بقلم / هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
في تطور قضائي بالغ الأهمية على صعيد الحياة النيابية والتشريعية، قررت محكمة النقض إحالة الدعوى المقيدة برقم 7805 لسنة 72 قضائية، والمقامة طعنًا على صحة انتخابات مجلس النواب بنظام القوائم لعام 2025، إلى المحكمة الدستورية العليا، مع تحديد جلسة 25 ديسمبر الجاري لنظر أولى جلساتها.

ويأتي هذا القرار ليعيد إلى الواجهة واحدة من أخطر الإشكاليات الدستورية المرتبطة بالعملية الانتخابية، والمتمثلة في مدى دستورية نظام القوائم الانتخابية، وما إذا كان قد شابه تناقض أو إخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في الدستور.

تتمحور الدعوى حول الطعن بعدم دستورية الأساس القانوني الذي أُجريت بمقتضاه انتخابات مجلس النواب بنظام القوائم، مع ما يترتب على ذلك – حال القضاء بعدم الدستورية – من آثار قد تصل إلى اعتبار نتائج الانتخابات كأن لم تكن.

وقد ارتأت محكمة النقض، بوصفها محكمة موضوع وقانون، أن الفصل في النزاع المعروض يتوقف على حسم مسألة دستورية تتعلق بالنصوص الحاكمة للنظام الانتخابي، الأمر الذي أوجب إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا وفقًا لنص المادة (29) من قانونها، باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين.

وتأتي الإحالة أيضًا لإنهاء حالة التناقض في التطبيق القانوني، وتوحيد الرؤية الدستورية بشأن نظام القوائم، حمايةً لمبدأ سيادة الدستور واستقرار النظام القانوني.

لا خلاف فقهي أو قضائي على أن المحكمة الدستورية العليا هي الحارس الأمين على الدستور، وأن أحكامها:
• ملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة
• واجبة النفاذ بذاتها
• تحوز حجية مطلقة لا تقتصر على أطراف النزاع .ووفقًا للمادة 195 من الدستور المصري، تكون أحكام المحكمة الدستورية العليا في المسائل المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح نافذة فور صدورها.

وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن: «أحكامها كاشفة عن حقيقة النص الدستوري، وتنسحب آثارها على الوقائع والعلاقات القانونية التي لم تستقر بعد بحكم بات».

وهو ما يعني أن الحكم المرتقب – أيا كان مضمونه – لن يكون أثره نظريًا أو محدودًا، بل ستكون له انعكاسات مباشرة على المشهد النيابي برمته.

ويتساءل المواطنين : ماهي السيناريوهات القانونية المرتقبة؟
السيناريو الأول: القضاء بدستورية النصوص محل الطعن في هذه الحالة:

• تستمر العملية النيابية على وضعها القائم
• تُغلق كافة المنازعات المثارة حول نظام القوائم
•    يُكرّس مبدأ الاستقرار التشريعي والمؤسسي

السيناريو الثاني: القضاء بعدم دستورية بعض النصوص مع تنظيم الأثر
قد تلجأ المحكمة إلى:

• الحكم بعدم الدستورية مع تحديد تاريخ لاحق لسريان الأثر
• حماية المراكز القانونية التي استقرت بحسن نية.
• منح المشرّع مهلة لتدارك العوار الدستوري
وهو نهج سبق أن تبنته المحكمة الدستورية العليا تحقيقًا للتوازن بين سيادة الدستور واستقرار الدولة.

السيناريو الثالث: القضاء بعدم الدستورية مع إلغاء النتائج
وهو السيناريو الأكثر تأثيرًا، إذ قد يترتب عليه:

• بطلان نظام القوائم محل الحكم
• اعتبار نتائج الانتخابات القائمة عليه غير دستورية
• فتح الباب أمام إعادة تشكيل الخريطة البرلمانية وفق أسس دستورية سليمة

مع التأكيد أن هذا السيناريو يخضع لتقدير المحكمة وحدها، في ضوء طبيعة النصوص المطعون عليها ومدى جسامة المخالفة الدستورية.

إن إحالة الطعن على انتخابات مجلس النواب 2025 إلى المحكمة الدستورية العليا لا تمثل أزمة، بقدر ما تعكس حيوية النظام القضائي المصري، وقدرته على تصويب المسار الدستوري عبر الآليات القانونية المشروعة.

ويبقى الحكم المرتقب – أيًا كان اتجاهه – عنوانًا لاحترام الدستور وسيادة القانون، باعتبار أن أحكام المحكمة الدستورية العليا نهائية وباتة وملزمة للكافة، لا يعلو عليها رأي، ولا يُستثنى من آثارها أحد.

وإلى أن تقول المحكمة الدستورية العليا كلمتها، يظل الجميع – سلطات وأفراد – تحت مظلة الدستور، خاضعين لأحكامه، ومؤمنين بأن العدالة الدستورية هي صمام الأمان للدولة ومؤسساتها.‬