محرر الأقباط متحدون
في حادثة أليمة هزّت الكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية الإثيوبية، استُشهد كاهنان من خدام الكنيسة في إقليم هورو غودرو وولّغا، عقب اختطافهما على يد مسلحين أثناء عودتهما من مناسبة كنسية، في جريمة وُصفت بأنها مدبّرة ومقصودة، وأثارت حزنًا واسعًا في الأوساط الكنسية والشعبية.
وقعت الحادثة يوم الخميس 16 ديسمبر/ كانون الأول، عندما كان عدد من قادة ورجال الكنيسة الأرثوذكسية يعودون من الاحتفال بالعيد السنوي لكنيسة السيدة العذراء مريم صهيون في مدينة هاراتو، التابعة لمقاطعة جِمّا غَنّاتي.
وبعد انتهاء البرنامج الروحي، استقلّ المشاركون سيارة واحدة متجهين إلى مدينة شَمبورا، إلا أنهم تعرّضوا لاعتراض مسلحين قرب مدخل المدينة.
شهادات شهود عيان
وقال أحد رجال الدين الذين نجوا من الحادث، في شهادة مؤثرة:
“كان يوم عيد السيدة العذراء مريم. أنهينا البرنامج وعدنا مساءً، وعند حوالي الساعة التاسعة ليلًا أوقفنا مسلحون في الطريق.”
وأضاف موضحًا تفاصيل ما جرى:
“كنا عشرين شخصًا في السيارة. أخذ المسلحون عشرة منا وصعدوا بهم إلى الجبل، بينما تمكن الباقون من الهروب والاختباء في الحقول.”
وأكد الشاهد أن المسلحين كانوا يحملون أسلحة ثقيلة، من بينها بنادق قنص، وأغلقوا الطريق بشكل كامل.
وبحسب الشهادة نفسها، فإن المسلحين لم يتصرفوا بعشوائية، بل كانوا يحملون قائمة أسماء:
“أخذونا إلى الجبل وبدأوا ينادون الأسماء واحدًا تلو الآخر. من لم يكن اسمه موجودًا قالوا له: لست مطلوبًا، اذهب.”
وأضاف:
“في النهاية، اقتادوا أربعة أشخاص، بينهم كهنة ومرتل.”
ومن بين هؤلاء الأربعة، تم الإفراج لاحقًا عن اثنين بعد احتجاز دام نحو أسبوعين، فيما تم لاحقًا الإعلان عن استشهاد الكاهنين:
القس دساليني ناموصسا
القس دوغوما ضوفا
وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول ، وردت معلومات مؤكدة تفيد باستشهاد الكاهنين، بعد أيام من الاحتجاز.
وقال أحد المصادر الكنسية:
“تم الإفراج عن اثنين مساء الجمعة، أما القس دساليني ناموصسا والقس دوغوما ضوفا، فقد وردنا خبر استشهادهما صباح السبت.”
وعقب انتشار الخبر، عمّ الحزن الكنائس، وأُقيمت صلوات وطقوس حداد خاصة في المنطقة.
وأكدت مصادر كنسية أن عائلات الكاهنين حاولت استلام الجثامين، إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن:
“قيل للعائلات إن الجثامين لن تُسلّم، ولهذا لم تُقم حتى اللحظة مراسم الدفن.”
كاهن آخر من خدام الإقليم، طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، شدد على أن الجريمة لم تكن عشوائية:
“ما حدث كان مدبّرًا. المسلحون أنفسهم لم يكونوا يعرفون الضحايا، بل كانوا ينادون الأسماء من قائمة أُعدّت مسبقًا.”
وأضاف:
“حتى عندما حاول أقرباؤهم التواصل للمطالبة بالإفراج عنهم، كان الرد: لن نطلق سراحهم ولن نسلّم الجثامين. من خطط لهذا يقيم داخل المدينة.”
وأشار الكاهن ذاته إلى وجود توترات داخل قطاع التبشير في الإقليم، على خلفية انقسامات داخلية متعلقة بمواقف كنسية وإدارية، مؤكدًا أن التصعيد بلغ مرحلة خطيرة.
وفي هذا السياق، شدد كاهن آخر نجا من الحادث على أن الضحايا ليسوا سياسيين:
“هؤلاء كهنة سلام ومصالحة. لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالجماعات المسلحة.”
وأضاف ردًا على الاتهامات الموجهة إليهم:
“الكاهنان الشهيدان من أبناء المنطقة، ومن قومية الأورومو، وكانا يخدمان شعبهما بإخلاص.”
في المقابل، عبّرت بلدية شَمبورا عن حزنها عبر بيان رسمي، مشيرة إلى سقوط ضحايا آخرين في حوادث مشابهة نفذتها جماعات مسلحة غير نظامية.
كما أصدر قداسة أبونا نيقوديموس، مطران أقاليم هرر الشرقية، وولّغا الشرقية، وهورو غودرو وولّغا، بيان تعزية مؤثرًا قال فيه:
“خدمتم الكنيسة سبعة أشهر بلا أجر… بنيتم بيوتًا للكنيسة، أما أنتم فسقطتم في الحفر.”
إن استشهاد القس دساليني ناموصسا والقس دوغوما ضوفا يمثّل جرحًا عميقًا في جسد الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، ويعيد إلى الواجهة معاناة رجال الكنيسة والمؤمنين في مناطق النزاع.
وفيما تتعالى الأصوات المطالِبة بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، تبقى الكنيسة متمسكة برسالتها في السلام والصلاة، مقدِّمة شهداءها قربان محبة، ومجددة رجاءها بأن “نور الحق لا يُطفأ، ولو أظلم الطريق”.




