بقلم/ هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
أثار التصريح المنسوب لوزير الصناعة والنقل المصري، اللواء كامل الوزير، خلال جولته بمعرض “فوود أفريكا”، والمتعلق بإمكانية حصول مواطن سوري على الجنسية المصرية مقابل زراعة خمسة عشر أو عشرين ألف فدان في الصحراء، حالة واسعة من الجدل والاستياء بين كثير من المواطنين.
في تقديري ان هذا التصريح قد جانبه الصواب إذ إن الحديث عن منح الجنسية المصرية – بهذه الطريقة – يتجاوز حدود الدقة ويمس ركيزة من ركائز السيادة الوطنية التي لا تقبل الاجتهاد أو التقدير الشخصي.
ويتعارض مع السياسة التشريعية للدولة المصرية التي تضع ضوابط صارمة ودقيقة لاكتساب الجنسية المصرية وفقًا لقواعد محكمة.
جاء الدستور المصري حاسمًا في شأن الجنسية، فنصّت المادة السادسة على الآتي: “الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية.”
وهذا النص يُكرّس مبدأين أساسيين:
1. أن الجنسية مسألة سيادية خاضعة لتنظيم تشريعي دقيق.
2. أن تحديد طرق اكتساب الجنسية بيد المشرّع فقط وليس السلطة التنفيذية.
وعليه، فإن التصريح المتداول يتعارض نصًا وروحًا مع الضوابط الدستورية والقانونية الملزمة.
حيث يحكم اكتساب الجنسية المصرية القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، وتعديلاته اللاحقة، ولا سيما قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 المتعلق بآليات منح الإقامة والجنسية مقابل الاستثمار.
وأهم ما جاء في القانون:
1– المادة (4) من قانون الجنسية
تنص على طرق اكتساب الجنسية بالتجنس وفق شروط محددة، منها:
• الإقامة القانونية لمدة متصلة لا تقل عن عشر سنوات.
• حسن السلوك.
• إجادة اللغة العربية.
• وجود وسيلة مشروعة للعيش.
ولا يوجد أي نص يسمح باكتساب الجنسية مقابل زراعة أراضٍ أو تنفيذ مشروعات زراعية.
وبالتالي فإن التصريح المذكور يفتقر إلى السند القانوني ولا يمتّ للواقع التشريعي بصلة.
2– المادة (9) مكرر – منح الجنسية مقابل الاستثمار.
يجيز القانون – وفق تعديلات 2019 – منح الجنسية مقابل:
• شراء عقار من الدولة.
• إنشاء مشروع استثماري.
• إيداع مبلغ مالي بالدولار كوديعة أو تبرع.
وحتى في هذه الحالات، فإن القرار النهائي يُتخذ عبر لجنة مختصة وبرقابة الدولة، وليس بسلطة وزير بعينه.
ونري ان هذا التصريح يتعارض مع توجيهات الدولة المصرية.
حيث تؤكد الدولة المصرية – دائمًا وبشكل واضح – أن الجنسية قضية أمن قومي وليست امتيازًا اقتصاديًا أو تفاوضيًا. ومن ثم فإن ربطها بزراعة الأراضي في الصحراء أو أي نشاط اقتصادي فردي يمثل انحرافًا عن السياسة العامة للدولة، ومخالفًا للنص الصريح للقانون.
إن حساسية منصب الوزير تتطلب أقصى درجات الدقة في التصريحات المرتبطة بالسيادة الوطنية. ومن ثم:
• يجب على الوزير المعني أن يصدر توضيحًا رسميًا لتصحيح ما ورد، حفاظًا على هيبة الدولة واحترامًا للرأي العام.
•ويتعين على الحكومة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان عدم تكرار مثل هذه التصريحات التي تمس قضايا سيادية خالصة.
ضرورة ضبط الخطاب الرسمي في القضايا التي تمس الهوية الوطنية
الجنسية ليست مجرد علاقة قانونية، بل رابطة انتماء وهوية وولاء. ولذلك فإن إطلاق تصريحات غير منضبطة حول منحها لأي شخص مقابل نشاط اقتصادي – مهما كان نافعًا – يمثل مساسًا بالقيمة الرمزية للجنسية المصرية التي اكتسبت مكانتها عبر التاريخ والتضحيات.
إن الشعب السوري الشقيق يربطنا به تاريخ ومصير مشترك، ومصر كانت وستظل سندًا لكل لاجئ انساني. غير أن الواجب الوطني – تجاههم وتجاه وطنهم – يقتضي: دعوة اللاجئين السوريين إلى العودة لتعمير وطنهم بعد انتهاء الحرب وعودة الاستقرار، والمساهمة في إعادة بناء سوريا وتطوير اقتصادها واستعادة ازدهارها.
وهذه الدعوة لا تنبع من تضييق أو رفض، بل من إيمان راسخ بأن بناء الأوطان لا يكون إلا بسواعد أبنائها، وأن العودة الكريمة بعد انتهاء الصراع حقّ وواجب وضرورة وطنية وإنسانية.
إن احترام الدستور والتشريعات الوطنية هو الضامن الأول لاستقرار الدولة وهيبتها.
إن الجنسية المصرية لها قيمة عليا تُكتسب وفقًا لنصوص صريحة لا تحتمل الاجتهاد. وقرار سيادي محصّن بالدستور والقانون. وأيّ خروج في الخطاب الرسمي عن هذه الثوابت يُعد مساسًا بجوهر الدولة وبمبدأ سيادة القانون.
وعلى جميع المسؤولين أن يدركوا أن الكلمة – حين تتعلق بالسيادة الوطنية – ليست رأيًا عابرًا، بل التزامًا دستوريًا يترتب عليه أثر، ويُحاسَب عليه قائلُه.
ومصر، بتاريخها ومكانتها، لا تُمنح جنسيتها إلا بضوابطها وقوانينها، حفاظًا على هويتها وصيانةً لمكانتها بين الأمم.
ومن ثم فإن هذا التصريح – مهما كانت حسن النية وراءه – يستوجب تصحيحًا واضحًا وحازمًا احترامًا للقانون ولثوابت الدولة المصرية.





