الأقباط متحدون - مجرم صغير ومجرمون عتاة!
  • ١٩:٢٤
  • الخميس , ١٥ ديسمبر ٢٠١٦
English version

مجرم صغير ومجرمون عتاة!

مقالات مختارة | بقلم : مكرم محمد أحمد

٥٠: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠١٦

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

 أما المجرم الصغير فهو ذلك الجاهل الذى ارتدى الحزام الناسف تحت إغراء مجموعة من عتاة المجرمين استغلوا جهله بدينه، وغسلوا رأسه بأفكار شيطانية مفادها أن الحوريات العين سوف يكن فى انتظاره على أحر من الجمر فور صعوده إلى السماوات بعد أن يؤدى واجبه فى نصرة الإسلام والمسلمين!!، لأن أحداً لم يعلمه منذ الصغر أن الله أحسن الخالقين سواه وعدله وصوره على أحسن صورة كى يحسن التعامل مع بدع الله وخلقه، لا يهين جسده ولا يمتهنه ولا يؤذيه أو يأخذه إلى التهلكة، يفتك به ويفتك بعشرات الأرواح البريئة لأن الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس زين له طريق الغواية والشر!.

 
أما عتاة المجرمين فهم دهاقنة الجحيم الذين جعلوا من غواية النفوس الجاهلة حرفة موت وصناعة هلاك، ينتقونهم من بين الصفوف لأنهم الأجهل والأضعف والأقل ذكاءً والأشد حمقة، يوغرون صدورهم بالكذب ويشكلون نفوسهم كالصلصال وفق أهوائهم، يزرعون فيها الشر والحقد والكراهية والضغينة، ويجعلون من حياتهم على الأرض جحيماً لا يطيقون الأهل والإخوة والأشقاء، يعيشون فى أخيلة وأحلام يقظة كاذبة، ينتظرون لحظة العتق الكاذب فى رحلة شر بلا عودة!.
 
ومع الأسف لا تتوافر المدرسة أو حصة الدين أو درس الشيخ المعلم على تعليم هؤلاء الصغار حب الحياة والناس، واحترام النفس الإنسانية، وتقدير معنى الحياة وكيف نصونها، ولا تربى فيهم حب الخير والعطف على الضعيف والشفقة بالحيوان وجمال ألوان الفراشة، ولا تشرح لهم لماذا خلق الله الإنسان على أكمل صورة، يمشى على اثنين ولا يحبو على أربعة، ويرفع هامته لا يطأطئ الرأس، وقد يمضى معظم هؤلاء الأطفال حياتهم دون أن يتذوقوا فناً أو رسماً أو يرهفوا السمع لقطعة موسيقى أو يتوقفون أمام منظر جميل بما يجعل حياة معظمهم تخلو من رفاهة الحس وحسن التذوق وحب الجمال.. ولهذا يجد هؤلاء الدهاقنة فى خامة أطفالنا عجينة لينة يشكلونها كيف يشاءون.. وربما لهذه الأسباب كبرت هذه الصناعة لتصبح صناعة ثقيلة تتوافر عليها كل منظمات الإرهاب، حتى إن «داعش» شكلت فى العراق جيشاً من الأطفال الصغار، تعلمهم منذ نعومة أظافرهم، وابتداء من الخامسة، كيف يتعايشون مع الموت، ويفكون أجزاء البندقية الآلية، ويقذفون بالقنابل اليدوية، بينما لا ينتبه القائمون على أمر القانون لخطورة هذه الجريمة التى استشرت وتوسعت وأصبح لها مدارس مختلفة مع أنها أخطر جرائم الإرهاب وأشدها فظاظة، لأن ضحاياها عادة ما يكونون بالعشرات، تحصد الأرواح بالجملة فى مشاهد كارثية تبقى عالقة بالذهن الإنسانى أبد الدهر، وليس فى قانون العقوبات أى توصيف محدد واضح لجريمة إساءة تريبة النشء على هذا النحو الغليظ الذى جعل من الموت صناعة خطيرة!.
 
وبرغم أن القانون ينتبه الآن إلى خطورة دور ولى الأمر الذى يهمل فى تعليم أولاده، ولا يحرص على أن يستكملوا شروط التعليم الإلزامى، إلا أن القانون يعفى هؤلاء الدهاقنة من مسئولية جرائمهم البشعة التى تتطلب فى كثير من الأحيان احتجاز هؤلاء الأطفال فى ظروف مكانية ونفسية تفوق ظروف عقوبة الحبس الانفرادى!، ومع الأسف لا تبذل أجهزة البحث الجنائى جهداً كافياً لتكشف لنا عن أمكنة هذه المدارس التى تؤوى هؤلاء المجرمين الصغار، يتعلمون صناعة الموت على أيدى مجرمين عتاة!، ولا تتحرى على وجه الدقة بلاغات اختفاء الغلمان الصغار الذين يشكلون وقود هذه الصناعة وخامتها الأساسية كقنابل بشرية محتملة يتم تصنيعها على نحو كثيف!، ونرى كل يوم مآسيها ومواجعها فى بقاع العالمين العربى والإسلامى دون أن يلتفت أحد إلى خطورة هذه الظاهرة وانتشارها أو تنبيه إلى وسائل حصارها ومقاومتها!.
 
هل سمعتم من قبل عن عملية إلقاء القبض على هؤلاء المجرمين العتاة الذين يلقنون هؤلاء الأطفال صناعة الموت؟!، وهل شاهدتم محاكمة لأى من هؤلاء على امتداد عالمنا العربى؟!، رغم كثرة هذه المدارس واستفحال خطرها، ومع الأسف لا أعرف لماذا لا تتوافر أية دراسات اجتماعية وسيكولوجية وأسرية لبحث الأسباب التى أدت إلى أن تصبح هذه الظاهرة حصراً ظاهرة إسلامية، لا نرى مثيلاً لها فى الأديان الأخرى.. وباستثناء تحقيق صحفى موسع نشرته صحيفة الواشنطن بوست حول مدرسة مماثلة أنشأها تنظيم داعش فى مدينة الموصل، تقوم على استهواء هؤلاء الأطفال الصغار وسحبهم من ذويهم ليتم تربيتهم على نحو خاص فى عزلة حقيقية عن الأهل والأشقاء على أعمال فك الأسلحة وتركيبها، فى برنامج تتصاعد تدريباته العملية ودروسه النظرية ليصبح الأطفال جاهزين كى يكونوا مقاتلين يشاركون مع زملائهم معارك الكبار، وهم فى سن الثانية عشرة قبل أن يتم انتقاؤهم مرة أخرى فى مرحلة تالية متقدمة كى يصبحوا انتحاريين وقنابل بشرية تفجر نفسها وسط زحام البشر ليسقط العشرات من القتلى والجرحى!.
 
وبالطبع يتعرض هؤلاء خلال فترة التدريب لعمليات غسيل مخ مكثف تفرض عزلتهم على الآخرين، وباستثناء هذا التحقيق الصحفى يصعب أن نحصل على أية دراسات تكشف لنا أبعاد هذا العالم الظلامى لتربية قنابل بشرية فى عملية تصنيع ممنهج يختلط فيها العلم بالسحر والإفك بالخيال، هدفها الأوحد قتل المزيد من البشر بأقل كلفة إنسانية ممكنة وإنزال الرعب فى قلوب الجميع لأن أول الأهداف التى تتوخاها منظمات الإرهاب إنزال الرعب فى النفوس!.
 
ومع الأسف أيضاً لا يعالج الخطاب الدينى فى صورته التقليدية أو المعدلة مشكلة طرائق تربية النشء فى العالمين الإسلامى والعربى، مع أن سوء استخدام طرائق التربية الإسلامية قديم قدم جماعة الإخوان المسلمين التى كانت أول جماعة سياسية ترسم منهاجاً عملياً للتربية الدينية الحديثة يعتمد أساليب علم النفس والتربية، ويربى كوادر وقيادات وأسراً وخلايا سرية وعلنية، تخلط الدين بالسياسة، هدفها الاستيلاء على السلطة، لكن ما من شك أن تنظيمات داعش والقاعدة والنصرة قد تقدمت فى هذه المضمار شوطاً أبعد، ورتبت له آليات ووسائل جديدة تقربه من أن يكون صناعة متكاملة، تأخذ بأساليب غسيل المخ لتغير أنماط تفكير جماعات بعينها تعتمد العنف أسلوباً لفرض إرادة القلة على الكثرة الغالبة، كما تأخذ ببعض أساليب الشعوذة لإحكام سيطرتها على هذه الكوادر والجماعات التى شهدنا مثالاً لها فى طرائق عبدالرحمن السندى، أول رئيس للجهاز السرى لجماعة الإخوان المسلمين، وهو يقوم بطقوس تقاليد البيعة فى التنظيم الخاص للجماعة التى ينبغى أن تتم فى ظلمة حالكة السواد!، ويعنى ذلك فى النهاية أننا إزاء جريمة مركبة يتداخل فيها الاحتيال والنصب مع العلم والسحر والشعوذة لشل إرادة الضحية، بحيث تستجيب لأوامر معلمها مهما تكن فظاظة هذه الأوامر أو بعدها عن العقل أو الدين.
نقلا عن الوطن
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع