بقلم: هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
يُعرف مخدر الشبو بأسماء شعبية متعدِّدة مثل «الكريستال» و«الميث» و«الآيس» و«السبيد»، وهو في جوهره الميثامفيتامين، أحد المنتمين إلى فئة المنشطات التخليقية المعروفة عالميًا باسم Amphetamine-Type Stimulants (ATS). لقد شهد سوق المخدرات العالمي في السنوات الأخيرة توسعًا هائلًا في إنتاج وتهريب هذه المواد التركيبية، حتى بلغت حالات ضبط وكمّيات المواد المركّبة أرقامًا قياسية عالمية في الأعوام الأخيرة. 

إن مخدر الشبو ليس مجرد مادة مخدرة، بل قنبلة موقوتة تهدم الإنسان صحيًا ونفسيًا، وتفتك بالأسر، وتهدد أمن المجتمع واستقراره. ومكافحة هذا الخطر لا تقتصر على العقاب وحده، بل تتطلب وعيًا مجتمعيًا، ودورًا أسريًا، وجهودًا علاجية وتشريعية متكاملة. 

وتُشير تقارير جهات رقابية دولية إلى أن انتشار المخدرات التخليقية صار يمثل تهديدًا حقيقيًا للصحة العامة، وأن استراتيجيات تصنيعها وتوزيعها تتطوّر بسرعة تُبقي جهات المكافحة في حالة ملاحقة مستمرة. كما أن الانتشار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يتزايد لافتًا.  

تشير بيانات وتقارير محلية ورسمية إلى تصاعد أعداد المتطلعين إلى برامج الرعاية والعلاج من الإدمان: فقد بلغ عدد من طلبوا خدمات علاجية خلال فترات متتابعة في 2024 عشرات الآلاف، مع تزايد ملحوظ في الحالات المرتبطة بالمواد التركيبية مثل «الشبو» و»ستروكس» وأنواعٍ أخرى.

يتساءل الكثيرين عن ما هو اثار مخدر الشبو  على الصحية والنفسية: تدمير الجهاز العصبي والاجتماع الإنساني.
الميثامفيتامين مادة ذات سُميّة عصبية عالية، وتؤدي تعاطيها المتكرر إلى:

• تلف الخلايا العصبية وحدوث تغيرات ثلاثية البُعد في الدارات الدماغية المسؤولة عن المكافأة والتحكّم بالدوافع؛
• هلاوس سمعية وبصرية واضطرابات ذهانية قد تتطور إلى انفصامٍ شخصيّ؛
• تدهورٍ جسدي يتجلّى في تشوّه الوجه، تساقط الأسنان، شيخوخة مبكرة، واضطرابات مناعية؛
• مخاطرٍ قلبية ودماغية جدّية (جلطات، انفجارات وعائية) قد تؤدي إلى الوفاة المفاجئة.

على المستوى السلوكي، يسبب الشبو اندفاعية مفرطة وفقدانًا لضبط النفس نتيجة اختلال وظيفة الفص الجبهي، ما يفسّر ارتباطه الواضح بارتفاع معدلات العنف والجنايات الخطيرة في مناطق متعددة.

هل العلاج ممكن؟ — نعم، وبشروطٍ واضحة.
الإدراك العلمي والوقائع الميدانية تؤكدان أن الإدمان على الشبو قابل للعلاج، وبنتائج إيجابية في حالات كثيرة حين تُوفَّر برامج علاجية متخصِّصة ومتكاملة. من أبرز النُهج العلاجية المعتمدة علميًا:
1.العلاج التحفيزي : لرفع استعداد المتعاطي للالتزام بالبرنامج العلاجي.
2.العلاج المعرفي-السلوكي : لتعديل الأفكار المحفِّزة للسلوك الإدماني وتدريب المريض على مهارات مواجهة الانتكاس.
3. برامج متابعة طويلة الأمد، ودعم اجتماعي/مهني، ورعاية للصحة النفسية المصاحبة.

وماذا عن المسؤولية الجنائية: هل يعفى المتهم إذا ارتكب جريمة تحت تأثير المخدر؟
الأصل العام أن تعاطي المخدرات طوعًا وبإرادة حرة لا يعفي المتهم من المسؤولية الجنائية، ولا ينال من قيام القصد الجنائي لديه.
أما الاستثناء، فقد نظمه المشرع المصري صراحة في المادة (62) من قانون العقوبات، والتي تنص على:
«لا يُسأل جنائيًا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الشعور أو الاختيار بسبب اضطراب نفسي أو عقلي، أو بسبب غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أُخذت قهرًا عنه أو على غير علم منه بها.

ويظل مسؤولًا جنائيًا من كان هذا الاضطراب قد أنقص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة ذلك في الاعتبار عند تقدير العقوبة.»

وبالتالي، فإن الإعفاء من العقاب مقصور فقط على حالات التعاطي القهري أو غير العمدي، مع ثبوت فقدان الإدراك ثبوتًا يقينيًا بتقرير طبي.

وماهي العقوبات المقررة قانونًا: لمواجهة الخطر؟
جاءت العقوبات في قانون مكافحة المخدرات صارمة ورادعة، حيث تنص المادة (34) من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 على: يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطي جوهرًا مخدرًا بقصد الاتجار، أو أدار أو هيأ مكانًا لتعاطي المخدرات بمقابل، وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانونًا.

وتُشدد العقوبة إلى الإعدام في حالات مخصوصة، منها:
• استخدام قُصَّر
• استغلال السلطة أو الوظيف
•ارتكاب الجريمة في دور العبادة أو التعليم أو المستشفيات
•    تقديم المخدر لمن لم يبلغ 21 عامًا
•    العود إلى ارتكاب الجريمة
• إذا كان المخدر من المواد شديدة الخطورة المدرجة بالجدول الأول

كما نصت المادة (39) على معاقبة من يُضبط في مكان مُعد لتعاطي المخدرات بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة، مع مضاعفة العقوبة في حال تعاطي مواد خطرة كالكوكايين أو الهيروين.

وماهي التداعيات المجتمعية لمخدر الشبو: من الأسرة إلى الاقتصاد والأمن العام؟.
لا تقتصر تداعيات الشبو على الصحة الفردية فقط؛ بل تمتد لتُهدِّد نسيج الأسرة، وتزيد معدلات الجريمة والعنف، وتثقل كاهل الأنظمة الصحية والجنائية، وتؤثر سلبًا على الإنتاجية الاقتصادية والمجتمعية. ولهذا فإن المعالجة الفعالة لا بد أن تكون متزامنة: إنفاذ قانوني رادع، برامج علاج وإعادة تأهيل فعّالة، تكثيف حملات التوعية، وضبط تدفّق المواد الأولية التي تُستخدم في تصنيع هذه المنشطات.

أن مخدر الشبو ليس تجربة… بل طريق إلى الهلاك واختيار يُكلّف المجتمع ثمناً باهظًا ، حيث شبهت تقارير دولية تدفّق المخدرات التركيبية في العقد الأخير بأنه «قنبلة موقوتة» موجهة إلى جيلٍ كامل. 

والتعاطي ليس حرية شخصية، بل جريمة في حق النفس والمجتمع. ومن هنا، فإن التحذير من الشبو واجب أخلاقي وقانوني، قبل أن يتحول المدمن إلى ضحية… أو إلى جانٍ

إن الوقاية والعلاج وإنفاذ القانون ليست رفاهيةً بل ضرورة وطنية.أخلاقية وقانونية لحماية المجتمع وكرامة الإنسان. وعلى الدولة، والمؤسسات الصحية، والأجهزة الأمنية، والأسرة، ووسائل الإعلام أن تتكاتف فورًا لإطفاء بؤر الإنتاج والترويج، وتوسيع خدمات العلاج وإعادة الإدماج، وحماية الشباب من فخ هذه السموم المدمرة .