بقلم الأب يسطس الأورشليمى
تربت على المبادىء الخاطئة، فلا عجب أن تسلك حياة الخطيئة ليس لها ضوابط، تعيش كحياة الخنازير متمرغة في وحلة الخطيئة، لما كبرت نزلت إلى ميدان العمل ليس من أجل لقمة العيش، ولكن من أجل أن تشبع بخطيئة النجاسة، ولذلك عملت راقصة فكانت تقف أمام المرآة لعدة ساعات حتى تظهر في أجمل صورة أمام معجبيها وطالبيها وتظهر جزء كبير من جسدها وتغطي الجزء الآخر بما تمتلكه من جواهر ثمينة لتزيد من رغبة طالبيها، ثم تنزل من قصرها ومعها الوصيفات وتمتطي بغلا مزركس الشكل وتسير في موكب كبير وسط راغبيها ممن أفتنهم جمال العالم الزائل وشهواته النجسة، وقد كانوا يطلقون عليها مرجريتا ( كلمة يونانية بمعنى جوهرة )، وفعلا أنها كانت جوهرة الخطيئة وبؤرتها، ولكن مراحم اللـه كثيرة في أن يجعل أكبر الخطاة هم أعمدة الكنيسة وأمثولتها الطيبة مثل مريم المصرية ومريم المجدلية وبائيسة واللـه يعمل المعجزات.

إنعقد مجمع بأنطاكية بدعوه من بطريريكها فحضره عدد من الأساقفة بينهم الأب نونيوس أسقف الرامة، وكانت سيرة هذه الخاطئة على ألسنة الجميع وإذ رأى المجمع وهم ذاهبين إلى مكان إجتماعهم هذه الخاطئة بموكبها الخليع طرق الأباء رؤوسهم إلى الأرض، ماعدا الأب الوقور نونيوس الذي أخذ ينظرها، وإذ جلس الأب مع زملائه قال: " أنظروا هذه المرأة كم من الوقت أخذت تتزين أمام المرآة لمعجبيها لتظهر في أبهى صورة، أنها تبذل كل طاقتها لتحفظ جمالها وتمارس رقصاتها فتسر الناس، أما نحن فأقل غيرة في رعاية أيبارشياتنا والاهتمام بنفوسنا، في الليل إذ دخل الأسقف مخدعه كانت نفسه متمررة من أجل هذه المرأة التي يستخدمها عدو الخير لغواية الكثيرين، فصار يبكي بمرارة لكي يحررها الله من هذا الأسر ويهبها خلاصا.

وإذ نام رأى في حلم: أن طائر قبيح المنظر يحوم حول المذبح وهو يقدس القربان، ولما أنتهى من التقديس نظر إلى فوق فوجد الطائر القبيح يتجه إلى المعمودية ويغطس ثلاث مرات في جرن المعمودية ويخرج بدل منه حمامة جميلة المنظر، وفي صباح اليوم التالي وأثناء العظة التي كلها حماس عن التوبة والدينوية العتيدة، دبرت عناية السماء وإستجابت لصلوات هذا الأب القديس فقد كان من بين الحاضرين بيلاجيا التي حضرت تسوقها عناية السماء، ولما سمعت هذه العظة إرتعبت وفكرت في بداية جديدة تاركة ما أخذته من الخطيئة، وكتبت رسالة إلى هذا الأب القديس، قام بتسليمها غلام من أتباعها كتبت تقول إلى تلميذ المسيح القديس.

وتقول عن نفسها: ( تلميذة الشيطان وامرأة خاطئة )، ( بحر الشر، هاوية الدنس )، ( جوهرة الشيطان وسلاحه ).

 لقد سمعت عن محبة اللـه للخطاة والزناة، فلا ترذلني إذ أنا راغبة أن أرى بواسطتك المخلص، حينئذ أجتمع الأب نونيوس بالأساقفة وقرأ عليهم الرسالة وسمع بحضورها باكية، ونادمة تحت قدمي ذلك الأب الحنون الذي أعطاها الرجاء، ولما تأكد من صدق توبتها أعطاها سر المعمودية المقدس، بينما كانت بيلاجيا على سلم التوبة وإذ بالشيطان حزين جداً، لما أحدثت عنده من خسائر لأنها كانت تعمل لصالحه فحضر شيطان الزنا وتكلم في فكر بيلاجيا اخبريني يا سيدتي مارجيتا، ألم تكوني غنية بالذهب، ألم ألتزم بإدخال البهجة إلى قلبك، أخبريني حتى أرضيك ولكن لا تجعليني سخرية للمسيحيين، فلما جال بفكر بيلاجيا هذا الكلام رشمت نفسها بعلامة الصليب المقدسة، وقالت بعد أن نفخت في الشيطان: " إلهي الذي أختطفني من بين مخالبك وأحضرني إلى جلاله هو نفسه سوف يحاربك عنى"، وللتو أختفى الشيطان، جمعت هذه الطوباوية كل مقتنياتها وأعطتها لإشبينتها الشماسة رومانا التي أعطتها بدورها إلى الأب الأسقف الذي وزعها على الفقراء والمساكين، أما هي فحررت كل وصيفاتها وقالت لهم: أسرعوا وحرروا نفوسكم من هذا العالم الخاطىء الغير مستحق حتى أنه كما كنا معا في تلك الحياة الدنسة فنحيا معاً في حياة جديدة مملوءة بالقداسة والبر.

أتفقت بيلاجيا مع مرشدها الأب نونيوس على أن تتوحد في أورشليم بعد أن تغير ملامحها فأذن لها، وغيرت القديسة ملابسها وحلقت شعر رأسها وخرجت ليلا من عند الشماسة رومانا صديقتها وأنطلقت إلى أورشليم وسكنت مغارة على أنها راهب، واستمرت في صلوات وحياة نسكية شديدة ومقاومة لأفكار الخطيئة مدة أربع سنوات تقديما بكل تقوى، وقد أرسل الأب نونيوس شماسه الخاص للاستطلاع عن أحوالها قائلا له خذ بركة الأب بيلاجيوس لأنه رجل ناسك فذهب إليه وأستنفع بصلواته، ثم ذهب الشماس مرة أخرى وطرق الباب ولم يرد أحد عليه وأخبر الأب نونيوس وحضر الأباء وإذ بالقديسة قد إنتقلت من هذا العالم وساعة تجهيزها للدفن وجدوها امرأة، فعرفهم الأب نونيوس بقصتها وقال: أحمدك ياربي يسوع إذ لك كنوز مختفية في كل الأرض، إذ ليس لك رجالا فقط بل ونساء أيضا( ).