كمال زاخر

الجمعة 28 نوفمبر 2025

عرضتُ، عبر سطور الجزء الأول، من هذا الطرح، أزمة الكنيسة وسبل الخروج منها في تقديري، وافسح سطوري هنا لتفصيل ما أجملته، سعياً لأن تهتدي الكنيسة لسلامها، تستعيده وتبني عليه، لتنتهي إلى وقفة أمينة تضع حداً للتشاحن القائم عبر إليات العالم الافتراضيي بين أجنحة مجمع أساقفتها، الذي يهدم ولا يبني، يشتت ولا يجمع.

ولعل البداية في تبني الكنيسة (إكليروس وأراخنة) وضع  دستور جامع مانع يحدد ايمانها وطقوسها وخدمتها، تأسيساً علي التسليم الرسولي الأبائي والذي قننته ووثقته المجامع المسكونية في قوانينها، وخبرات الكنيسة علي الأرض، في ضوء حاجات العصر وتحدياته ومعوقاته، وهو عمل كنسي اكاديمي يستوجب تعاون وتكاتف كل مكونات الكنيسة، لننتقل من الفرد إلى المؤسسة، وهو عمل يوفر للكنيسة مرجعاً يتم الرجوع إليه بين المختلفين، ويحميها من الأراء الشخصية ومن الحكم بالانطباع الذاتي والذي قد يتشكل بعيداً عن ايمان الكنيسة القويم، وقد سبقتنا كنائس تقليدية رسولية إلى هذا.

وظنى أن هذا العمل الجسور سيسهم بشكل فاعل في حسم قضية التقارب المسكوني خارج السياقات البرتوكولية، وبغير تخوف من الابتلاع أو الذوبان، فلكنيستنا ثقلها التاريخي واللاهوتي ولا ينقصها الحكمة والقدرة علي بناء جسور حوار موضوعى جاد ومثمر لحساب وحدة الكنيسة، شهوة قلب رب المجد بحسب صلاته الوداعية في بستان جثسيمانى (يوحنا 17):

"أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ.
وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، 
لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا،
لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ."

ـ بحث إعادة مشاركة الأراخنة في تدبير الكنيسة في تكامل مع الإكليروس لتستعيد الكنيسة توازنها، في ترجمة لمفهوم الكنيسة التي تعتبر الإكليروس والعلمانيين هم معاً "شعب الله"، وتأكيداً علي مبدأ الشفافية وتخفيفاً للحمل عن كاهل الأسقف، ولتوفير قدر اكبر من مراقبة أوجه صرف موارد الإيبارشيات في شفافية تخضع لقواعد تنظيمية عامة ومجردة وملزمة. والمشاركة هنا ليست علي سبيل الإستشارة، شركاء لا مستشارون.

وبطبيعة الحال فإن عودة المجلس الملي باتت ضرورية كما بينا سابقاً، بعد تغيير المسمى المفارق للواقع والذائقة المعاصرة، وكذلك تحديد مهامه المستجدة في لائحة، والأفضل في قانون، كما هو الحال مع هيئة الأوقاف القبطية.

ـ مراجعة وتقييم تجربة الكنيسة في رسامة الأسقف العام، في تطوراتها، بين اختيارهم في حبرية البابا كيرلس السادس وقد أُسندت لهم مهام محددة في تقليد رسامتهم، وبين اختيارهم في حبرية البابا شنودة والبابا توضروس بلا مهام محددة، توطئة لتجليسهم في ايبارشيات يرحل اسقفها، أو اسناد اشراف كنائس لهم في ايبارشية البابا (القاهرة والإسكندرية)، وقد يكون من المفيد في هذا السياق دراسة عودة رتبة الخورى ابسكوبس في الهرم الإكليروسى، يتولون مهام تدبير اجزاء من الإيبارشيات تحت قيادة اسقفها بدلاً من تقسيمها. 

وفي ذات السياق التوقف عن تقسيم الإيبارشيات، وتجميع الإيبارشيات الصغيرة  التي تقع في نطاق المحافظة الواحدة، ورسامة مطران لكل محافظة يتبعه ـ في الوضع الراهن ـ اساقفة تلك الإيباشيات المجمعة، يكون مقره في عاصمة المحافظة. 

ومثالنا ايبارشية البابا البطريرك التي يترأسها قداسته، ويعاونة اساقفة أسند إلى كل واحد منهم إدارة مجموعة كنائس يجمعهم نطاق جغرافي واحد داخل الإيبارشية.

ـ مراجعة منظومة الرهبنة المعاصرة، باعتبار الأديرة المخزون الاستراتيجى اللاهوتي والتدبيري للكنيسة، شخوصاً وعقائد وتراثاً، وفصلها عن التعليم الإكليريكى الخاص بالخدام المكرسين في دائرة الإكليروس. ووضع لائحة تنظم قبول طالبى الرهبنة ومناهج إعدادهم ومتابعتهم قبل وبعد الرهبنة إحياء لنسق التلمذة الذي لا تقوم الرهبنة السوية بغيره، والعودة لإسناد رئاسة الدير لأحد رهبانه وليس باقامة أُسقف للدير، ليحتفظ الدير بسلامه ونموه وامكانية تغيير رئاسة الدير، دون قيود تغيير الأسقف، ويمكن لتواصل الأديرة مع الكنيسة رسامة أسقف عام لشئون الأديرة. 

ـ إنشاء آلية لإعداد الرهبان المرشحون لتولي مناصب كنسية خارج نطاق الأديرة، تكون ملحقة بالمقر البابوي، يقوم علي إدارتها مؤسسات الكنيسة التعليمية، الإكليريكية الأم ومعهد الدراسات القبطية ومراكز البحث القبطية الأرثوذكسية، وتستعين بالكوادر الأكاديمية ذات الصلة بالجامعات المصرية عبر بروتوكولات تعاون ثقافية بينها وبين الكنيسة، تغطى جانب العلوم الإنسانية في اعداد المرشحين للإسقفية.

ـ فك الإرتباط بين الكهنوت والرهبنة داخل الأديرة، ذلك الإرتباط الذي يقف وراء جل مشاكل ومتاعب الرهبنة، والإكتفاء بأقل عدد ممكن من الكهنة الرهبان، داخل كل دير، بقدر احتياجات الدير، ورد الاعتبار لشيوخ الأديرة في سعى إعادة نسق التلمذة للأديرة كما كانت في السابق. فتسترد الأديرة عافيتها وسلامها ونموها.

ـ إنشاء آلية مركزية لإدارة المشروعات الإنتاجية الديرية، وتوزيع ريعها علي الإديرة الفقيرة أو التي لا تملك مثل هذه المشاريع،  وكذلك الإيبارشيات محدودة الدخل، في تطبيق علي الأرض لنذر "عدم القنية ـ عدم الإمتلاك" ولتحقيق التوازن بين الأديرة. وكذلك في الكنيسة.

فضلاً عن تولي هذه الآلية مسئولية تسويق منتجات تلك الأديرة، لترفع عن الرهبان ثقل الإنشغال بهذه المهمة الثقيلة وما تجلبه من متاعب علي الدير ورهبانه، والتي في بعضها ترقى إلى مستوى الجريمة. 

ـ دراسة الحاجة لإنشاء منظومة للتكريس خارج اسوار الإديرة، وبالتوازى معها، ومجال عملها خدمة المجتمع العام والقبطي في دوائر التعليم والصحة والرعاية الإجتماعية وهى تتيح توافر باحثين لاهوتين يعكفون علي الدراسة والبحوث اللاهوتية والعقائدية والتعامل مع اجيال الشباب وتوعيتهم وبناء رؤاهم الكنسية علي أرضية مسيحية ارثوذكسية نقية. ولدينا خبرات عملية متوفرة في مراكز بحثية قبطية قائمة وفاعلة منها علي سبيل المثال مؤسسة القديس انطونيوس ومركزها لدراسات الآباء والتي أسسها الدكتور نصحي عبد الشهيد، وقدمت للكنيسة باحثين ثقاة استعانت بهم في معاهدها التعليمية. 

ـ مراجعة الملابس الخاصة بالاسقف وردها لأصلها المصرى القبطي الذي يتسم بالبساطة، بغير تزيد أو مغالاة مثل التي نشهدها اليوم والتي تشهد سباقا في التفرد باضافات، تنتمى للعصور الوسطى وتشبه الملابس الإمبراطورية، المفارِقة للحس القبطي، وهو أمر يحتاج لتوفر قدر كبير من التجرد والمصالحة مع الحياة الطبيعية، وتسهم في تأكيد طبيعية العلاقة السوية بين الأسقف والكاهن وبينهم وبين الرعية، بلا غلو وبلا استعلاء، وهو ما طرحناه قبلاً تحت عنوان "أنسنة الإكليروس"، وهو ما أكده الرب يسوع المسيح في تجسده، وهو المثل والقدوة.

وفي سياق المراجعة علي الكنيسة ان تراجع ظاهرة انتشار إقامة مدفن، يحاكى المذبح المقدس، لكل اسقف يتنيح، والذي يتحول إلى مزار شعبى التماساً لحل مشاكل من يلجأ إليه، في مخالفة فادحة لما تُعلم وتؤمن به الكنيسة، فهذه الظاهرة توجه الانتباه بعيداً عن طلب وجه المسيح وهى تنويعة علي الارتداد للوثنية، ويتفق مع ما قاله الكتاب "لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً." (إر 2: 13).

ـ وضع ضوابط للعلاقة بين الأسقف وكهنة ايبارشيته ترتفع بها من التبعية إلى التكامل، وتحفظ للكهنة انسانيتهم وتحميهم من الفصل التعسفي وتوفر لهم ضمانات العيش الآمن، ودراسة اقامة هيئة كنسية توفر لهم معاشاً مناسبا حال تقاعدهم بسبب الشيخوخة أو المرض، وتوفر لبيت الكاهن دخلاً مناسبا حال رحيله، بشكل يصون انسانيتهم وكرامتهم، ولا يخضع للتقدير الشخصى الذي يراه الأب الأسقف، واعادة النظر في اشتراك الكاهن في منظومة التأمينات الاجتماعية بصفته صاحب عمل. وفيه يتحمل الكاهن كل قيمة الاشتراك التأمينى بما فيه حصة الكنيسة التي ترفض التأمين عليه كعامل لديها، وفق قوانين العمل، وكذلك الأمر مع التأمين الصحى للكاهن واسرته. أو دراسة إنشاء منظومة تأمين كنسية خاصة، بالاستعانة بخبراء التأمين والعلوم الإكتوارية، ذات الصلة بالتأمين والمعاشات التقاعدية، من أبناء الكنيسة.

ـ وتبقى اشكآلية الإعلام الكنسى وحاجته إلى تطبيق معايير الإعلام المهنية والفنية وإسناده إلى متخصصين من شباب الكنيسة، بعيداً عن الهيراركية الأكليروسية، بانشاء مركز إعلام مركزى يتبع مكتب البابا البطريرك وهيئة مجلس الأراخنة، يتبعه فروع في كافة الإيبارشيات، تحكمه المعايير الإعلامية المهنية المجردة، وصالح الكنيسة. 

أحسب سطوري ورقة عمل مقدمة لمجمع الأساقفة، على أمل أن يتوفر لديه إرادة التصحيح، والخروج بالكنيسة من نفق طال.