جمال كامل
على مدار أيام حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، رافقتكم حملة "أربع حيطان" في رحلة داخل الحكايات التي تحدث في مساحات مغلقة؛ حكايات لا تُرى، ولا تُسمع، لكنها تُعيَش كل يوم داخل آلاف البيوت.

الحكايات التي طرحناها لم تكن قصصًا فردية، بل مرآة لواقع تعيشه نساء وفتيات في كل مكان: زواج قسري، تزويج طفلات، عنف أسري، ابتزاز رقمي، اغتصاب زوجي، واستغلال اقتصادي ونفسي داخل علاقات يُفترض أن تكون مساحة أمان لا مساحة خطر.

وعبر ثماني حلقات، حاولت الحملة أن تكسر صمت “الأربع حيطان”، وأن تفتح نافذة على أنماط العنف التي تُمارَس خلف الجدران وتبقى خارج النقاش العام. لم تكن الحلقات مجرد سرد درامي، بل كانت أداة مقاومة ووسيلة لطرح الأسئلة حول القوانين، والممارسات، والصمت الاجتماعي الذي يسمح للعنف أن يستمر بلا مساءلة.

وخلال هذه الأيام، وصلت الحملة إلى أكثر من 2.5 مليون مشاهدة وتفاعل على منصات مؤسسة قضايا المرأة المصرية، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة لمساحات تتيح للنساء الكلام، وتقديم محتوى يطرح الحقيقة دون تزييف أو تلطيف، ويضع تجاربهن في قلب النقاش العام.

وفي ختام الحملة، نُظّم مؤتمر "الدراما وأصوات النساء" الذي جاء كمساحة للتأمل والمراجعة الجماعية لما طرحته الحلقات، وما كشفته من أبعاد اجتماعية وقانونية ونفسية للعنف. ناقش المؤتمر كيف يمكن للدراما أن تكون أداة لتغيير الوعي، وكيف يمكن للفن أن يكسر الصمت، ويعيد تقديم قصص النساء من موقع القوة لا الوصم. كما تناول المؤتمر الأبعاد القانونية للعنف الأسري، وأهمية وجود تشريع واضح وفعّال، بالإضافة إلى الجوانب النفسية التي تحتاج إلى دعم فوري ومتخصص، ودور الخطاب الديني في تشكيل المواقف تجاه العنف داخل الأسرة.

وانتهى المؤتمر إلى مجموعة توصيات محورية ركّزت على:
• ضرورة التوعية المستمرة كجزء أساسي من الوقاية من العنف.

• الحاجة العاجلة إلى التغيير التشريعي، وعلى رأسه إصدار القانون الموحّد لمناهضة العنف.

• تفعيل آليات حماية المبلغات والشهود والناجيات ضمن منظومة العدالة.

• التأكيد على أن الفن والدراما يمكن أن يكونا أدوات مؤثرة في كشف الواقع ودعم التغيير الاجتماعي.

وتكشف الحملة أن العنف القائم على النوع الاجتماعي ليس حالات فردية، بل بنية اجتماعية وقانونية تحتاج إلى إصلاح جذري. ومن هنا، تؤكد مؤسسة قضايا المرأة المصرية على الأهمية القصوى لإصدار القانون الموحّد لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات—قانون شامل يُعرّف كل أشكال العنف، يوفّر آليات حماية للناجيات، ويضمن مسارات قانونية واضحة وعدالة لا تستثني أحدًا. كما تؤكد ضرورة إصلاح قانون الأحوال الشخصية بما يعزز حماية النساء داخل الأسرة ويضع حدًا للهشاشة القانونية التي تكرّس العنف.

وبرغم انتهاء فعاليات حملة الـ16 يوم، تؤكد المؤسسة أن الحكايات لم تنتهِ، وأن العمل من أجل حماية النساء والفتيات مستمر، سواء بتغيير التشريعات، أو بزيادة الوعي، أو بكسر الصمت، أو بفتح مساحة جديدة ومختلفة لمواجهة العنف وتحويله من تجربة صمت… إلى قضية عدالة.

وأخيرًا العنف قد يحدث خلف أربع حيطان،لكن مواجهته تبدأ من صوت لا يُسكت، ومن قانون لا يستثني، ومن مجتمع يختار حماية النساء لا إسكاتهن.