، لكنه أولُ جامعٍ سويسري يحتوي على منصّة لغير المسلمين تمكنهم من حضور صلاة الجمعة والإستماع إلى الإمام وهو يُلقي خطبته بلغة البلاد.

جاء ذلك نهار السبت 13 مايو 2017 في حفل شارك فيه حوالي ثلاثة آلاف شخص وحضره عدد كبير من رجال السياسة وممثلي الكنائس المسيحية في كانتون سانت-غالن ورجال دينٍ مسلمون، أئمة ومفتون، من ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا ودولٍ أوروﭙية أخرى، بالإضافة إلى ممثل عن الجماعة البوذية في سويسرا، وتخلَّفَ ممثل الديانة اليهودية بسبب عطلة السبت، لكنه حضر في اليوم التالي مُباركًا.

    أرقام ومعطيات
    تبلغ مساحة أرض الجامع 1425 متراً مربعًا بني على 1270 متراً مربعًا منها.

    دام بناؤه عامين من يونيو 2015 حتى مايو 2017 ويضم طابقًا تحت الأرض لمواقف السيارات.

    الطابق الأرضي منه خصص كملتقى لأبناء الجالية خارج أوقات الصلاة والزوار من أبناء المدينة، ويضم مطبخًا ومرافق صحية للرجال والنساء.

    في الطابق الأول يقع مصلّى للرجال ومكانٌ للوضوء، وقاعة للقراءة، وغرفة للمحادثة، ومكتب الإمام، ومكتب قيادة الجمعية، وشقة سكنية وقاعة دروس.

    أما الطابق الثاني، فقد خُصّص للنساء وفيه مُصلّى، ومكانٌ للوضوء، وملتقى ومطبخ، ومرافق صحية، وقاعة قراءة وحضانة للأطفال.

    أما الطابق الثالث، فقد خُصّص كمنصة لمن يرغبون بمتابعة صلاة الجمعة وخطبتها من غير المسلمين.

قبل تنامي عددهم، كان المسلمون الألبان في مدينة «ڤيل» يصلّون في جامع الأتراك. وعلى إثر تفكك يوغسلافيا السابقة وتنامي الهجرة الألبانية إلى الكنفدرالية، تولدت الحاجة لديهم إلى جامعٍ خاص، خصوصًا «أن الخطباء كانوا يأتون من تركيا فيلقون خطبة الجمعة بالتركية لأنهم لا يُجيدون اللغة الألمانية»، كما يقول بكيم عليمي، إمام الجالية لـ swissinfo.ch.

في البداية، استأجرت الجالية مكانًا خاصّا واتخذته مسجداً، لكن المكان كان ضيّقًا والعوائل الألبانية في المدينة في حالة تزايدٍ مستمر. بنظرةٍ متطلعة إلى المستقبل، انتظم أبناء الجالية في جمعية مسجلة وأنشأوا في عام 1991 حسابًا في أحد البنوك لجمع التبرعات أبلغوا به سلطات المدينة وفقًا لما يقتضيه القانون.

في عام 2006، بدأ طرح خطط بناء الجامع والتداول بشأنها داخليًّا. استمر الأمر ثلاث سنوات طُرحت خلالها خمس خطط للمناقشة، ولكن لم يُقر أيٌّ منها. في الأثناء، كانت الإعتراضات على بناء مآذن جديدة في كانتوني برن وسولوتورن قد بلغت المحاكم المختصة، ثم أُطلقت في عام 2007 المبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن، وانتهى جمع التواقيع لصالحها في عام 2008، وجرى التصويت عليها يوم 29 نوفمبر 2009.

يقول عليمي: «حتى عام 2009 لم نكن قد اشترينا أرضًا للبناء، ولم تكن الخطط النهائية قد وُضعت. لكن النية كانت موجودة، وكنا نستفسر عن بعض شؤون البناء لدى السلطات المختصة، فيسألوننا: هل تريدون بناء جامع بمئذنة؟ فنقول نعم، لأنه لم يكن يومها ما يمنع من ذلك. وهكذا اعتبرتنا وسائل الإعلام الجامع الثالث الذي تسبّب في مبادرة المنع التي أُقرت في نهاية 2009. في الحقيقة نحن لم ندخل في نزاع قانوني مع أحد حول المئذنة».

 ولكن ماذا تسمي 300 اعتراض قدمت ضدكم وما هي دوافعها؟

بكيم عليمي: لم نقدم طلبًا للبناء إلا في نهاية 2010، أي بعد مرور عامٍ على قبول المبادرة، وكان لابد أن نلتزم بالقانون ونحترم الرغبة الشعبية، لذلك لم يكن التصميم يحتوي على مئذنة، ولكن الإعتراضات جاءت بدوافع سياسية، مائتان منها من «ڤيل» ومائة من مدن سويسرية أخرى، وفي الواقع لم يكن من بين كل ذلك إلا عشرة اعتراضات في إطارها الصحيح، حيث ينص القانون على حق الجوار في الإعتراض بدائرة نصف قطرها 300 متر فقط.

 وكيف تعاملتم مع اعتراضات الجوار ومتطلباته؟

بكيم عليمي: قبل أن نقدم طلب البناء كنا دعوناهم في المسجد القديم وشرحنا لهم خطة البناء واستمعنا إلى مخاوفهم وسعينا جاهدين إلى عدم وقوع ما يثير تلك المخاوف، خصوصًا في مرحلة ورشة البناء. واتفقنا معهم على أن يخصصوا مهندسًا يحظى بثقتهم ليجلس مع مهندسنا لإيجاد حلول وسط بشأن أي قضايا أخرى، لكننا فوجئنا بأن التصاميم قد سُرّبت للصحافة. عندها قدمنا الطلب ووضعنا ثقتنا بالسلطات التنفيذية والقضائية، فرُدَّت جميع الإعتراضات وتمت الموافقة على طلبنا من قبل الجهات المختصة في المدينة وفي الكانتون.

السيد بكيم عليمي، إمام جامع "فيل"بكانتون سانت غالن.

 وهل انتهى النزاع عند هذا الحد؟

بكيم عليمي: لا، رفعوا القضية إلى محكمة الكانتون، فردَّت الدعوى، ثمَّ إلى المحكمة الإدارية الفدرالية، فردتها أيضًا، فانتظرنا بعد ذلك ثلاثين يومًا يحق لهم فيها الطعن لدى المحكمة الفدرالية، لكنهم اقتنعوا بخسارتهم ولم يُقدّموا طعنًا.

 ما هو مضمون الإعتراضات والدعاوى؟

بكيم عليمي: كانوا يطلبون أن يؤمّن الجامع مواقف سيارات أكثر، بحجة عدم كفايتها وأن المصلين سيضطرون إلى شغل المواقف العامة في الحي. ينص القانون على أن كل بناية يجب أن يُلحق بها مواقف سيارات بنسبة 0.1 لكل شخص، فوفقًا لهذه القاعدة كان مطلوبًا منّا 40 موقفًا للمصلين لأن الجامع يتسع لـ 400 مصلٍّ، بالإضافة إلى تسعة مواقف لأغراض أخرى. نحن لدينا 52 موقفا، لكنهم كانوا يطلبون مائة موقف.

    بكيم عليمي في سطور

    إمام جامع مدينة «ڤيل» ومعلّم مادة الدين الإسلامي في مدارسها.

    من مواليد عام 1973 في مقدونيا.

    درس العلوم الإسلامية في معاهد العاصمة سكوبيا ثمَّ التحق عام 1993 بجامعة الأزهر في القاهرة حيث استكمل دراسة العلوم الإسلامية إلى جانب الفلسفة وتعلُّم اللغة العربية.

    في عام 1998 التحق بوالديه المقيمَين في سويسرا وأقام معهما منذ ذلك الحين.

    يترأس حاليًّا "رابطة الجمعيات الإسلامية في شرق سويسرا وإمارة ليختنشتاينرابط خارجي".

    يعمل مترجمًا مع «مجموعة العمل من أجل الإندماج» في كانتون سانت-غالن وعضواً في هيئة تحرير جريدتها.

    يحضّر لنيل شهادة الماجستير في الفلسفة الإسلامية من الجامعة الأمريكية في القاهرة.

عن التكاليف ومصادر التمويل، يؤكد بكيم عليمي أنه لا يُوجد أي تمويل من دول إسلامية وأن تكاليف البناء قد جُمعت من تبرعات أبناء الجالية على مدى أكثر من عقدين، وبحسابٍ تطّلع عليه دائمًا الجهات المختصة وفقًا للأصول. ويشير إمام جامع «ڤيل» إلى أن الكلفة المقدرة كانت تبلغ 5 ملايين فرنك سويسري، لكن التخفيضات التي قدمتها الشركات التي تعهدت تشييد المبنى خفضت المبلغ إلى أربعة ملايين.

في هذا الصدد، يقول بكيم عليمي: «عندما اقتربنا من المباشرة في البناء عام 2015 لم تكن لدينا المبالغ الكافية، لكن كان لدينا 600 أسرة، كل أسرة تبرعت بألفي فرنك، وكان هناك خمسون شركة عاملة في سويسرا يملكها مسلمون، ألبان وغير ألبان، قدمت لنا تخفيضات، لا بل حتى الشركة السويسرية التي أنجزت 99 شبّاكا يحتاجها المبنى وترمز إلى عدد أسماء الله الحسنى، قدمت لنا الشبابيك بنصف السعر، وجاءتنا تبرعات من مساجد شقيقة بحدود 130 ألفًا. رغم كل ذلك لدينا الآن ديون بحدود 350 ألفًا.»

وهل وردتكم تبرعات من سويسريين؟

بكيم عليمي: نعم، وردتنا تبرعات إلى حسابنا المعلن من سويسريين لا نعرفهم. أحد السويسريين المنتسبين إلى حزب الشعب السويسري الذي كان وراء مبادرة منع بناء المزيد من المآذن، سألَنا: كم عدد سور القرآن؟ قلنا 114 فتبرع بـ 114 فرنكًا، ولاحظنا أن سويسريا آخر قد تبرع بنفس المبلغ بعد أن شاع هذا الخبر. لدينا فتاتان ألبانيتان تدرسان في المدرسة الكاثوليكة قامتا بحملة تبرعات بتشجيع من المدرسة. صحيح أن هذه المبالغ بسيطة، ولكن دلالتها فائقة.

 هل تلقيتم مساعدات من السلطات السويسرية؟

بكيم عليمي: لا، أبداً. بل دفعنا جميع الرسوم المطلوبة وفق القانون. لكن السلطات كانت متعاونة معنا إلى أبعد الحدود، وقد عكس الحفل الذي أقمناه في قاعة احتفالات المدينة، في المساء الذي سبق الإفتتاح، تحت عنوان «شكراً ڤيل»، مدى تقديرنا لهذا التعاون.

 وكيف هي الأجواء الآن بينكم وبين الجهات المعترضة، أو التي وقفت خلف مبادرة منع بناء المزيد من المآذن؟

بكيم عليمي: في حفل الشكر حضرت رئيسة برلمان المدينة وهي من حزب الشعب السويسري الذي كان الدافع الرئيسي للمبادرة، فألقت كلمةً عبرت فيها عن سعادتها بافتتاح الجامع وشددت فيها على قيم الحرية والتسامح والتعايش. وفي يوم الإفتتاح أرسلت نائبها بسبب ارتباطات كانت لديها.

في عام 2012 صدر قرار من المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في البلاد) يؤكد أن التزامات سويسرا في إطار القانون الدولي تتقدم على فقرات الدستور السويسري، مما يعني حسب البعض أنه يُمكن إجازة بناء المآذن، ألم تحاولوا الإستفادة من هذا القرار؟

بكيم عليمي: لا، فنحن ندرك أن عدم بناء المآذن يُعبّر عن رغبة لدى قطاعات واسعة من الشعب السويسري. لا نسعى للإستفزار أو التصادم، بل إلى التعايش. سيكون لجامعنا هلال ينتصب على سارية بطول ثلاثة أمتار، والهلال هو الرمز الذي يؤكد هويتنا الإسلامية في هذا المجتمع المتعدد. وقد قلت في كلمة الإفتتاح ما نصه: "قد يبدو شكل الجامع الذي بنيناه غير مألوفٍ بالنسبة لمسلم ألباني أو تركي، ولكن يراودنا السؤال؛ كيف يكون عليه الجامع المألوف؟ نقول؛ عندما يذهب الألباني إلى مكة فإنه يجد شكل الجوامع مختلفًا عما ألفه في بلاده، وعندما يذهب العربي إلى أفريقيا فإنه كذلك يجد شكل الجوامع مختلفًا عمّا ألفه في بلاده. وكما تختلف أشكال الجوامع من بلدٍ إلى آخر، كذلك فإن الطابع الإسلامي يختلف من بلدٍ إلى آخر. لا نقول إن هناك إسلامًا أوروﭙيًّا، ولكنْ هنالك إسلامٌ بطابعٍ أوروﭙـي".

وفي الختام، أكد إمام جامع «ڤيل» بكيم عليمي لـ swissinfo.ch أن «انتقادات المتشددين من البيئة الإسلامية لا تهمنا، فلنا فهمنا وظروفنا وأن هذا المركز الإسلامي يرسم استراتيجتنا التي لا تخضع لتأثيرات الشرق أو أية دوائر أخرى».

الكلمات المتعلقة
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.