الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
ألّف فريرى هذا الكتاب عام ١٩٦٩، ويعرض فيه الأسس المنهجيّة لوعيٍ اختبره ما بين ١٩٦٢ و١٩٦٤ في البرازيل، حين كلّفتْه وزارة التعليم والثقافة بمسؤوليّة برنامج لمحو الأميّة استهدف نحو مليونين ونصف المليون من الأميّين.

يُوجَّه الكتاب إلى الثوّار، أي إلى أولئك الذين يرافقون الشعوب المقهورة في مسيرتها نحو الوعي والتحرّر. كما يقدّم منهجيّةً وعملًا يهدفان إلى تحويل العلاقات الإنسانيّة ذاتها.

ويرتكز تفكير الكاتب على قضايا أربعٍ رئيسة:
١. لماذا تعليم المقهورين؟
٢. لماذا يعجز التعليم التقليدي عن أن يكون محرِّرًا؟
٣. لماذا يقع الحوار في قلب العمليّة التعليميّة الهادفة إلى تحرير الإنسان؟
٤. ما سمات الحوار، أو ضدّ الحوار، في الفعل التعليمي والفعل الثوري؟

١. لماذا تعليم المقهورين؟
إنّ وضع القهر ينزع الإنسانيّة عن الظالم والمظلوم معًا. وهذا النزع هو ثمرة نظامٍ غير عادل يُنتج العنف ويعيد إنتاجه. غير أنّ هذه العمليّة ليست قَدَرًا محتومًا، بل يمكن تغييرها، بل يجب تغييرها. من هنا تبرز الحاجة إلى نظامٍ تعليميّ يكشف التشوّهات التي يُحدثها الوضع الظالم في وعي الإنسان بالعالَم وبذاته، ويحرّر في الوقت نفسه قوى التحوّل الكامنة فيه.

فالظالم والمظلوم يشتركان في حالةٍ من غياب الوعي، وفي نظرةٍ إلى العالم وإلى الذات ترى الواقع كأنّه غير قابل للتغيير. إنّ الوعي بهذا الانغماس في النظام غير العادل، بهذا الالتصاق به، يمثّل الخطوة الأولى نحو التحرّر ونحو التغيير الممكن. ويتطلّب هذا الوعي مسيرةً ومرافقة.

هذه المسيرة هي فعل التحرّر الأوّل، ولذلك يرتبط التعليم والتغيير ارتباطًا وثيقًا. فلا وجود لمنهجيّةٍ تعليميّة محايدة، إذ تعبّر كلّ ممارسة تعليميّة عن نظرة معيّنة إلى الإنسان. ومن ثمّ، يحمل التعليم في ذاته إمّا إمكانيّة التحرير أو إمكانيّة الاغتراب، لا عن طريق مضمون الأفكار التي ينقلها فحسب، بل أوّلًا من خلال نوع العلاقة التي يؤسّسها بين المعلّم والمتعلّم.

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ