بقلم الأب يسطس الأورشليمى
      نشأتها : تعتبر هذه الأرملة القديسة من أشهر النساء الرومانيات من جهة التقوى والتكريس، فقد ولدت في 15 مايو سنة 347م من عائلة غنية جداً في المادة وغنية بالإيمان المسيحي، وقد تزوجت من رجل تقي وأنجب منها ابنا وأربع بنات فكانوا أمثلة لمدينة روما في الحياة التقية، وقد طرقت الأحزان باب هذه الأسرة لوفاه الزوج فأستغرقت باولا في الأحزان بشدة لأنها كانت تحبه وتتعلق به فأنتشلتها صديقتها القديسة مارسيلا الأرملة التي علمت روما بتوبتها وزهدها لمحبة العالم.

انفتحت بصيرة باولا الداخلية ومن ثم كرست حياتها، ولما كان لها رصيد روحي كبير في هذا الأتجاه أن سلكت في حياة نسكية صارمة، فكان طعامها البسيط وتركت الفراش الوثير وأعتزلت الحفلات والمجاملات وتضرعت للعبادة، وأخذت تخدم المحتاجين وتوزع الصدقات في محبة مسيحية.

وكان اسم القديس جيروم مرتبطا إرتباطا كبيراً بهذه القديسة فهو الذي أجتذبها لخدمة اللـه بأكثر عمقا خلال وجوده في روما، أحسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة ( يع 2:1).

كان من الطبيعي لهذه المجاهدة أن تحمل في حياتها ألوانا من التجارب وحمل الصليب كعلامة على صدق مسيرتها الروحية فبعد رحيل زوجها إنتقلت ابنتها الكبرى بليسيلا فجأة ثم أنتقلت باولينا زوجة باماخيوس ابنها وهي في ريعان الشباب ثم إنتقلت أيضا روفينا ابنتها ولم يبق من بناتها الأربعة سوى أوستخيوم.

كان قلب باولا يلتهب كل يوم حبا نحو الوطن السمائي وكان جو روما خانقا لهذه القديسة لأنها معروفة بعائلتها التي من أكابر روما، ولنقد العائلة لها أرادت ترك روما لتحيا في سكون وهدوء بعيدا عن أسرتها وأصدقائها فذهبت إلى قبرص مع ابنتها أوستخيوم حيث زارت القديس ابيفانيوس ثم ذهبت إلى أنطاكية حيث ألتقت بالقديس جيروم ...، وأنضم الكل معا لينطلقوا إلى مصر يلتقون ببعض رهبانها ومتوحديها وألتقت بالقديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الأسكندرية ثم إلى بيت لحم والأماكن المقدسة بالاراضى المقدسة، حيث أستقرت منها وأقامت بفندق لإستضافة الغرباء وديرا للرهبان وآخر للرهبات، وقد عاشت هذه القديسة مع ابنتها في دير الراهبات الذي أقامته تحب الصلاة والعمل والخدمة وكانت حازمة في إدارتها لهذا الدير.

وأستمرت القديسة باولا عابدة مصلية إلى أن بلغت من العمر 56 عاماً فدعاها السيد المسيح لتنطلق من أتعاب هذا العالم إلى الراحة الأبدية وذلك بعد أن أعتراها مرض فلازمت فراشها وأخذت تصلي مزاميرها وهي راقدة إلى أن رحلت في 26 يناير سنة 404م بين دموع ابنتها أوستخيوم التي حزنت حزنا شديدا على فراقها، فأرسل لها القديس جيروم رسالة عزاء اطفأت لهيب فراق أمها الراهبة باولا