دكتور مهندس/ ماهر عزيز
المقال السادس ( 6 )
ثالثا : تاريخ أورشليم القدس ( تابع )
30 - محاولة قمع اليهودي :
أمر أنطيوكس رئيس الكهنة نفسه- وهو من ذوي النزعة اليونانية -أن يشترك في احتفالات تقديم الذبائح النجسة، وحاول في قسوة بربرية أن يمنع ممارسة الختان، وبذل كل ما يستطيع -مؤيدًا من أنصار الثقافة اليونانية -ليجعل من أورشليم مدينة يونانية. ولكي يؤمن مركزه بني سورًا قويًا وبرجًا عظيمًا للقلعة، وزودها بالأسلحة والمؤن، وترك فيها حامية قوية (1 مك 1: 33-35). لكن السوريين تجاوزوا الحدود، فكانت ثورة المكابيين هي رد الفعل الطبيعي ضد الاضطهاد ومحاولات القمع الديني.
31 - الثورة المكابية :
أدت هزيمة القائد السوري ليسياس وتراجعه، ثم موت انطيوكس أبيفانس، إلي تغيير كامل في السياسة من جانب حاشية الملك الصغير أنطيوكس الخامس، فقد صدر عفو عام مع السماح بإعادة العبادة في الهيكل علي الصورة التي كان يمارسها الأسلاف.
32 - تدشين الهيكل :
(165 ق.م.) في السنة التالية (165 ق.م) وجد يهوذا المكابي "المقدس خاليًا والمذبح منجسًا والأبواب محرقة، وقد طلع النبات في الديار كما يطلع في غابة... وغرفات الكهنة مهدومة" (1 مك 4: 38)، فشرع فورًا في إعادة بناء المذبح، واستئناف الخدمات في الهيكل، وهو عمل أصبح عيدًا يحتفل به منذ ذلك الوقت تحت اسم "عيد التجديد أو التدشين" (1 مك 4: 52-59؛ 2 مك 10: 1-11؛ انظر يوحنا 10: 22). وبني يهوذا "علي جبل صهيون من حوله أسوارًا عالية وبروجًا حصينة" وأقام فيه جيشًا للحراسة، محولًا إياه إلي قلعة حصينة (1 مك 4: 41- 61).
33 - هزيمة يهوذا واستسلام المدينة :
عاني الحزب اليوناني كثيرًا نتيجة ردة الفعل هذه، وحوصرت الحامية السورية في القلعة- التي كانت تمثل قبضة سوريا علي اليهودية- حصارًا محكمًا، ولكن رغم أن يهوذا قد هزم ثلاثة جيوش سورية في العراء، لم يستطع أن يطرد هذه الحامية. وفي 163 ق.م. أتي جيش سوري عظيم ومعه العديد من الجمال والأفيال لنجدة الحامية المحاصرة، وقد ضاق عليها الخناق. وقام ليسياس ومعه الملك الصغير نفسه (أنطيوكس الخامس) بالزحف علي المدينة من الجهة الجنوبية عن طريق "بيت صور". فانهزم يهوذا في "بيت زكريا"، وقُتِلَ أليعازار أخوه، واستولي السوريون علي أورشليم، واستسلمت القلعة التي علي جبل صهيون، التي كانت تحيط بالهيكل بناءً علي المعاهدة التي تم عقدها، ولكن عندما رأي الملك الموضع حصينًا، نقض الحلف وأمر بهدم التحصينات (1 مك 6: 62). ورغم ما أحاط بالموقف من عوامل اليأس، استطاع يهوذا وأتباعه أن ينجوا بأنفسهم. وفي ذلك الوقت، قام فيليب - وهو شخص ادَّعي المُلك- بثورة في جزء ناءً من الإمبراطورية، فاضطر ليسياس إلي عقد هدنة مع اليهود الوطنيين، كانت أكثر إرضاء ليهوذا مما كان قبل هزيمته، ولكن ظلت الحامية في القلعة لتذكر اليهود باستمرار بأنهم لا يتمتعون بالاستقلال. وفي 161 ق.م. جاء قائد سوري آخر، هو نيكانور للقضاء علي الثورة المكابية، واستطاعوا أن يستميلوه إلي جانبهم في البداية، لكنه بتحريض من الحزب اليوناني قام بمهاجمة يهوذا، لكنه انهزم في أداسا إلي الشمال قليلًا من أورشليم. على أن يهوذا لم يهنأ طويلًا بهذا الانتصار.
34 - موت يهوذا في 161 ق.م :
وبعد شهر من الزمان، ظهر بكيديس أمام أورشليم، وقتل يهوذا في أبريل 161 ق.م. في معركة معه في بيرية، واحتل السوريون المدينة وما حولها. ومع هذا كان يوناثان اخو يهوذا في 152 ق.م.، هو الحاكم الفعلي للبلاد، الذى استطاع عن طريق مفاوضات تتسم بالدهاء، مع ديمتريوس والإسكندر -المطالبين بعرش أنطاكية- أن يكسب أكثر مما كسبه أي فرد من أفراد أسرته، فتعين رئيسا للكهنة ونائبًا للملك في اليهودية.
35 - إصلاحات يوناثان :
جدد يوناثان المدينة وأعاد بناء قلعة الهيكل بحجارة منحوتة (1 مك 10: 10-11) وارتفع بالأسوار، وبني جزءًا كبيرًا من السور الشرقي الذي كان قد تهدم، ورمم "السور المسمي كافيناطا" (1مك 12: 36-37). وشيد حائطا عاليا بين القلعة والمدينة ليفصلها عن الحامية السورية.
36 - استسلام المدينة لأنطيوكس سيديتس (134 ق.م) :
وأخيرًا استولي سمعان -الذي خلف يوناثان -علي القلعة في 139 ق.م، ويقول يوسيفوس إنه لم يكتف بتدمير القلعة، بل سوي التل الذي كانت تقوم عليه بالأرض (انظر 1 مك 14: 36-37). وبعد ذلك بخمس سنوات حاصر انطيوكس سيديتس -في السنة الرابعة لملكه - يوحنا هيركانوس (134 ق.م) في أورشليم، وفي أثناء الحصار أقام الملك السوري مائة برج، ارتفاع كل منها ثلاثة طوابق في مقابل السور الشمالي، ومن المحتمل أنها قد استخدمت فيما بعد في بناء أساسات السور الثاني. وأخيرًا رشا أنطيوكس بإطلاق سراح الأسري الرهائن، وبدفع جزية باهظة، يقال إن هيركانوس قد حصل عليها بفتح قبر الملك داود، ومع كل ذلك فإن الملك حطم التحصينات التي كانت تحيط بالمدينة.
37 - أبنية الأسمونيين :
أقام الأسمونيون في أيام ازدهارهم الكثير من الأبنية، فكان هناك قصر عظيم علي التل الغربي (الغربي الجنوبي) يطل علي الهيكل، وكان يتصل به -في وقت من الأوقات -بقنطرة فوق التيروبيون. كما شيدت في الجانب الشمالي من الهيكل، قلعة- لعلها قامت مكان قلعة أخري أقيمت في عصور ما قبل السبي، وكانت تعرف باسم "باريس" -وهذه القلعة هي التي وسَّعها هيرودس فيما بعد، وأطلق عليها اسم قلعة "أنطونيا".
38 - تدخل روما :
ونتيجة للصراع بين الأمراء الأسمونيين في أواخر عهدهم، تعرَّضت المدينة لأخطار كثيرة، ففي 65 ق.م. ثار هيركانوس الثاني، بتحريض من أنتيباس الأدومي، ضد أخيه أرستوبولس الذي كان قد تنازل له عن المطالبة بالسلطة. وبمعونة أريتاس ملك النبطيين حاصر أرستوبولس في الهيكل، لكن القائد الروماني سكاروس- بأمر من بومبي- أرغم أريتاس علي التراجع ثم ساعد أرستوبولس فانتصر علي أخيه.
39 - بومبي يستولي علي المدينة عنوة :
بعد ذلك بسنتين (63 ق.م)، وبعد أن تقابل بومبي مع رسل الفريقين، حاملين معهم الهدايا بالإضافة إلي هدايا الفريسيين، جاء بنفسه لتسوية النزاع بين المتنافسين، وإذ مُنِعَ من دخول المدينة، استولي عليها عنوة، وشق طريقه إلي "قدس الأقداس" لكنه ترك ذخائر الهيكل دون أن يلحقها ضرر، وهدم أسوار المدينة، وأعاد هيركانوس الثاني رئيسًا للكهنة، أما أرستوبولس فَأُخِذَ أسيرًا إلي روما، وهكذا أصبحت المدينة خاضعة للامبراطورية الرومانية، ولكن "لوسنيوس كراسوس" الوالي السوري عند قيامه بحملته ضد البارثيين Parthians في 55 ق.م. حمل معه من الهيكل الأموال التي تركها بومبي.
40 - يوليوس قيصر يعين أنتيباترا واليًا (47 ق.م.) :
في 47 ق.م. صار أنتيباترا - الذي ظل طيلة عشر سنوات، يكتسب قوة باعتباره مشيرًا متطوعًا لهيركانوس الضعيف- مواطنًا رومانيًا، وعُيِّنَ واليًا من أجل الخدمات المادية التي استطاع أن يقدمها ليوليوس قيصر في مصر. وفي نفس الوقت أعطي القيصر الإذن لهيركانوس ليعيد بناء أسوار أورشليم بالإضافة إلي امتيازات أخري. وقد جعل أنتيبايرا أكبر أبنائه فاسيليوس حاكما علي أورشليم، وعهد بالجليل إلي أصغر أبنائه هيرودس.
41 - غزو البارثيين :
في 40 ق.م. خلف هيرودس أباه واليًا علي اليهودية بأمر من مجلس الشيوخ الروماني، ولكن في نفس السنة قام البارثيون بقيادة باكوروس وبارزافرنيس بالاستيلاء علي أورشليم ونهبها، وأعادوا أنتيجونوس واليًا عليها، ونقل هيرودس أسرته وكنوزه إلي مسادا، وإذ عينه أنطونيوس ملكًا علي اليهودية، عاد في 37 ق.م. بعد مغامرات كثيرة، وبمساعدة سوسيوس الوالي الروماني، استولي علي أورشليم عنوة بعد حصار دام خمسة شهور، وبناء علي وعد بمكافآت سخية، منع العسكر من نهب المدينة.
[ يتبع ]
أهم المصادر :
1. ويكيبيديا: تاريخ فلسطين.
2. ويكيبيديا: مملكة إسرائيل الموحدة ومملكة يهوذا.
3. إسلام – أون – لاين: القدس – سيرة مدينة.
4. قاموس الكتاب المقدس.
5. دائرة المعارف الكتابية المسيحية.
6. Timeline for the History of Jerusalem(محفوظ) مؤرشف من الأصل في 25 نوفمبر 2016. وصل لهذا المسار في 16 أبريل 2007.
7. Freedman, David Noel ( 1 يناير 2000) . Eerdmans Dictionary of the Bible. Wm B. Eerdmans Publishing ص 694 – 95. ISBN:0802824005 مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه
بتاريخ 2007-08-07.
8. Greenfield, Howard (29 مارس 2005) .A Promise Fulfilled: Theodor Herzl, Chaim Weizmann, David Ben-Gurion, and the Creation of the State of Israel. Greenwillow. ص.32.ISBN:006051504X. مؤرشف من الأصل في 2022-07-04. اطلع عليه بتاريخ 2007-01-18.
9. Jerusalem: Illustrated History Atlas Martin Gilbert, Macmillan Publishing, New York, 1978, p. 7
10. دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، QID:Q1043319
11. https://web.archive.org/.../interacti.../Jerusalem,%20Israel. مؤرشف من الأصل في 2017-12-09.
12. قضية القدس – الدكتور: عبد التواب مصطفى، سلسلة قضايا إسلامية سبتمبر 2006، العدد رقم (139)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر.أكتوبر 06.
13. د شريف العلمي كتاب "سين جيم".





