محمد نبيل المصري 
في إحدى أشهر لحظات الخطابة في التاريخ المصري، وأمام حشد جماهيري هائل، تحدث الرئيس جمال عبد الناصر عن لقاء جمعه بمرشد جماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة، والذي طالبه بشكل مباشر بفرض الحجاب على النساء المصريات. فرد عليه عبد الناصر ساخرًا:

“إنت ليك بنت في الكلية وغير محجبة محجبة؟!”
فأجابه: “صحيح”.
فقال عبد الناصر: “طب إذا كنت إنت ما قدرتش تلبس بنتك الحجاب، عايزني أنا أنزل ألبّس 10 مليون امرأة؟!”
وهنا خرج صوت من بين الجمهور قائلاً:
“خليه يلبسها هو!”
لتنفجر القاعة بضحك طويل عميق، وصل حتى عبد الناصر نفسه، الذي توقف ضاحكًا قبل أن يستأنف حديثه.

هذه اللحظة لم تكن مجرد نكتة، بل كانت كاشفة. كانت ضوءًا صغيرًا يسلّط على جبل كبير من التناقضات، وعلى تاريخ طويل من محاولات السيطرة على حياة الناس بأفكار سطحية وشعارات دينية زائفة.

“خليه يلبسها هو”: لحظة شعبية ضد الوصاية
صوت الرجل الطيب الذي قال “خليه يلبسها هو” لم يكن تعليقًا عابرًا، بل كان تجسيدًا لصوت الشعب الذي يرفض أن تتحكم جماعة في شكله وسلوكياته تحت لافتة “الدين”. كان الضحك الذي تلاها ضحكًا على النفاق، على التناقض، على محاولات فرض ما لا يطبّق حتى على أهل الداعية نفسه.

تاريخ من التفاهات… لا قضايا
عبر تاريخهم، انشغل الإخوان بقضايا لا علاقة لها بحياة الناس الحقيقية، بل كانت في كثير من الأحيان تافهة بشكل يثير السخرية. بدلًا من الاهتمام بالصحة، التعليم، العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفقر، انشغلوا بـ:
    •    فرض الحجاب: وكأن خلاص الأمة في قطعة قماش. لم يتحدثوا عن تمكين المرأة في التعليم أو الاقتصاد، بل انشغلوا بشكلها الخارجي فقط.
    •    الدفاع عن ختان الإناث: واحدة من أكثر الجرائم النفسية والجسدية التي تُرتكب في حق البنات، وقفوا يبررونها بـ”أحاديث ضعيفة” وفتاوى متهافتة، رغم إجماع العلم والطب على ضررها.
    •    مهاجمة الفن والثقافة: شنّوا حملات ضد السينما والمسرح والغناء، واعتبروا كل ما لا يدخل ضمن تصورهم الضيق للحياة بأنه “حرام” و”فساد”.
    •    تحريم أعياد الميلاد وأعياد الأم والمناسبات الاجتماعية: لأنهم يرون فيها “بدعًا”، بينما لا يرون بدعة فرض الوصاية الدينية على الناس.

بين الوصاية والتناقض
جمال عبد الناصر لم يكن ضد الدين، بل ضد استغلاله. والضحك الجماهيري على تعليق “خليه يلبسها هو” كان رفضًا شعبيًا واعيًا لتدين زائف يقوم على التناقضات، ويهمل جوهر الدين في الرحمة والعدل والمساواة.

الإخوان لم يكن لهم مشروع تنموي أو اقتصادي حقيقي. لم نرَ منهم خطة واضحة لحل أزمة الإسكان أو البطالة، بل رأينا اهتمامًا بكل ما هو تافه، وكل ما يدخل في أدق تفاصيل الحياة الشخصية، في محاولة دائمة لفرض نموذج واحد للحياة… بالقوة إن لزم الأمر.

خاتمة: التفاهة ليست فقط مضحكة، بل خطيرة
ما يبدو تافهًا على السطح — مثل الدعوة لفرض الحجاب أو الدفاع عن ختان البنات — هو في جوهره مشروع سيطرة وهيمنة. والمجتمعات التي تقبل أن تتحكم فيها هذه الأصوات، تبدأ رحلة السقوط من الحافة: من الضحك إلى الظلام.